لم تحمل زيارة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند إلى لبنان أي مفاجآت.. خارج النص.
دلالاتها الرمزية طغت على مضمونها السياسي الذي كان خاليا من «الدسم»، في ظل تمنع أو عجز الضيف الفرنسي عن طرح أي أفكار عملية، يمكن أن تساهم في تحريك المياه الرئاسية الراكدة.. في باحة القصر المهجور.
هذه المرة، بدا هولاند وكأنه اقتبس شخصية «أبو ملحم»، مقدّما إياها في «نسخة فرنسية»، حيث جمع القيادات السياسية والدينية في قصر الصنوبر، ووزع النصائح والعواطف في كل الاتجاهات، وزار مخيما للنازحين السوريين متضامنا، بينما كان البعض من اللبنانيين منشغلا فقط بالتدقيق في «الشكل البروتوكولي» للزيارة، في ظل غياب رئيس الجمهورية!
.. ومع مغادرة هولاند، تعود الملفات التي تفوح منها رائحة الشبهات والارتكابات، لتفرض إيقاعها على الساحة الداخلية، من الإنترنت غير الشرعي، إلى الفساد في قوى الأمن الداخلي.. وما بينهما.
وإذا كان الخلاف حول جهاز أمن الدولة سيتصدر اليوم نقاشات مجلس الوزراء، فإن الأرجح أن مؤسسة أمنية أخرى ستحجز مكانا لها على لائحة القضايا الخلافية، هي الشرطة القضائية التي يبدو أنها تحولت إلى ساحة لتصفية الحسابات السياسية، وتبادل الرسائل بين العديد من مراكز القوى في السلطة.
وتفيد المعطيات المتوافرة في هذا الشأن، بأن موقع قائد الشرطة القضائية بات مادة تجاذب بين النائب وليد جنبلاط، ووزير الداخلية نهاد المشنوق ومن يمثل، لقناعة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي بأن هناك محاولة لاستبدال القائد الحالي، العميد ناجي المصري، بشخصية أخرى تدين بالولاء لجهات سياسية معينة.

ويقول النائب جنبلاط لـ«السفير» إن أحد المستشارين الأساسيين لوزير الداخلية نهاد المشنوق، وهو عميد متقاعد في قوى الأمن الداخلي وتربطه صلة قرابة بشخصية سياسية وازنة، يقود منذ فترة حملة منظمة ضد الشرطة القضائية بقيادة العميد ناجي المصري.
ويضيف جنبلاط: على القاصي والداني أن يعلم أن الشرطة القضائية تقوم بواجباتها الأمنية، برغم حملة الضابط المذكور ومن يقف خلفه، وبرغم حرمان هذا الجهاز من الإمكانيات التي نطالب بها منذ مدة طويلة.
ويلفت جنبلاط الانتباه إلى أنه وفي سياق الحصار المتعمد الذي تتعرض له الشرطة القضائية، لم يُلحق بها سوى 20 عنصرا من أصل 900 جرى تخريجهم مؤخرا في ختام إحدى الدورات العسكرية، علما أنها بحاجة ملحة إلى الدعم، بكل أنواعه.
ويشير جنبلاط إلى أن من مؤشرات التضييق أيضا على الشرطة القضائية عدم إحالة ملف شبكة الدعارة إليها، على الرغم من أن التحقيق في هذا الملف يندرج ضمن اختصاصها وفق القانون، موضحا أن أحد ضباط الاستقصاء في قوى الأمن هو الذي يتولى التحقيق خلافا للأصول.
ويضع جنبلاط ما تتعرض له الشرطة القضائية في إطار معركة سياسية لاستبدال المسؤول الحالي عنها بضابط آخر، يكون كامل الولاء لقيادات معينة.
وبالنسبة إلى ملف الفساد في قوى الأمن الداخلي، يلاحظ جنبلاط أن التوقيفات بحق بعض الضباط توقفت عند مراتب ورتب معينة، كاشفا عن أن هناك ضباطا أوقفوا، ثم جرى الإفراج عنهم لاحقا بموجب سند كفالة، ما يدفع إلى طرح العديد من علامات الاستفهام والتعجب.
ويشدد جنبلاط على أهمية المضي في التحقيق حتى النهاية ومحاسبة جميع المرتكبين والفاسدين في قضية الاختلاسات في قوى الأمن، آملا في ألا يكون استهداف الشرطة القضائية مندرجا «ضمن إطار سياسة «توازن الملفات» أو مرتبطا برغبة البعض في وزارة الداخلية في «تصفية الحسابات» معي».
وبينما يلفت جنبلاط الانتباه إلى أن الشرطة القضائية هي التي أوقفت توفيق ح. في قضية الإنترنت غير الشرعي، يكشف عن أن هناك من قامت قيامتهم بعد توقيف ح.، «ويقال إن مدعي عام التمييز من بينهم».

