ما كادت زيارة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند للبنان تنتهي حتى غرقت الساحة الداخلية بملفاتها الساخنة والتي ستطرح على طاولة الحوار الوطني غداً، في وقت عاد الوضع في سوريا يرخي بظلاله على الاجواء اللبنانية ويثير مخاوف عدة خصوصاً لدى موسكو. وفي هذا السياق، قالت مصادر روسية لـ«الجمهورية» انّ موسكو تلقت إشارات مقلقة تجاه الوضع الميداني في سوريا، على خلفية عودة الحديث عن الخطة «ب» لدى كل من الولايات المتحدة وتركيا والسعودية، بحيث انّ معركة حلب المقبلة، اذا ما حصلت، وفق ما هو مخطط لها، فإنها قد تطيح الهدنة وتستعر الحرب. وتخوفت هذه المصادر من معلومات سلبية عن مستقبل الوضع الأمني في لبنان للمرة الاولى تزامناً مع الخطة «ب» اذا انطلقت في سوريا. ودعت جميع الأطراف الى ضرورة الالتفاف حول الجيش اللبناني الذي قد يواجه اختباراً جديداً على الحدود الشرقية. بعد 24 ساعة على مغادرة هولاند بيروت، تأكد جلياً انّ زيارته كانت للنازحين السوريين اكثر ممّا كانت للبنان، بدليل انّ الاعلام الفرنسي المقروء والمرئي والمسموع لم يتحدث عن زيارة هولاند للبنان بل عن زيارته للنازحين السوريين فيه، كذلك لم تعرض قنوات التلفزة الفرنسية إلّا صوَره مع النازحين مستبعدة ايّ صورة له مع ايّ مسؤول لبناني التقاه.

وتبيّن انّ هذا الامر ناجم من سوء تنظيم السفارة الفرنسية في لبنان، إذ لم يقم السفير ايمانويل بون توازناً بين زيارة رئيسه للبنان وبين زيارته للنازحين، لا بل انّ بعض الشخصيات اللبنانية كانت مدعوة الى الاستقبال الذي أقامته السفارة وبعضها مدعو الى العشاء، ما أثار استياء لدى عدد كبير من الشخصيات، وقد وصلت هذه المعلومات فوراً الى الإدارة الفرنسية التي طلبت من سفيرها في لبنان استفسارات.

«أمن الدولة»

من جهة ثانية لم يتوصل مجلس الوزراء في جلسته أمس الى حل لأزمة المديرية العامة لأمن الدولة، فلا الاتصالات قبَيل الجلسة تكثفت وعكست نية بالتوصّل الى حل، ولا مسار النقاش داخل الجلسة ايضاً، فتأجّل البحث في هذا الملف بناء على وعد قطعه رئيس الحكومة تمام سلام بأن يكثّف اتصالاته ويبلور تصوراً خلال مدة محددة قيل لاحقاً إنها لن تتعدى 15 يوماً.

وعلمت «الجمهورية» انّ حدة الخطاب واللغة التصعيدية غابت عن النقاش للمرة الاولى لدى مقاربة هذا الملف الذي أخذ مساراً مالياً قانونياً. وتشبّث الوزراء الخمسة، ميشال فرعون وسجعان قزي وآلان حكيم والياس بو صعب وجبران باسيل، بمواقفهم لجهة ربط البنود المتعلقة بصرف أموال للاجهزة الامنية الاخرى بصرف أموال لأمن الدولة، فإمّا تُصرف لكل الاجهزة وإمّا تؤجّل بعضها مع بعض.

خليل

ودار نقاش سياسي قانوني طويل بين باسيل ووزير المال علي حسن خليل الذي قال بعد الجلسة: «تبيّن بعد توضيح حاجة هذا الملف الى المعالجة وفق القانون والاصول أنّ موقفي كان واضحاً وهو انني لا يمكن ان أصرف أي طلب إلّا وفق الصيغة القانونية، وكل الطلبات غير المرفقة بتوقيع نائب مدير أمن الدولة بحسب القانون لا يمكنني صرفها. وتبيّن انّ الحق معي، لذلك وعد رئيس الحكومة بمعالجة هذا الامر».

وقدم خليل خلال الجلسة شرحاً طويلاً أظهر فيه انه حوّلَ كل الاموال الى جهاز امن الدولة وفق الطلبات الادارية المعمول بها بحسب القانون، وانّ ما هو عالق يفتقد الى الصيغة القانونية.

