عين وليد جنبلاط «محمرّة» كثيراً على العسكر هذه الأيام. «عسكر» اليرزة بالتحديد. سبق له في الأيام الماضية أن قصف القيادة العسكرية قصفاً مباشراً متّهماً الجيش بالتواطؤ في قضية الإنترنت غير الشرعي.

في «جمهورية الموز»، كما أسماها، التي ينشر جنبلاط غسيلها على حيطان صفحاته يجد دوماً ثغرة ما لاستهداف مَن يجهد من حلفائه وخصومه لحمايته بـ «رموش العين». جان قهوجي يكمل ولايته الممدّدة للمرة الثانية حتى آخر يوم في أيلول، فيما الولاية الثالثة على الأبواب.
لذلك يبقى قائد الجيش مشروع مرشّح للرئاسة ما دام قصر بعبدا شاغراً، تماماً كما غيره من الأسماء الخارجة من سرب ترشيحَيْ ميشال عون وسليمان فرنجية، بالرغم من عائق التعديل الدستوري.

هنا تكمن إحدى قطب النقمة الجنبلاطية المخفّية على «جنرال» لا يريده، بأي ثمن، أن ينتقل من اليرزة إلى بعبدا. لم يكن تفصيلاً فتح ملف القاعدة البحرية «العتيق» بالتزامن مع تعيين العميد كميل ضاهر، أحد أبرز مساعدي قهوجي ومدير مكتبه، مديراً للمخابرات، معتبراً، بسخرية، أن «خبرته تفوق خبرة الجاسوس البريطاني كيم فيلبي»!
رَبَط جنبلاط بين «صفقة» تعيين ضاهر، كما وصفها، واستملاك «سوليدير» القاعدة البحرية للجيش في بيروت بموافقة وزير الدفاع. الأخير نفى مؤكّداً أن هناك دعوى في الملف لدى المحكمة الابتدائية في بيروت منذ 2010. انتهت «الفوعة» هنا وأدار جنبلاط «مدافعه» باتجاه أهداف أخرى.

لا مؤشّرات أن جنبلاط «سيروق» في المدى القريب، ويمكن توقّع المزيد من دفعات «السَمسَمة» على «تويتر». يسخر أحد السياسيين قائلاً: لو قُدّر للملفات المكدّسة في أرشيف المخابرات أن تُخبر عن مآثر وليد جنبلاط في «بناء الدولة» والحفاظ على حقوقها وطرد «الفاسدين» من محيط المختارة وعدم الانغماس في «الصفقات»، لأقفل «دكانة تويتر» وفضّل التفرّج بدلاً من تنصيب نفسه مديراً لمدرسة «مكافحة الفساد»!

التعيينات العسكرية «الدسمة» على الأبواب، وهذا الأمر قد يشكّل عامل توتّر إضافياً مع اليرزة. ليس فقط وليد جنبلاط من سيكون معنياً بمواكبة دقيقة لهذا الملف. ثمّة سؤال كبير يُطرح: هل العماد ميشال عون، الذي جيّر لنفسه «انتصار» إتمام التعيينات في المجلس العسكري بعد أن خسر سابقاً معركة تعيين العميد شامل روكز قائداً للجيش، سيستكمل معركته باتجاه فرض التعيينات في رئاسة الأركان ورئاسة المجلس الأعلى للدفاع وصولاً الى قيادة الجيش؟ وهل «تيار المستقبل» و«حزب الله» «سيمشيان» بالتعيين أو سيؤمّنان الغطاء للحفاظ على الستاتيكو القائم على رأسه التمديد مرّة ثالثة لقهوجي.. إذا لم يتمّ انتخاب رئيس للجمهورية قبل أيلول المقبل؟

الاستحقاقات العسكرية المقبلة تختلف عن سابقاتها لناحية أمر أساسي. في ظل احتمال التمديد الثالث لقهوجي فإن رئيس الأركان محكوم بخلع البزّة المرقّطة حتّى قبل انتهاء ولايته الممدّدة حتّى 30 أيلول، حيث إنه في السابع من آب يستنفد سنوات الخدمة الفعلية (43 عاماً).

فقرار وزير الدفاع في أيلول من العام الماضي شمل التمديد للضباط الثلاثة دفعة واحدة لمدّة عام واحد، وبدا لافتاً شمول القرار التمديد لسلمان شهراً ونصف الشهر أكثر من المدّة القانونية التي تنتهي في 7 آب. أما هذه المرّة فإن السلّة قد «تنفرط»!

