في الوقت الذي قصد فيه كل من زعيم التيار الصدري ورئيس كتلة الاحرار النيابية التي تضم أكثر من مئة نائب في البرلمان العراقي، ورئيس الوزراء السابق والمتهم باختلاس الاموال العامة نوري المالكي الضاحية الجنوبية لبيروت من أجل لقاء أمين عام حزب الله، كان الوكيل العام للمرجع الشيعي السيد علي السيستاني السيد الشهرستاني يزور عين التينة للقاء رئيس المجلس النيابي اللبناني الرئيس نبيه بري الذي أولم الاخير له وأبقاه على مائدة العشاء .
من حيث الشكل، يبرز الاختلاف الواضح والتباين الكبير بين اللقاءين، ففي حين اتسمت لقاءات الضاحية بالسرية والكتمان التام واعتمدت في الاعلان عنها على بعض التسريبات من هنا وهناك، ولم يصدر عن نتائج لقاءات الضاحية أي بيان توضيحي لا من قبل، وهذا مفهوم بسبب الضرورات الامنية،ولا من بعد وهذا غير مفهوم، حتى أن حضور المالكي الى بيروت تحول الى أحجية غير مفهومة مما حدا ببعض الصحفيين توصيف الزيارة بالزيارة السرية في حين أن لقاء عين التينة اتسم بالشفافية والوضوح والتغطية الاعلامية، وكانت كلمة الرئيس بري الترحيبية وما تضمنتها من مواقف صريحة وعبارات غنية بالروح الوطنية والدعوة العلانية لزائره ومن يمثل من قيمة شيعية كبيرة ولم خلفه الى شيعة العراق والشعب العراقي بالعموم، الى السير قدما بتوجيهات المرجعية الشيعية بالنجف الاشرف .
لاحظنا سريعا هذا التماهي والانصهار التام بين الاداء السياسي للرئيس بري وما يحمله من تراث وفكر السيد موسى الصدر ونهجه الوطني اللبناني وبين رأي مرجعية السيستاني الوطنية، فجاءت كلمة بري منسجمة تماما مع الجو الشيعي الاصيل والمنخرط بعملية بناء اوطانهم حين ذكر " التمسك بوحدة الارض والشعب " أو حين رفض الرئيس بري بطيات كلمته أي مشروع شيعي عراقي أو غير عراقي تماما كما كان يؤكد الامام الصدر في مواقفه حين دعى بري وبصريح العبارة إلى " هزيمة دويلات الوهم التي أقيمت بالاستثمار على إسم الاسلام.
ولم ينس الرئيس بري أيضا إيصال تحيات الازهر التي زارها قبل أيام وأفصح في كلمته عن رهانه الوحيد على مؤسسات النجف الاشرف تحت عباءة المرجع السيستاني ( صاحب مقولة لا تقولوا اخواننا السنة بل قولوا انفسنا السنة ) وبين مؤسسات الازهر.
هذا الخطاب الوحدوي بين السنة والشيعة الذي نحن بأمس الحاجة اليه، وهذه الروحية الشيعية الحقيقية التي جسدها الرئيس بري بلقائه هذا، وزيارته الى مصر قبل أيام وبكل ما يقوم به من خطوات توحيدية هي التي يحتاجها الشيعة والشعب العراقي مقابل ما يمكن أن يكون قد جرى من أحاديث واتفاقات سرية خلف الجدران التي وبكل أسف تضج بالمذهبية والخطط العسكرية والامنية في الضاحية الجنوبية، والتي لم تجلب إلى الشيعة وإلى الشعوب العربية في لبنان كما في العراق إلا المزيد من الدم والخراب والبغضاء والمذهبية كرمى لعيون النظام الايراني وتحت مسميات ما أنزل الله بها من سلطان.
وهنا لا بد من القول بأن المسؤولية التاريخية إنما هي على عاتق المسؤولين في ايران بما يملكون من وصاية وإمساك بالقرار الشيعي العراقي، فإن هم أرادوا بالعراق وأهله خيرا فما عليهم إلا الطلب من المسؤولين الشيعة الذين زاروا بيروت إلا الأخذ بتوصيات وتوجيهات عين التينة والابتعاد عن أجواء الضاحية وما يصدر عنها.
طبعا هذا لا ينفي المسؤولية الاولى والاخيرة على الشيعة العراقيين أنفسهم والخيارات التي سوف يتبنونها والتموضع الذي سوف يذهبون إليه والتي سوف ترسم مستقبل العراق لعقود قادمة.