ترحيب بالحوار الوطني بين مختلف المكوّنات اللبنانية وتثمين تضحيات الجيش والقوى الأمنية في محاربة التنظيمات الإرهابية من جهة، وإدانة «حزب الله» بتهمة «دعم الإرهاب» من جهة ثانية، كانا «نصيب» لبنان من بيان قمّة منظّمة التعاون الإسلامي في اسطنبول التي خابَ معها أملُ اللبنانيين في عقدِ اجتماع لبناني ـ سعودي يتخطّى «السلام والتحيّات» بين العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز ورئيس الحكومة تمّام سلام، حيث كانوا يُمنّون أنفسَهم بأن يؤدّي في حال انعقاده إلى عودة المملكة عن موقفها الأخير، وإعادة وصل ما انقطع بينها وبين لبنان. في هذه الأجواء، يبدأ الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند بعد ظهر اليوم زيارته إلى لبنان، في وقتٍ أعلن «حزب الله» أن لا لقاء معه. وأصدرَت العلاقات الإعلامية في الحزب البيان الآتي: «لم يُحدَّد أيّ موعد بين الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند وحزب الله، وليس هناك أيّ لقاء خلال زيارته للبنان».

وفي المعلومات أنّ جوهر زيارة هولاند يحمل عنوانين: التنسيق مع لبنان في مكافحة الإرهاب، وملفّ النازحين السوريين. ووفقَ مصادر مطلعة فإنّ الرئيس الفرنسي لا يحمل معه طروحات جديدة في ما يتعلق بالاستحقاق الرئاسي، بل تمنّيات.

وإلى ذلك، قالت مصادر ديبلوماسية لـ«الجمهورية» إنّ هذه الزيارة ترتسم حولها إشكالات حتى داخل فرنسا، إذ إنّ هولاند يخرق التقاليد ويزور لبنان في غياب رئيس الجمهورية، إلّا إذا كان يحمل معه حلّاً استثنائياً، لكن طالما لا حلّ معه فإنّ هناك خشية من أن تكرّس زيارته أو تفسَّر تطبيعاً دولياً مع الشغور الرئاسي، خصوصاً أنّ فرنسا لطالما عُرفت بـ»الأمّ الحنون» للبنان.

درباس

وعشيّة زيارة هولاند، قال وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس لـ»الجمهورية» ردّاً على سؤال: «الملاحظة الأولى هي أنّ رئيساً لدولة كبرى يتجاوز قيود البروتوكول، ويقرّر المجيء إلى لبنان، على رغم الشغور في المنصب الرئاسي، وعدم وجود من يماثله في استقباله، دليل على اهتمام دولة فرنسا ورئيسها بلبنان، وبالأزمة التي يمرّ بها، وبثِقل الحِمل الذي ينوء تحته هذا البلد الضعيف».

وأضاف: «إنّ الرئيس هولاند يتصرّف هنا بصفته صديقاً قديماً للبنان، لِما تربط لبنان بفرنسا من علاقات تاريخية، وهو أيضاً قائد في الاتّحاد الأوروبي لا بدّ مِن أنّه يحمل في كلامه رأي هذا الاتحاد بصورة أو بأخرى، وهو أيضاً وسيط خير يحاول أن يُقرّب وجهات النظر لإخراج لبنان من مأزقه. هذا ما نحن نتوقّعه أن يكون المهمّة التي يأتي من أجلها. وفي المقابل، سيعرض له رئيس الحكومة تمام سلام حقيقة اللجوء السوري في لبنان وحقيقة الأزمة السياسية وما هي احتياجات لبنان لمساعدته، وسيؤكّد له

مرّة أخرى أن لا مجال للتوطين، ونحن نعلم أنّ فرنسا ليست من دعاة التوطين في دوَل اللجوء، وأيضاً أنّ الحلّ الوحيد الذي يؤمّن للأخوة السوريين مصيراً مشرّفاً هو وقفُ إطلاق النار وعودتهم إلى بلادهم».

