أكد الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند أن الجواب على مسألة انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية هو «لدى البرلمانيين اللبنانيين»، في أول تصريح له إثر وصوله إلى بيروت بعد ظهر أمس في زيارة عمل. وتمنى هولاند الذي بدأ محادثاته مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري وأعضاء هيئة مكتب المجلس، فور انتقاله من مطار رفيق الحريري إلى مبنى البرلمان، أن يعود «إلى لبنان قريباً لألتقي رئيساً للجمهورية». كما أجرى محادثات مطولة منفردة وموسعة مع رئيس الحكومة تمام سلام الذي وصفه بأنه «صديق لبنان الكبير». وكان لافتاً إعلان هولاند عن نيته «تقديم مساعدة فورية لتعزيز القدرات العسكرية للبنان لمكافحة الارهاب». 

وأبلغ هولاند من التقاهم أن وزير خارجيته جان مارك إرولت سيزور بيروت في 27 أيار (مايو) للتحضير لاجتماع مجموعة الدعم الدولية والدول المانحة للبنان.

وركزت محادثات هولاند الذي رافقه وزير الدفاع جان إيف لودريان ووزيرة الثقافة أودري أزولاي، على اتفاقات دعم الجيش اللبناني الموقعة بين لبنان وفرنسا لمكافحة الإرهاب، مشدداً على أن أمن لبنان هو أمن فرنسا وسائر دول العالم، وعلى الدعم الفرنسي للبنان في مواجهة أزمة النازحين السوريين الذين سيزور اليوم أحد مخيماتهم في البقاع، ويلتقي عائلات ستنتقل إلى فرنسا في إطار تحمل الدول الأوروبية قسطاً من عبء هذه الأزمة عن دول الجوار. وأعلن عن مساعدة لبنان بـ 50 مليون يورو لهذه السنة و100 مليون يورو للسنة المقبلة، بعد لقائه سلام الذي تمنى أن «تستأنف فرنسا جهودها التي سبق أن بدأتها لإنجاز الاستحقاق الرئاسي اللبناني في أقرب الآجال».

والتقى هولاند بري بحضور نائبه فريد مكاري ووزير الدفاع اللبناني (نائب رئيس الحكومة) سمير مقبل ونظيره الفرنسي وبعض المستشارين مدة نصف ساعة، قبل أن يواصل اجتماعه معه بحضور بعض أعضاء هيئة مكتب البرلمان، أكد خلالها أنه «يجب ألا تنتظروا منا خطوات بالنسبة إلى إنهاء الفراغ الرئاسي والمسألة عندكم»، بعدما كان بري عبّر عن أسفه لعدم استقباله في القصر الجمهوري بفعل استمرار الفراغ الرئاسي، «وها نحن دعونا الإثنين (غداً) إلى الجلسة 38 لانتخابه لكن مع الأسف لا حلحلة». وحيا بري دور فرنسا في قوات الأمم المتحدة في جنوب لبنان منذ عام 1978 والتي اصطدمت بالإسرائيليين في بلدة حاريص، مشيراً إلى تضحياتها، فذكّر هولاند بخسارة فرنسا جنودها في لبنان عام 1983 (تفجير قاعدة دراكار بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان). وأشار مصدر نيابي لـ «الحياة» إلى أن بري طلب من هولاند مساندة طلب لبنان من الأمم المتحدة العمل على ترسيم الحدود البحرية المختلف عليها مع إسرائيل، لافتاً الرئيس الفرنسي إلى أن «تعدي إسرائيل لا يقتصر على خرق الحدود الجوية والبرية اللبنانية بل يشمل مياه البحر حيث تدعي إسرائيل أن جزءاً من المنطقة الاقتصادية الخالصة لها، بينما لدينا الإثباتات المعاكسة، وهذا النزاع يعيق استثمارنا النفط والغاز الموجودين فيها وشركة «توتال» الفرنسية من الشركات المصنفة لاستثمار هذه الثروة». وأكد المصدر أن بري قال لهولاند إن «هذه المشكلة التي تخلقها إسرائيل قد تسبب حرباً معها وعندها سيتوحد اللبنانيون من أجل كرامتهم كما في حرب عام 2006». وقال المصدر النيابي لـ «الحياة» إن بري أثار «وقف المملكة العربية السعودية الهبة التي كانت قررتها لتسليح الجيش وقوى الأمن الداخلي من طريق فرنسا والتي لا مصلحة في تجميدها لأن لبنان ليس جزيرة، فنحن حدودنا البحر وإسرائيل التي تعتدي على أراضينا والآن هناك جبهة الإرهاب المفتوحة من الحدود مع سورية وعلينا تقوية الجيش لتمكينه من المواجهة». وقالت أوساط الرئاسة الفرنسية لـ «الحياة» إن الرئيس سلام أبلغ هولاند انه التقى سريعاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في إسطنبول، ولم يتح له الوقت للبحث في أمر الهبة المجمدة معه. وأوضحت تلك الاوساط ان لفرنسا صداقة وطيدة مع الجانب السعودي تمكنها من اثارة هذا الموضوع معها، ليس من باب العقود التي حصلت عليها باريس، بل من زاوية العلاقة التاريخية مع لبنان والحاجة الى دعم الجيش لضمان قدرته على حماية الاستقرار ومواجهة التهديد الإرهابي.

وقال مصدر لبناني رسمي إن هولاند أكد اهتمامه بمصير اتفاق كان جرى توقيعه بين الجيشين اللبناني والفرنسي، في إطار المساعدات للقوات المسلحة اللبنانية، فقيل له أنه أنجز في اللجان النيابية المختصة وأحيل إلى الهيئة العامة للبرلمان. وأوضح المصدر إياه أن البحث تناول مواجهة الإرهاب فأكد الرئيس الفرنسي أن بلاده لا تستطيع أن تتدخل مباشرة على الصعيد العسكري لمحاربة «داعش» والتنظيمات المتطرفة الأخرى، معتبراً أن هذه مهمة أبناء المنطقة وحكوماتها. وأشار عضو هيئة مكتب المجلس النائب أحمد فتفت إلى أن التصدي للإرهاب يجب أن يترافق مع قيام الحكم العادل والديموقراطي، لمواجهة التطرف. وطالب برفع الحظر عن زيارة الفرنسيين طرابلس «لأن لا مسوغ له بعد نجاح تنفيذ الخطة الأمنية في المدينة»، فوعد هولاند بالنظر بالأمر. كما وعد بإثارة الوثائق التي تتناول العيش المشترك وحوار الأديان ورفض التطرف باسم الدين، الصادرة في «إعلان الرباط» والأزهر ومؤسسة المقاصد، خلال لقائه اليوم مع الزعماء الروحيين المسيحيين والمسلمين.