بري.. والضغوط
وفي سياق متصل، أكد الرئيس نبيه بري أمام زواه أمس أن المعركة ضد الفساد في ملفي الإنترنت وقوى الأمن الداخلي ستستمر حتى النهاية، ولن يكون هناك أي غطاء أو حماية لأحد، سواء كان مدنيا أم عسكريا.
وأضاف بري بنبرة لا تخلو من التحدي: كل من يتعرض للضغوط، على مستوى القضاء أو غيره، ما عليه سوى أن يعلمني بذلك، ويترك الباقي عليّ.

زيارة هولاند
على صعيد آخر، اختتم الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، أمس، زيارته الرسمية إلى لبنان والتي استمرت يومين، التقى خلالها رئيسي مجلس النواب والوزراء، إضافة إلى عدد من الشخصيات السياسية والمرجعيات الدينية التي زارته في قصر الصنوبر. كما تفقد أحد مخيمات النازحين السوريين في البقاع.
وقال بري إن زيارة هولاند إلى لبنان كانت «واقعية»، ولم تتجاوز السقف الاستطلاعي الذي رسمه لها الفرنسيون من الأساس، موضحا أن هولاند لم يطرح أي أفكار محددة في ما خص الشأن الرئاسي، لكنه حفّز اللبنانيين على ضرورة انتخاب رئيس الجمهورية بأسرع وقت ممكن، إضافة إلى تأكيده وجوب مساعدة لبنان لتحمل أعباء النازحين السوريين.
واستغرب بري الملاحظات والانتقادات التي وجهها البعض حول طريقة استقباله الضيف الفرنسي، مؤكدا أنه طبّق الأصول البروتوكولية التي تليق برئيس دولة، لا أكثر ولا أقل. وأضاف مبتسما: ثم إن مسؤول البروتوكول في المجلس النيابي علي حمد هو من المحترفين في هذا المجال، وهناك في الخارج من يستعين بخبراته، وبالتالي فأنا أثق فيه.
وتساءل بري: هل كان المطلوب أن نتعاطى مع الرئيس الفرنسي بروتوكوليا كما تم التعاطي مع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون لدى استقباله، خلال زيارته الأخيرة إلى لبنان؟
وأكد بري أن البند الأول المطروح على جدول أعمال الجلسة المقبلة لهيئة الحوار الوطني هو تفعيل عمل مجلس النواب، وبالتالي عقد جلسة تشريعية.
أما جنبلاط، فأبلغ «السفير» أن هولاند ركز خلال لقاءاته على أهمية انتخاب رئيس الجمهورية، معتبرا أن زيارته في هذا التوقيت وفي ظل الشغور، مهمة جدا، أقله من الناحية الرمزية، وتابع: ليس أمرا بسيطا أن يزورنا رئيس فرنسا وسط هذه الظروف ليحثنا على انتخاب الرئيس، فيما نحن في واد آخر.