عون

من جهته، قال عضو تكتّل «الإصلاح والتغيير» النائب آلان عون لـ»الجمهورية»: الرئيس هولاند يحمل اهتمام فرنسا بلبنان وسعيَها الدائم لدعم استقراره ومؤسساته وشعبه، ولكنّه لا يحمل حلّاً لأزماته، وقد تكون العبرة الأساسية من زيارته والرسالة الأهمّ للّبنانيين أن يوقفوا الحالة الانتظارية التي يعيشونها والرهانات التي يعقودنها على تطوّرات خارجية قد تحلّ مشكلاتهم».

وتساءل عون: «إذا كانت فرنسا الأكثر اهتماماً وحماسةً للبنان بحكم علاقاتها التاريخية به غيرَ قادرة على مساعدته في حلّ أزمته، فمن يمكنه أن يفعل ذلك، في ظلّ أوضاع إقليمية ودولية جعلت لبنان في آخِر أولويات كلّ الدول بما فيها الصديقة والقريبة؟». وأكّد «أنّ على القوى السياسية أن تدرك أنّ أيّ خرقٍ في الأزمة سيأتي من خلال المعطيات الداخلية التي يملك اللبنانيون وحدهم قدرةَ تغييرها وإلّا فالأزمة ستستمر طويلاً».

إدانة «الحزب»

على صعيد آخر، وفي غياب الرئيس الإيراني حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف اللذين لم يشاركا في الجلسة الختامية لقمّة منظمة التعاون الإسلامي في إسطنبول احتجاجاً على وجود بنود في البيان الختامي ضدّ إيران وحزب الله، اختتمت هذه القمّة أعمالها ببيان دانَ حزب الله «لقيامه بأعمال إرهابية في سوريا والبحرين والكويت واليمن، ولدعمِه حركات وجماعات إرهابية تُزعزع أمن واستقرار دول أعضاء في المنظمة».

وجدّد البيان دعمَه للبنان «في استكمال تحرير كامل أراضيه من الاحتلال الإسرائيلي بكلّ الوسائل المشروعة»، مشدّداً على «ضرورة انسحاب إسرائيل من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا اللبنانية والجزء اللبناني من بلدة الغجر». ودانَ أيضاً «بشدة الانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة لسيادة لبنان برّاً وبحراً وجوّاً».

ورحّبت القمّة بالحوار القائم بين الأطراف السياسية «لتجاوز الخلافات وتخفيف حدة الاحتقان السياسي، والدفع بالوفاق الوطني»، مثمّنةً «التضحيات التي يقدّمها الجيش اللبناني والقوى الأمنية في محاربة التنظيمات الإرهابية والتكفيرية».

تحفُّظ لبنان

وسجّلَ لبنان تحفّظَه عن الفقرة المتعلقة بإدانة «حزب الله» لقيامه بـ»أنشطة إرهابية»، وأكّد موقفَه بـ»ضرورة احترام عدم التدخّل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى». كذلك تحفّظَ لبنان عن الفقرة المتعلقة بالنزاع بين أذربيجيان وأرمينيا والأقلّية التركية المسلمة في تراقيا الغربية والمجتمعات المسلمة في دوديكانيسيا، والفقرة المتعلّقة بكوسوفو.

تدخّلات إيران

وكانت القمّة الإسلامية دانت في بيانها «تدخّلات إيران في الشؤون الداخلية لدول المنطقة ودول أخرى أعضاء، منها البحرين واليمن وسوريا والصومال، واستمرارَ دعمها للإرهاب». وشدّد على أن تكون علاقات التعاون بين الدول الإسلامية وإيران «قائمة على مبادئ حسنِ الجوار، وعدم التدخّل في الشؤون الداخلية للدول، واحترام استقلالها وسيادتها ووحدة أراضيها».

ودانَ البيان أيضاً «الاعتداءات التي تعرّضَت لها بعثات المملكة العربية السعودية في مدينتي طهران ومشهد في إيران في كانون الثاني الماضي» والتي «تشكّل خرقاً واضحاً لاتفاقية فيينا للعلاقات الديبلوماسية واتّفاقية فيينا للعلاقات القنصلية والقانون الدولي الذي يحمي حرمة البعثات الديبلوماسية».