يُذكر أن قانون الدفاع يمنع استدعاء قائد الجيش ورئيس الأركان من الاحتياط بعد انتهاء سنوات خدمتهما الفعلية، ما يحتّم الذهاب نحو خيار تعيين بديل عن اللواء سلمان في مجلس الوزراء بالثلثين، أو تسلّم الضابط الأعلى رتبة. أما قهوجي فيبقى له سنة إضافية في الخدمة الفعلية تنتهي في أيلول 2017.
وفق أوساط متابعة، لا أحد لديه صورة شاملة عن مسار هذه الاستحقاقات ومدى ترابطها. لكن المؤكّد أن لا قائد جديداً للجيش ما دام انتخاب رئيس الجمهورية لم يتمّ، ما يعني حكماً التمديد مجدداً لقهوجي، وهذه المرّة باقتراح من المجلس العسكري المكتمل الأعضاء.

كل القصّة تكمن في مسار الرئاسة الأولى. وهو الأمر الذي لا يبدو أن هناك أي ممانعة مسبقة حياله من «أولياء» التمديد الأول والثاني في الداخل وصولاً إلى «الجوّ الخارجي» الذي ضغط بشكل لافت حتى اللحظات الأخيرة باتجاه إجراء الانتخابات البلدية، ولا يزال يضغط في الموضوع الرئاسي، لكنه يعاين الاستحقاقات العسكرية والأمنية بتأنٍ أكبر وتفهّم يصل الى حدّ التشجيع على عدم «المغامرة» بإيجاد بديل عن قائد الجيش إذا كانت المسالك القانونية حاضرة لتأمين بقاء قهوجي في موقعه في ظل مرحلة أمنية شديدة الحساسية والتعقيد.
في السياق نفسه يفيد مطلعون أنه خلال مرحلة تأجيل التسريح الثاني لقهوجي وممانعة عون له، وخلال مرحلة إقرار التعيينات في المجلس العسكري، لم يصدر أي التزام من جانب «8 آذار» بالسعي لتعيين قائد جيش جديد في نهاية الولاية الممدّدة. إذا لم يُصَرْ الى التوافق مجدداً فإن «حزب الله» والرئيس نبيه بري على كلمتهما: لا للفراغ نعم لتأجيل التسريح.
وفق رزنامة الاستحقاقات، موقع رئاسة الأركان يأتي أولاً، وهو يعني بشكل مباشر النائب وليد جنبلاط. ثمّة أسماء عدّة في التداول، أبرزها العميد أمين بو مجاهد والعميد مروان حلاوي، إضافة إلى العميد حاتم ملّاك ودريد زهر الدين (يُحال قريباً الى التقاعد).

معطيان يرتبطان بهذا الاستحقاق
أولاً، إن التعيينات العسكرية السابقة لثلاثة ضباط في المجلس العسكري بقرار من مجلس الوزراء، ثم تعيين مدير للمخابرات بقرار من وزير الدفاع، قد يزكّي خيار التعيين ويفرضه تلقائياً في رئاسة الأركان والأمانة العامة للمجلس الأعلى للدفاع، مع العلم أن اللواء خير لا يزال يملك رصيداً من سنوات الخدمة. القطبة الأساسية أن هذا التعيين قد يقوّي الأوراق بيدّ رافضي التمديد لقهوجي وعلى رأسهم ميشال عون، فيدفعون باتجاه تعيين قائد جيش حتى لو لم يتمّ انتخاب رئيس للجمهورية.
ثانياً، حصول ما يشبه التوافق ضمن فريق «8 آذار» تحديداً على أن تزكية الاسم الدرزي لرئاسة الأركان ليس صلاحية حصرية لجنبلاط، وبالتالي ضرورة توافر مروحة من الخيارات، على أن يُبتّ الأمر في مجلس الوزراء بعد أن يرفع وزير الدفاع الأسماء للتصويت عليها. يقول أحد أقطاب هذا الفريق: لن نقبل أن يُفرض علينا أي اسم، والقصة مش بس عند البيك.. هذه رئاسة أركان الجيش لا المختارة، ولا نريد «ناجي المصري» في اليرزة!

بعد تعيين العميد كميل ضاهر مديراً للمخابرات قام الأخير بزيارة عون في الرابية بعيداً عن الإعلام، وكانت أجواء الجلسة إيجابية، فيما لاحظ مراقبون مؤخّراً انخفاض مستوى التوتر على خط الرابية ـ اليرزة. المعطيات تفيد أن عون، «المسحور» حالياً في الاستحقاق الرئاسي، سيستكمل مجدّداً مسار مطالبته بتعيين قائد جيش حتّى لو لم يتمّ انتخاب رئيس، فيما مصادره تؤكّد «أن اسم مرشّحه جاهز».

ملاك عقيل السفير