بمزيج من الشعور بالسرور لاستضافة رئيس دولة عظمى في بيروت وبالأسى والأسف لحؤول الشغور دون أن يكون رئيس الجمهورية في طليعة مستقبليه والمحتفين بقدومه في قصر بعبدا، استقبل لبنان الرسمي أمس الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الذي انتقل فور وصوله من مطار رفيق الحريري الدولي إلى ساحة النجمة حيث أعدّ له رئيس مجلس النواب نبيه بري استقبالاً رسمياً عند مدخل المجلس قبل أن يعقدا اجتماعاً في مكتب بري بحضور نائبي رئيسي مجلسي النواب والوزراء تلاه اجتماع موسع لبناني فرنسي فمؤتمر صحافي مشترك انتقل بعده هولاند إلى السرايا الحكومية ليجتمع برئيس الحكومة تمام سلام، ليعود فيختتم يوم زيارته الأول لبيروت بلقاء عدد من الشخصيات السياسية في قصر الصنوبر. وإذا كان كل من بري وسلام قد أثار مع الضيف الفرنسي جملة مواضيع وملفات تحاكي الهموم الوطنية وفي طليعتها همّ الفراغ المدوي في رئاسة الجمهورية، فإنّ هولاند صارح في رسالته اللبنانيين بأنه لا يحمل أي جواب رئاسي لهم متوجهاً من تحت سقف البرلمان اللبناني إلى أعضاء المجلس بالقول: «الجواب ليس في يدي الجواب معكم» في إشارة إلى كون مفتاح الحل والربط في انتخاب الرئيس هو في يد النواب اللبنانيين أنفسهم دون سواهم.

وعن لقاء ساحة النجمة، نوهت مصادر رئيس المجلس النيابي بأجوائه الجيدة وأوضحت لـ«المستقبل» أنّ بري استهله بالإعراب عن أسفه لاستمرار الشغور في موقع الرئاسة الأولى مستعرضاً مع هولاند عدد الجلسات الرئاسية التي لم تفض حتى الساعة إلى انتخاب رئيس مع إشارته إلى أن جلسة الغد الاثنين ستكون السابعة والثلاثين التي يدعو إليها لإنجاز الاستحقاق المتعثر بسبب عدم النجاح طيلة الجلسات السابقة في تأمين نصاب الثلثين القانوني لانعقادها. ولفت بري في الوقت عينه إلى أهمية الحوارات الجارية على مستوى المنطقة لما تعكسه من إيجابيات تفيد لبنان وتريحه في الموضوع الرئاسي وفي غيره من الملفات، خاصاً بالذكر في هذا المجال الدور المحوري الذي يلعبه أمير الكويت في رعاية واستضافة الحوار اليمني اليمني، وأبدى تفاؤله بنجاح هذا الحوار مؤكداً أنّ لبنان يراهن على هذا النوع من الحوارات لأنه يحقق نوعاً من التقارب بين قوتين إقليميتين كبيرتين هما السعودية وإيران بشكل ينعكس إيجاباً على ساحات المنطقة ومن بينها لبنان.

كذلك أفادت المصادر أنّ بري أثار مع الرئيس الفرنسي موضوع الهبة السعودية المجمّدة لتزويد الجيش بأسلحة فرنسية مبدياً استغرابه لقرار تجميدها ومطالباً باريس، لما لها من موقع دولي ولما يربطها من صداقة مع المملكة العربية السعودية ولما تكنّه من حرص على لبنان، بأن تبادر للمساعدة في إعادة تفعيل هذه الهبة ربطاً بالمسؤوليات الكبيرة الملقاة على عاتق المؤسسة العسكرية وبحاجة الجيش الملحّة للمساعدات العسكرية في هذه المرحلة الدقيقة التي يخوض فيها حرباً ضد الإرهاب. ونقلت المصادر في المقابل أنّ هولاند وعد بري بالقيام بما أمكن للمساعدة في هذا الموضوع.