ابو فاعور

وكانت مداخلة الوزير وائل ابو فاعور لافتة فهو انتقد فيها وزير الداخلية نهاد المشنوق من دون ان يسمّيه عندما تحدث عن انّ بعض الوزراء يتصرفون بمخصصات سرية بلا رقيب ويأخذونها من درب القوى الامنية.

عريجي

واقترح الوزير روني عريجي ان يتمّ التعاطي مع مديرية امن الدولة «كمرفق عام وكمؤسسة رسمية تعتريها مشكلة في عملها والعودة الى نظرية تسيير المعاملات وتوسيع الاطار القانوني بالاستناد الى المبدأ الذي يحكم تسيير المرفق العام او تشكيل لجنة او عرض الموضوع على هيئة الاستشارات للإجابة عن النقاط القانونية الخلافية».

ومن ضمن الحلول التي طرحت دعوة المجلس الاعلى للدفاع الى الاجتماع كونه المرجع القانوني لجهاز أمن الدولة لبتّ أي خلاف يقع فيه. وتقرر في نهاية النقاش ان يتولى رئيس الحكومة الاتصالات واعداً بإيجاد حل خلال 15 يوماً.

الحناوي

وقال الوزير عبد المطلب الحناوي لـ«الجمهورية»: «إنّ المرسوم الرقم 2661 يقول: يجب ان يؤخذ في رأي نائب المدير العام لأمن الدولة في كل القرارات المالية والادارية، والقرار يعود الى المدير. والطلبات التي أحيلت الى وزارة المال لم تأخذ برأي نائب المدير، وبالتالي فهي غير قانونية. الموضوع كله بات في عهدة الرئيس سلام لمتابعته وفق الاصول القانونية».

درباس

وبدوره، قال الوزير رشيد درباس لـ«الجمهورية»: «تقرر أن يأخذ الرئيس سلام وقته ويعالج الموضوع في هدوء بعيداً من التجاذبات وتحت سقف القانون، ولا يجب أن تناقش الامور المتعلقة بأجهزة الأمن بطريقة علنية وبتداول إعلامي».

لا لقاء لـ «14 آذار»

على صعيد آخر، وعشيّة جلسة الحوار الوطني بين اقطاب الكتل النيابية التي تنعقد في عين التينة اليوم، قالت مصادر مطلعة على التحضيرات الجارية لهذه الجلسة انّ رئيس مجلس النواب نبيه بري سيطرح على المجتمعين الظروف التي ستدفعه الى تحديد جلسة تشريعية عامة مطلع أيار المقبل، للبتّ ببعض اقتراحات ومشاريع القوانين التي يراها ضرورية في ظل الظروف الراهنة، وانّ الأمر بالنسبة اليه لا يتحمّل كثيراً من النقاش نظراً لأهمية بعض البنود التي سيحددها. وتعليقاً على هذه الأجواء، قالت مصادر سياسية وحزبية لـ«الجمهورية» انّ المواقف من الجلسة لم ولن تتبدل.

فعلى رغم كل الظروف التي منعت التئام الإجتماع الذي كانت تعقده قوى 14 آذار عشيّة كل جلسة حوار في عين التينة، فإنّ هذا اللقاء غير وارد في هذه المرحلة، وانّ ما ذكر في هذا الخصوص لا أساس له من الصحة بعدما نَفت مصادر الأحزاب المسيحية وجود أي دعوة لمثل هذا اللقاء.

ما بين الحريري والسنيورة

وأكدت مصادر «بيت الوسط» لـ«الجمهورية» انّ مثل هذا اللقاء الموسّع ليس مطروحاً على الإطلاق، وقالت إنّ التحضيرات لطاولة الحوار كانت في صلب الإجتماع الذي عقده الرئيس سعد الحريري ورئيس كتلة «المستقبل» فؤاد السنيورة أمس، وتناول البحث الموقف من الدعوة الى الجلسة التشريعية وقانون الانتخاب إذا طرح على المتحاورين، بالإضافة الى ملفات أخرى.

