تُعتبر أزمة اللاجئين السوريين واحدةً من أبرز حالات الطوارئ الإنسانية فقد شهدت أوروبا تدفقاً غير مسبوق في أعداد المهاجرين واللاجئين الذين فروا من مناطق صراع وفقر في بلدانهم. في حين تحمَّل لبنان، البلد الجار، تدفُّق نحو مليون لاجىء من سوريا إليه ما شكَّل تهديداً للبلد المنهك بالفعل، فما مِن دولة واحدة في العالم فيها هذه النسبة الكبيرة من اللاجئين قياساً بحجمها كلبنان.
التحديات الكبيرة التي تواجه الحكومة هي التكلفة المتزايدة لأزمة اللاجئين التي أنهكت مرافق البنية التحتية والتقديمات الإنسانية في وقتٍ يشهد فيه لبنان تباطؤاً اقتصادياً.
500 مليون أورو لمساعدة الحكومة اللبنانية يسعى الاتحاد الأوروبي إلى مساعدة الدول المجاورة لسوريا مثل الأردن ولبنان على الحدِّ من أزمة تدفق اللاجئين السوريين عبر تطبيق مشروع الإدارة المتكاملة للحدود في لبنان الهادف إلى حماية الحدود.
يشرح المدير العام لـ"المركز الدولي لتطوير سياسات الهجرة" النمسوي مايكل شبندلجر في حديث لـ"النهار" أنَّ "لبنان استضاف 1.5 مليون لاجىء سوري، وهو عبءٌ كبير على البلد.
ما يُمكننا القيام به كاتحاد أوروبي أولاً يكمنُ في تقديم دعم مادي للبنان، وقد خُصِّص مبلغ 500 مليون أورو لمساعدة الحكومة اللبنانية لتأمين الطعام وحاجات اللاجئين. وثانياً في كيفية إعادتهم لاحقاً إلى سوريا في أقرب وقت ممكن.
كذلك نسعى إلى مزيدٍ من الضغط على الأحزاب في سوريا للتوصل إلى اتفاق سلام وتحضير العودة الآمنة للاجئين القاطنين في لبنان إلى سوريا، وكمنظمة نبحث في كيفية التعاون في هذا المجال من خلال برامج مختلفة وخبرات متبادلة يمكن العمل عليها لمساعدة الحكومة اللبنانية ودعمها".
إدارة الحدود مع سوريا ويضيف شبندلجر أنَّ "الإدارة الدولية للحدود واحدة من مهماتنا.
نحن راضون عن ذلك، كما أنَّ الوزراء والمعنيين اللبنانيين الذين التقينا بهم راضون أيضاً عن ذلك، إذ يمكن الحكومة اللبنانية استعادة السيطرة على الحدود وإدارة المسألة بالمعدات اللازمة، والإجراءات الصحيحة، والتأكد من أنَّ وثائق غير مزورة، ولهذا الغرض بُذل الكثير من الجهد".
لكن عندما نتكلم على الأوراق القانونية، نعني الدخول الشرعي إلى لبنان، ولكن ثمة مئات الطرق غير الشرعية التي يدخل منها اللاجئون سيراً على الأقدام ومن دون أي رقابة؟ يجيب: "حتى في أوروبا نعمل على الحد من دخول اللاجئين بطريقة غير نظامية وغير قانونية.
الإجراءات نفسها يجب أن تطبّق في لبنان ومن أبرز المسائل هي إدارة الحدود، ونحن نسعى إلى مساعدتكم عبر جعل الأجهزة كافة تتعاون وتنسِّق في ما بينها من الجيش اللبناني، وقوى الأمن الداخلي، والمديرية العامة للأمن العام، والجمارك اللبنانية، والدفاع المدني اللبناني وإبلاغ بعضهم البعض بما يجري، ولهذا السبب أعتقد أنَّ لبنان على الطريق الصحيح للسيطرة على نزوح المهاجرين من سوريا بطريقة غير شرعية. وتتركَّز الجهود على تعزيز قدرات قيادتي الجيش وإدارة الجمارك في حماية الحدود البرية، مع مواصلة التركيز على عمليات رفع مستوى أفواج الحدود البرية، إضافةً إلى برامج لضبط الحدود البحرية والمرافئ".