وإذ لفت بري إلى أنّ أهم مساعدة دولية مطلوبة في سبيل رفع أعباء النزوح السوري هي في حل المشكلة الأساس من خلال دفع المجتمع الدولي باتجاه إبرام حل سياسي للأزمة السورية ينهي الحرب المندلعة هناك ويساعد السوريين واللبنانيين وكل المنطقة على التخلص من أعبائها، أثار بري أيضاً مع هولاند مسألة الخروق الإسرائيلية المستمرة براً وجواً وبحراً للسيادة اللبنانية، مشيداً في المقابل بالدور الذي تلعبه الكتيبة الفرنسية المنضوية تحت راية قوات الطوارئ الدولية لحفظ الأمن والاستقرار على جبهة الجنوب منذ العام 1978 لا سيما وأنها كانت الكتيبة الوحيدة التي سُجّل لها التصدي بالنار للاعتداءات الإسرائيلية على بلدات جنوبية. ومن هذا المنطلق طالب رئيس المجلس فرنسا بلعب دور في سبيل مساعدة لبنان على ترسيم الحدود البحرية والحفاظ على ثروته النفطية خصوصاً وأنّ هناك العديد من الشركات العالمية ومن بينها «توتال» الفرنسية مهتمة بالاستثمار في هذا القطاع الحيوي للبنان، معرباً في المقابل عن رفض الوضع الذي خلقته إسرائيل بتعديها على المنطقة الاقتصادية الخاصة، ولفت انتباه هولاند إلى خطورة استمرار الوضع على ما هو عليه باعتباره يشكل «شرارة حرب» جديدة محتملة بين لبنان وإسرائيل، داعياً في ضوء ذلك إلى مسارعة المجتمع الدولي إلى حل هذه الإشكالية من خلال ترسيم الحدود البحرية لمنع خطر اندلاع أي حرب مستقبلاً، علماً أنّ كل اللبنانيين موقفهم واحد موحد ضد إسرائيل في حال اندلاع مثل هذه الحرب.

السرايا

وإلى السرايا الحكومية حيث أقام رئيس مجلس الوزراء استقبالاً رسمياً للرئيس الفرنسي عقدا بعده اجتماعاً ثنائياً تلاه آخر موسع قبل أن يعلنا في مؤتمر صحافي مشترك أبرز محاور نقاشاتهما سواءً في ما يتعلق بالملف الرئاسي أو بقضية النازحين أو بالمساعدات العسكرية والتهديدات الإرهابية والأمنية للبنان. وإذ أعلن هولاند أنّ المساعدة الفرنسية إزاء النزوح السوري في لبنان ستصل إلى 50 مليون يورو هذا العام و100 مليون يورو في السنوات الثلاث المقبلة مع تأكيد عزم باريس على العمل في سبيل إعادة توزيع لاجئين من لبنان في دول أوروبية، أوضحت أوساط حكومية لـ«المستقبل» أنّ سلام ركز خلال محادثاته مع هولاند على مطالبة فرنسا باستئناف جهودها من أجل الدفع في سبيل إنهاء الشغور الرئاسي وبتقديم الدعم للبنان سواءً من خلال تقديم مساعدات عسكرية فرنسية للجيش اللبناني أو عبر ما يمكن أن تقوم به باريس في المحافل الدولية في سبيل مساعدة لبنان على تحمل ورفع أعباء النزوح السوري، مشيرةً في الملف الرئاسي إلى أهمية «الرسالة» التي وجهها الرئيس الفرنسي إلى اللبنانيين بقوله إنّ مفتاح إنهاء الشغور الرئاسي بيدهم ويستطيعون إذا عزموا واتفقوا أن ينتخبوا رئيساً للجمهورية.

وعن خلاصة الاجتماع، وصفت الأوساط الحكومية أجواء لقاء السرايا بـ«الجيدة جداً» منوهةً بما عبّر عنه الرئيس الفرنسي من تقدير بالغ للدور الذي يضطلع به الرئيس سلام ولحكمته في إدارة المرحلة الحساسة الراهنة، كما أشادت بالرغبة الصادقة التي نقلها هولاند وعبّر عنها في مختلف محاور محادثاته مع رئيس الحكومة لجهة تأكيده مكانة لبنان وأهميته بالنسبة لفرنسا وحرصها الدائم على دعم وتحصين استقراره سياسياً ومؤسساتياً وأمنياً.

قصر الصنوبر

ومساءً، أقيم حفل استقبال للجالية الفرنسية في قصر الصنوبر ألقى خلاله هولاند خطاباً، ثم أعقبته مائدة عشاء شكلت مناسبة لالتقاء الرئيس الفرنسي بعدد من المسؤولين اللبنانيين أبرزهم الرئيس ميشال سليمان ورئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط ورئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع ووزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل.