لم تحجب "زيارة العمل" للبنان التي اختتمها الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند بعد ظهر أمس، منهياً يومين من اللقاءات والزيارات، المشاكل المتراكمة التي كان أبرزها محور لقاءاته ومنها ملف الشغور في رئاسة الجمهورية ومساعدة الجيش اللبناني ومده بالاسلحة لمواجهة قوى الارهاب والتطرف، الى مشكلة اللاجئين السوريين الذي يواجه البلد الصغير خطر توطينهم بعدما أقر المجتمع الدولي عودتهم الطوعية الى بلادهم. واذ أكد الرئيس هولاند ان لا توطين لهؤلاء في لبنان بل في بلد ثالث، لم يعلن عن اي مبادرة رئاسية جديدة بعد محاولات فرنسية سابقة لدى السعودية وايران باءت بالفشل، لكنه قال خلال لقائه الرئيس نبيه بري: "أريد ان أعود الى لبنان في أسرع وقت ممكن للقاء رئيس الجمهورية اللبنانية، ولكن ليس لدي اجابة لهذا الامر، الاجابة لديكم انتم البرلمانيون".
واذا كانت الزيارة لم تحقق اختراقاً واضحاً على هذا الصعيد، أقله في ما ظهر من مواقف الذين التقوه خلال محطاته المتعددة، فان اهميتها تبرز شكلاً في ظل شبه الحصار السياسي والمالي الذي يطبق على لبنان، وخصوصاً من فرنسا التي ارتبط تاريخه بها بأوثق العلاقات. وقد احدثت الزيارة اختراقاً لا يمكن انكاره أقله من خلال تحول قصر الصنوبر الشهير الذي أعلنت منه دولة "لبنان الكبير" في القرن الماضي خلية نحل جمعت كل شرائح القوى السياسية باستثناء "حزب الله"، الى رؤساء الطوائف وممثلين للمجتمع المدني. وعلمت "النهار" أن الرئيس هولاند الذي عقد لقاءات جانبية مع بعض الزعماء في قصر الصنوبر كان مستمعاً معظم الوقت أكثر منه متكلماً.
وقد وصف الرئيس بري زيارة الرئيس الفرنسي بأنها كانت "الواقعية". وقال أمام زواره أنها "لم تتجاوز السقف الذي رسمه الفرنسيون لها. ولم تطرح مبادرة في الاستحقاق الرئاسي. واكتفى هولاند بحض الأفرقاء اللبنانيين على انتخاب الرئيس والتأكيد على مساعدة لبنان في ملف اللاجئين السوريين".
واستغرب صدور بعض الملاحظات التي أوردها البعض على طريقة استقباله هولاند. وأشار إلى أنه "تم تطبيق أصول البروتوكول المطلوبة من دون زيادة أو نقصان. وأول ما قلته له في خلوتي معه إني من أشد المتحمسين لاستقباله في الزيارة المقبلة في القصر الجمهوري في بعبدا". وتساءل: "هل المطلوب أن يتم استقباله على طريقة استقبال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي - مون في المطار".
وكانت الانطباعات التي سجلتها أوساط وزارية ونيابية لـ"النهار" تضمنت تحفظاً في الشكل عن طريقة إستقبال رئيس مجلس النواب ضيفه بأن فرش له السجاد الاحمر على مدخل مبنى البرلمان وهذا أمر مختص فقط برئيس الجمهورية. كما أن هناك تحفظاً عن رئيس مجلس الوزراء تمام سلام الذي لم يشرك أعضاء الحكومة الـ 24 والذي يمثلون مجتمعين رئاسة الجمهورية في المحادثات مع هولاند.
أما في المضمون، فرأت الاوساط الوزارية أن الرئيس الفرنسي تعامل مع زيارته للبنان من باب رفع العتب إذ انه تفادى الاحراج بإن يأتي الى المنطقة ولا يعرّج على هذا البلد، علماً أن الانطباع العام هو أنه تعامل في ملف اللاجئين السوريين أكثر منه مع ملف الاستحقاق الرئاسي، وبدأ من دون مبادرة رامياً الكرة في ملعب اللبنانيين. وكان لافتاً ان أحد المرشحين الرئيسيين للرئاسة الا وهو العماد ميشال عون تجنّب لقاء هولاند مباشرة، في حين ان هذا الامر تحقق مع المرشح الاخر النائب سليمان فرنجية. ولاحظت انه حتى في موضوع اللاجئين السوريين لم يظهر هولاند عزما على ممارسة ضغوط على الجهات الدولية المانحة للمساعدات لكي تخصّ لبنان بحصة وازنة وأكتفى بوعد تقديم مساعدة متواضعة لا تلبي الحاجات الضخمة التي يرزح تحتها لبنان.

اليوم الطويل
ويستعيد لبنان اليوم حركته السياسية العادية بجلسة لانتخاب رئيس ظهراً، لن تكون الا كسابقاتها من حيث عدم اكتمال النصاب الذي يسببه فريق 8 آذار ما عدا كتلة "التنمية والتحرير"، رغم وجود مرشحين من هذا الفريق، ليستمر لبنان في دائرة المراوحة واهتراء مؤسسات الدولة.
وفي الرابعة بعد الظهر ينعقد مجلس الوزراء، وعلى جدول أعماله الكثيرمن البنود المالية ونقل المال من احتياط الموازنة الى قوى امنية مختلفة، الأمر الذي سيعارضه وزراء قبل ادراج الاموال المخصصة للمديرية العامة لأمن الدولة والموقوفة في وزارة المال منذ شهر أيلول.
وأبلغت مصادر وزارية "النهار" ان هناك مخرجاً لإزمة جهاز أمن الدولة سيجد طريقه الى جلسة مجلس الوزراء اليوم إذا صدقت النيات، وهو سيسهل العبور الى كل بنود جدول الأعمال بإعتبار أنه البند الاول على الجدول. وأوضحت أن المخرج يقضي كتسوية مرحلية بتمرير المخصصات المطلوبة للجهاز وتلبية باقي المطالب المقدمة الى الحكومة وتأليف لجنة مصغّرة مهمتها البحث في موضوع تنظيم قيادة الجهاز وهو أمر يحتاج الى وقت. وقد يفضي الحل الى الاتفاق على مشروع مرسوم يقرّه مجلس الوزراء وهو يحتاج الى توافق سياسي أو يفضي الى مشروع قانون يتطلب فتح مجلس النواب للتشريع. وأشارت الى إن إقرار مخصصات الجهاز اليوم يكتسب قوة إنطلاقا من ربطها بباقي مخصصات الأجهزة الامنية.
ويمكن ان يشكل هذا الباب مدخلاً الى التشريع الذي يصر عليه الرئيس بري والذي سيكون بنداً أول على طاولة الحوار الوطني بعد غد الاربعاء.