مرة أخرى سقطت من الذكرى ال41 للحرب الاهلية اللبنانية تلك الحلقة المفقودة، والمغيبة لسبب غير مفهوم، وهي المقارنة، التي لا يمكن ان تكون مفتعلة أبداً، بين تلك الحرب وبين الحرب السورية، وما قرأه اللبنانيون حتى الان من تجربة أشقائهم من جهة وما إستفاد منه السوريون من خبرات وأفكار لبنانية، دخلت في ما مضى قاموس اللغات العالمية، تحت عنوان اللبننة.
لعل التحفظ في إجراء مثل هذه المقارنة يعود في جانب منه الى الإنكار او بالاحرى الترفع اللبناني والسوري المشترك عن وصف الحرب في سوريا بأنها أهلية. وهو تقدير صحيح الى حد ما، باعتبار ان الاشتباك السوري يدور بين سلطة ومواطنين، وينحدر بين الحين والاخر، وعندما تتاح الفرصة للمتحاربين، إلى صراع أهلي، ذي طبيعة طائفية لا شك فيها، ويتخذ في بعض الحالات شكل الابادة الجمعية، والتطهير الكامل لمناطق الاختلاط السكاني.
قد يكون التردد في تلك المقارنة ناجماً أيضاً، عن إعتقاد لبناني خاطىء يفيد بان الحرب السورية وأهوالها هي أبشع من نظيرتها اللبنانية.
والدليل المعتمد هو تسجيلات “داعش” المروعة بشكل خاص، فضلاً عن “الاعمال الفنية” الاخرى التي يقدمها النظام ومعارضوه الآخرون، والتي لا تقل فظاعة ولا توفر أحداً من المتحاربين السوريين من مسؤولية الانتهاكات الانسانية والاخلاقية.
هذا الاعتقاد خاطىء تماما وينافي الحقيقة، لان أي مراجعة عابرة لوقائع الحرب الأهلية اللبنانية وصورها، التي قد تبدو باهتة اليوم ورديئة الانتاج والالوان، ويغلب عليها الاسود والابيض، تحفظ للبنان واللبنانيين مكانة متقدمة جداً في ممارسة أحط السلوكيات الوحشية وأحقرها، حتى وفق المعايير التي تقاس بها اليوم جرائم "داعش" خاصة، المصورة بتقنيات حديثة لم تكن متوافرة للبنانيين، والموزعة بواسطة وسائل الاتصال العصرية، التي كان أي مجرم حرب لبناني يتمنى الحصول عليها. المنافسة كانت ولا تزال محسومة لصالح الجانب اللبناني، وكل ما يقال عن تفوق سوري في هذا المجال لا يستند الى أي أساس هو مجرد تفوق في العلنية وفي استخدام الاعلام والوسائط الحديثة ليس إلا.
وعدا ذلك، فإن وقائع الحرب السورية ومظاهرها تبدو رحومة بالمقارنة مع سابقتها اللبنانية، خصوصا وان مجازرها الرئيسية الكبرى تنفذ بواسطة الجيش السوري وباسلحة الطيران والصواريخ والمدفعية، لا بالسلاح الابيض او السلاح الفردي اللذين كانا "مفخرة" الحرب اللبنانية ومذابحها، التي كانت تتم في الغالب وجهاً لوجه، او باقتحامات برية مباشرة. مع ذلك فان المقارنة بين الحربين جائزة، بل مطلوبة. لان اللجوء الى القوة لحسم صراع داخلي، هو في حد ذاته عار مشترك بين البلدين، فضلا عن ان الاستعانة بالخارج هي عيب متبادل، لا يعفى منه أي فريق لبناني او سوري أبداً.
هذا الامر يفتح النقاش المؤجل حول المسؤوليات التي ألقيت في الحالتين اللبنانية ماضياً، والسورية حاضرا، على أطراف خارجيين لا يتحملون وحدهم عبء ذلك التفتت العميق للمجتمعين والتفكك الشديد للنظامين. كما ان المقارنة مفيدة في تقدير المدى الزمني للحرب السورية، التي كان بعض "الخبراء" اللبنانيين، ومنذ البداية، يتوقعون لها ان تنافس الحرب اللبنانية وأن تطول لعشر سنوات او أكثر، قبل ان تنتهي بتقسيم تام وناجز للدولة السورية، بعد سلسلة لا متناهية من عمليات التطهير الديني والتصفية الديموغرافية. مع ان الظاهر الان يوحي بان السوريين محظوظون أكثر بكثير من اللبنانيين، لان ثمة اجماعاً دولياً لم يسبق له مثيل، ولن يكون من السهل على أي فريق سوري تحديه، على وقف حربهم الطاحنة، ترجم الى قرار مجلس الامن الدولي الرقم 2254 الذي يقضي باطلاق عملية انتقالية سياسية شاملة، تشمل قيام الدولتين العظميين بكتابة دستور جديد لسوريا والاشراف المباشر على انتخابات نيابية ورئاسية في مهلة 18 شهراً.. وهو ما لم يكن يحلم به أي من المتحاربين اللبنانيين الذين انتظروا 14 سنة قبل ان يتلقوا دعوة الى الطائف ويعودوا من هناك بصيغة حكم ملتبسة، أنهت حرباً واحدة وأسست لحروب عديدة، وجعلت الذكرى ال 41 هذا العام طقساً فولكلورياً، لا يتوقعه ولا يتمناه أي شقيق سوري.
المدن