وأضافت المصادر ان «لا تعديل في موقف «المستقبل» من ان يكون قانون الإنتخاب أوّل بند يطرح على أي جلسة تشريعية كما جرى التفاهم سابقاً مع «القوات اللبنانية» وحلفائها من النواب المسيحيين المستقلين، وانّ الموقف من قانون الإنتخاب سيُبنى على الجديد، إذا طرح الرئيس نبيه بري مشروعاً جديداً بعدما فشلت اللجنة النيابية في الوصول الى صيغة محددة وتركت الأمر للهيئة العامة للمجلس متى عقدت».

جلسة الانتخاب

رئاسياً، ظل مصير الاستحقاق الرئاسي معلقاً، بعدما فشل مجلس النواب مجدداً، أمس، وللمرة الثامنة والثلاثين، في انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وذلك في جلسة عقدت أمس وغاب عنها بري والحريري ورئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط، إضافة الى غياب المرشحين الرئيسيين رئيس تكتل «الاصلاح والتغيير» النائب ميشال عون ورئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية، فيما انخفض عدد النواب الذين حضروا الى 53 نائباً.

وفي ضوء ذلك لم يكتمل النصاب وعيّن بري موعداً للجلسة التاسعة والثلاثين في 10 ايار المقبل.

عقب الجلسة، لفت التمايز والتباعد في الشأن الرئاسي بين تيار «المستقبل» و«القوات اللبنانية» على خلفية مسؤولية التعطيل، إذ اتهم السنيورة «التيار الوطني الحر» و«حزب الله» بالتعطيل، فيما اعتبر نائب رئيس حزب «القوات» النائب جورج عدوان «انّ «حزب الله» هو المسؤول الاكبر في التعطيل، لأنه رشّح عون لمدة سنتين، وعندما تفاهمت «القوات» مع «التيار» لم يحرّك ساكناً لانتخابه، ولا حتى دعمَ مرشح تيار «المستقبل» النائب سليمان فرنجية».

الّا أنّ هذا التباعد قابَله تقارب بين الطرفين حول قانون الانتخابات حين اكد السنيورة التزام «المستقبل»، «ما اتفق عليه مع «القوات اللبنانية» في موضوع قانون الانتخابات».

فيما قال عدوان «انّ القانون الذي لديه فرصة أن يحظى بأكبر عدد من المؤيّدين هو القانون المختلط لسبب انّ النسبية الكاملة يرفضها أفرقاء والاكثرية الكاملة يرفضها أفرقاء.

وبالتالي، هناك قانونان مطروحان للبحث أكثر من بقية الصيغ وهما: قانون الرئيس نبيه بري والقانون المشترك الذي قدمناه مع «المستقبل» والاشتراكي، والفوارق ليست كبيرة، لذلك اذا كان هناك من ارادة لإمرار قانون انتخاب جديد علينا ان نحضر الى الجلسة التشريعية وبالتالي نعرض هذه الفوارق القليلة ويطرح على التصويت، ونحن ملتزمون بمواقفنا مع تيار «المستقبل».

الإنترنت

وعشيّة عودة ملف الانترنت غير الشرعي الى اجتماع لجنة الإتصالات والإعلام النيابية اليوم في ساحة النجمة، كشفت مراجع قضائية رفيعة المستوى لـ«الجمهورية» انّ التحقيقات الجارية في هذا الملف ما زالت مستمرة، وانّ التحقيقات التي يجريها المدعي العام التمييزي القاضي سمير حمود شخصياً مع توفيق حيصو لم تنته بعد، وانه يواصل استجوابه في حضور المدعي العام المالي القاضي علي ابراهيم.

ولفتت الى «انّ التحقيقات ستستغرق وقتاً إضافياً قبل البتّ في موضوع الإفراج عنه او إحالته حسب الإختصاص الى كلّ من المدعي العام المالي او الى النيابة العامة العسكرية بإشراف القاضي صقر صقر الذي يواصل تحقيقاته في جوانب مختلفة من الملف، سواء لدى مساعده القاضي داني الزعني او لدى مديرية المخابرات في الجيش.

وفي هذه الأجواء، تستكمل لجنة الإتصالات، برئاسة النائب حسن فضل الله، الاستماع الى آراء ومعلومات وزراء الاتصالات والداخلية والدفاع بطرس حرب ونهاد المشنوق وسمير مقبل، في ضوء النتائج المنتظرة من التحقيقات القضائية التي تطورت في الأيام الأخيرة وأدّت الى توقيف شخصين آخرين من المتورطين، في انتظار تبلور ما آلت اليه التحقيقات التي تجريها مديرية المخابرات في الجيش اللبناني.