هل سيؤدي وجود الجيش اللبناني على الحدود مع سوريا إلى جدل مع "حزب الله"؟، "هذه مسألة داخلية لبنانية، لا يمكننا الإدلاء بأي ملاحظة حولها. أعتقد أن الطريقة الأمثل تتمثَّل في التنسيق والتواصل بين اللبنانيين أنفسهم. لا يمكننا مساعدة الحكومة اللبنانية في اتخاذ القرارات الخاصة بها، بل هذا هو عملها. أما في ما يتعلق بمشروع الإدارة المتكاملة للحدود في لبنان أنهينا المرحلة الأولى من المشروع حيث أتممنا القضايا الرئيسية، وبدأنا في المرحلة الثانية، ونسعى إلى التركيز على جعلها مثالية. سيأخذ المشروع نحو عامين ليُصبح قيد التنفيذ ولبنان جاهز لإتمام ما تقرَّر".
مكافحة الاتجار بالبشر وإعادة اللاجئين
من جهته، يشرح مدير البُعد الجنوبي لوكاس غيركي أي المسؤول عن منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا ودول جنوب أوروبا في المركز الدولي لتطوير سياسات الهجرة في حديث لـ"النهار" أنَّ "الحلول غير سهلة، فقد رأينا كيفية تعامل الاتحاد الأوروبي مع مسألة حماية اللاجئين وتنقلهم، لا نخفي أن أوروبا تواجه عوائق جمَّة في هذا الصدد ولكنَّ هذه الأزمة ليست شأناً أوروبياً فحسب، ولا تتعلق بدول الشرق الأوسط فحسب، بل باللاجئين القادمين من دول أفريقيا وشمال أفريقيا، ما يوجد تحدياً لأي نظام. نحن نعمل منذ 10 سنوات على تكريس تعاونٍ بين دول البحر المتوسط ونقاش السياسات الواجب اعتمادها مع الأخذ بعين الاعتبار مسألة الأمن والاستقرار. كما نعمل مع لبنان على دعم مكافحة الاتجار بالبشر، وإعادة اللاجئين إلى لبنان الذين تقطعت بهم السبل والراغبين في العودة إلى بلادهم.
وصل إلى النمسا آلاف المهاجرين واستقبلوا ولكنَّ هؤلاء لم يرغبوا في البقاء في النمسا أو أي دولة أخرى بل كانت وجهتهم ألمانيا، ما أثار جدلاً حول أنَّ بعض النازحين لا يبحثون عن الأمان، بل عما هو أكثر إذ قرروا هم في أي دولة سيحصلون على الحماية، فبرزت مسألة هجرة العمالة واللجوء. هذا الامر دفع بأوروبا إلى السعي للسيطرة على الحدود من باب احترام النظام الأوروبي. أما في لبنان، فلم نتوصل بعد إلى خلاصة حول كيفية التعامل مع اللاجئين، ولكن جدياً ما من قرار بإعادة لاجئي أوروبا إلى لبنان.
ولكن على اللبنانيين تحمل المسؤولية وبعد هدوء الأوضاع في سوريا سيعود السوريون حتماً إلى بلدهم. وهنا يبدأ دور الدول المضيفة عبر تقديم الدعم للمؤسسات والجمعيات اللبنانية. ما نقوم به الآن مع القوى الأمنية والجيش في لبنان يتمثل في دعمهم وتطوير قدراتهم لمراقبة الحدود من خلال تطوير قدرات إدارة الحدود، ودعم نظم التدريب والبنية التحتية والمعدات، والحفاظ على المعايير المهنية في إدارة الحدود".
ويضيف: "خُصّص مبلغ 10 مليون أورو لقسمٍ من هذا المشروع بعدما تخطى لبنان قدرته على استيعاب اللاجئين. ولكن على الدولة اللبنانية أن تخبرنا بحاجاتها، ونحن على علمٍ بأنَّ لبنان لا يستطيع احتمال أي عبء إضافي على الصعيد السياسي أو حتى المجتمعي.
صحيح بأنه لا يمكن إغلاق الحدود، ولكن بالمستطاع ضبطها. في الشق الأول، وضعنا تصوراً للمشروع، وفي الثاني نأمل في أن تتغير الأوضاع في سوريا، ومع نهاية الأزمة سيكون الجانب اللبناني جاهزاً، ما يعني أنه مع هذا المشروع سيحصل لبنان على اللازم في ما يتعلق بإدارة الحدود وضبطها. الحكومة اللبنانية تتجاوب بشكل إيجابي جداً نظراً لتفاقم الوضع وهناك توقٌ للاستفادة من هذا المشروع".
أُطلق مشروع الإدارة المتكاملة للحدود في لبنان في تشرين الأول من العام 2012، ودخل حيِّز التخطيط للبدء بالتنفيذ بعدما بات الاهتمام الأوروبي منصباً على ضبط الحدود والمعابر الشرعية وغير الشرعية لدول الجوار الأوروبي، وفي مقدمها لبنان، الذي يحتضن أكثر من مليون لاجئ ومهاجر شرعي وغير شرعي.
النهار