ورفضَ «التصريحات الإيرانية التحريضية في ما يتعلق بتنفيذ الأحكام القضائية الصادرة في حقّ عدد من مرتكبي الجرائم الإرهابية في المملكة العربية السعودية».

ردّ إيران

في هذا الوقت، انتقدت إيران «أساليب بعض الدول لفرضِ القرارات، والتي تعتمد مبدأ الترهيب والترغيب»، وحذّرت على لسان مساعد وزير خارجيتها عباس عراقجي من أنّ منظمة التعاون الإسلامي ستندم على مواقفها ضدّ إيران و»حزب الله»، نافياً عقدَ أيّ لقاء مع الجانب السعودي على أيّ مستوى على هامش قمّة اسطنبول.

أرمينيا

ودانت القمّة «عدوان» أرمينيا على أذربيجان، مندّدةً و»بأشد عبارات التنديد باستمرار الهجمات التي تشنّها القوات المسلحة الأرمينية داخل أراضي جمهورية أذربيجان المحتلة والتي يعاني من جرّائها السكّان المدنيون وتتعرّض فيها المساجد للهجمات ويُقتل فيها المصَلّون وتُدمَّر من جرّائها البنيات التحتية الاجتماعية والاقتصادية». وكرّرت التأكيد أنّ الاستيلاء على الأرض بالقوّة «أمرٌ مرفوض بموجب ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي».

ودعت أرمينيا إلى «سحب قوّاتها فوراً وبنحوٍ كامل وغير مشروط» من إقليم كارا باخ وغيره من الأراضي «المحتلة» لأذربيجان، مطالبةً في الوقت ذاته بتسوية النزاع في «إطار سيادة جمهورية أذربيجان وسلامة أراضيها وحرمة حدودها المعترَف بها دولیاً».

الإرهاب

وأكّد المشاركون في قمّة اسطنبول، موقفَهم ضد الإرهاب مشدّدين على أنّ محاربة هذه الظاهرة «مسؤولية تقع على عاتق جميع الدول الأعضاء في منظمة التعاون والمجتمع الدولي».

وأيّدوا «جهود المملكة العربية السعودية وجميع الدول الأعضاء في منظمة التعاون في مكافحة الإرهاب بكلّ أشكاله وصوَره، وأعربوا في هذا الخصوص عن دعمهم للتحالف العسكري الإسلامي (الذي أطلقَته المملكة أخيراً) لمكافحة الإرهاب، ودعوا الدول الأعضاء المهتمة للانضمام إليه». وأكّدوا أنّ «الحرب على الإرهاب أولوية كبرى لجميع الدول الأعضاء».

سلام

وكان رئيس الحكومة تمّام سلام قد عاد مساء أمس من قمّة إسطنبول. وقد حضَر ملفّ انتخابات رئاسة الجمهورية في اللقاءات التي عَقدها على هامشها، حيث التقى أمير قطر الشيخ تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني الذي أكّد له «أنّنا نتفهّم كلّ أوضاع لبنان ومكوّناته». وشدّد على أنّ «المهم تأكيد الوحدة وانتخاب رئيس للجمهورية والجميع سواسية».

كذلك التقى سلام الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان الذي قال له: «نأمل أن تتجاوزوا مشكلة عدم انتخاب رئيس الجمهورية ونتشارك في تحمّل وطأة النازحين السوريين».

الحريري

وفي المواقف الداخلية، أكّد الرئيس سعد الحريري أنّه ثابت على مواقفه من انتخاب رئيس للجمهورية «مهما تَعقّدت الأمور ووضِعت العراقيل والصعاب أمام عملية الانتخاب». وأعلن أنّ جهوده مستمرّة «في سبيل تحقيق هدف انتخاب الرئيس».

وقال أمام وفدٍ موسّع من القطاع التربوي في تيار «المستقبل» إنّ «على السياسيّ أن يكون مبادراً مهما سُدّت الأبواب في وجهه، وأن يسعى باستمرار لفتح أبواب جديدة والبحث عن الحلول للأزمات والمشكلات المطروحة».

مكرّراً القول «إنّ الانتخابات البلدية ستُجرى في مواعيدها»، مشدّداً على «ضرورة المشاركة فيها لأنّها تجدّد الحياة الديموقراطية».