إذا كان ملف أمن الدولة قد وضع في عهدة رئيس الوزراء تمّام سلام بعد ثلاث ساعات متواصلة في مجلس الوزراء أمس من محاولات التوصل الى حل لهذه القضية التي ربطت بها كل البنود المتصلة بمخصصات الأجهزة الأمنية، فان مشروع المخرج هذا لم يحجب لا التعقيدات التي لا تزال تعترض حل المأزق ولا تصاعد الخلافات الحادة بين قوى حكومية – سياسية باتت الأجهزة نفسها مسرحاً لمعاركها أسوة بما يجري في معظم الوزارات والادارات والقطاعات. هذا المشهد لم يكن مستغرباً عقب استجرار العقم والاخفاق في مسلسل رتيب عنوانه الجلسات الانتخابية لرئيس الجمهورية وكانت آخر حلقاته ظهر أمس في ترحيل الجلسة الـ 38 الى العاشر من أيار المقبل بما شكل "طياً" فورياً ضمنياً لكل ما تركته زيارة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند للبنان السبت والاحد الماضيين وخصوصاً لجهة دعواته الى النواب لاستعجال وضع حد لأزمة الفراغ الرئاسي.
لكن الشجارات الوزارية ومعارك تناتش النفوذات السياسية والحزبية في جمهورية الفراغ لن تقف عند هذه الحدود. فغداً سيكون موعد اضافي مع أزمة قديمة – جديدة تطل برأسها تكراراً لدى انعقاد الجولة الجديدة من الحوار الوطني في عين التينة التي سيطرح فيها رئيس مجلس النواب نبيه بري موضوع جلسات التشريع التي يصر على عقدها في أسرع وقت وخصوصاً قبل انطلاق الانتخابات البلدية والاختيارية في الثامن من أيار على امتداد عطل الأسبوع في هذا الشهر حتى نهايته، الأمر الذي يمكن ان يشكل عائقاً اضافياً دون بت مصير الجلسات التشريعية. ويواجه هذا الملف بدوره تعقيدات أكبر في ظل ربط القوى المسيحية لتشريع الضرورة بقانون الانتخاب الجديد، علماً ان أي اتفاق على هذا الربط أو سواه من مخارج لا يبدو سهلاً وممكناً بالسرعة التي يتوخّاها البعض. ومن هذا المنطلق تكتسب جولة الحوار غداً طابعاً تقريرياً وربما حاسماً لأنه سيتعين على الأفرقاء المتحاورين تحديد مواقفهم الحاسمة من تشريع الضرورة. ولعل العامل البارز الذي سجل أمس في هذا السياق تمثل في اعادة احياء التفاهم بين "تيار المستقبل" وحزب "القوات اللبنانية" على ادراج بند قانون الانتخاب على رأس جدول أعمال الجلسة التشريعية على رغم التمايزات بين الفريقين حيال المسألة الرئاسية كما أكد الفريقان بلساني الرئيس فؤاد السنيورة والنائب جورج عدوان التزامهما المشروع الثلاثي المشترك بين "المستقبل" و"القوات" والحزب التقدمي الاشتراكي لقانون الانتخاب.

مجلس الوزراء
في غضون ذلك، انتهت جلسة مجلس الوزراء الى خلاصة مفادها ان الرئيس سلام سيتابع موضوع أمن الدولة "وفقا للاصول القانونية بغية التوصل الى النتيجة المرجوة التي تضمن تفعيل عمل هذه المديرية".
وروت مصادر وزارية لـ"النهار" وقائع الجلسة فقالت إن ثلثيّ وقتها الذي إمتد لأربع ساعات خصص لبند أمن الدولة، أما ثلثها الاخير فخصص لباقي بنود جدول الاعمال. وبعد إستهلالية للرئيس سلام وجه فيها نداء الى كل القوى السياسية لكي تنتخب رئيساً للجمهورية "لأنه لا يجوز أن يبقى الوضع على ما هو عليه"، قال إنه كما أنتهت الجلسة السابقة بوعد أن يكون بند جهاز أمن الدولة في أول جدول الاعمال سنستهل النقاش به.عندئذ تعاقب على الكلام جميع الوزراء، فتبيّن أن هناك جموداً في إيجاد حل، عندئذ إقترح وزير العمل سجعان قزي فصل موضوع المخصصات والداتا وعن البحث في الصلاحيات ومجلس القيادة. لكن هذا الاقتراح لم يأخذ به وزير المال علي حسن خليل الذي ظل مصرّاً على أن تأتي الطلبات ممهورة بتوقيعيّ المدير ونائبه.فرد عليه وزير الاقتصاد الان حكيم معدداً المرات التي تمت فيها تلبية المطالب التي حملت توقيع المدير وحده حتى خلال وجود خليل في وزارة المال مع موافقة ديوان المحاسبة عليها. وتجدد النقاش بين الوزراء فاقترح قزي مرة أخرى أن يتابع الرئيس سلام مساعيه لإيجاد حل خلال إسبوعيّن فارتؤي حذف مهلة الأسبوعين وابقاء باقي الاقتراح.

 

أبو فاعور والمشنوق
أما التطور اللافت الذي سجل في الجلسة، فتمثل في ما أثير اعلامياً وقبل ان تنتهي الجلسة عن توجيه وزير الصحة وائل أبو فاعور اتهامات مباشرة الى وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي كان غائباً عن الجلسة في ملف الفساد. لكن الوزير أبو فاعور سارع الى نفي ذلك وأوضح لـ"النهار" ان مانسب اليه كان كاذباً وانه لم يوجه اتهامات الى الوزير المشنوق وانما تحدث لدى مناقشة موضوع المخصصات السرية للاجهزة متسائلاً: "ماذا نعرف عن هذه المخصصات وكيف تصرف وهل من جدوى لصرفها؟". كما أكد انه لفت الى ان "بعض الوزراء الامنيين يأخذون معهم في أسفارهم وفوداً جرارة فهل هذه أيضاً من المخصصات السرية". وفي موضوع أمن الدولة أوضح أبو فاعور انه اقترح المخرج الذي يتناول ثلاث نقاط هي: ابعاد الموضوع عن التجاذبات السياسية، والسير بجداول أعمال جلسات مجلس الوزراء، واعطاء الرئيس سلام التفويض لايجاد الحل وتسيير عمل الجهاز.
ولاحظت اوساط وزارية ان موقف أبو فاعور الضمني من الوزير المشنوق جاء على خلفية ارتفاع وتيرة السخونة في الايام الاخيرة بين رئيس الحزب التقدمي النائب وليد جنبلاط ووزير الداخلية، اذ ان جنبلاط كان أثار في حديث صحافي أمس موضوع التعرض لقائد الشرطة القضائية العميد ناجي المصري متهماً ضمناً الوزير المشنوق بالعمل على استبداله، ورد المشنوق على جنبلاط نافياً أي نية لاستبداله.
بعد ذلك دخل مجلس الوزراء في دراسة بنود جدول الأعمال بإستثناء البنود 41 و42 و43 المتعلقة بنقل إعتمادات الى الاجهزة الامنية بإعتبار أنها صارت مرتبطة ببند أمن الدولة. وقد إعتمد المجلس إقرار البنود التي تحظى بالاجماع وتأجيل البنود التي يدور حولها نقاش وبذلك تمكن المجلس من إقرار عشرات البنود بسرعة قياسية.
وتقرر عقد الجلسة المقبلة الاربعاء 27 نيسان الجاري على أن يسافر الرئيس سلام الى نيويورك بعد غد الخميس للمشاركة في إعمال القمة العالمية للبيئة.