أثبتت الأحزاب الشيعية المتنفذة بالمشهد السياسي في العراق منذ الاحتلال إلى يومنا الراهن ومعهـا الحزب الأسلامي أنها لا تصلح لحكم بلد له إرثه الحضاري الممتد إلى الآلاف من السنين، وتاريخ عربي وإسلامي مليء بالتحولات السياسية والاجتماعية استمر قرونا عدة، ودولة معاصرة اعتمدت المدنية وجانبا من الليبرالية العلمانية كمنهج لها على مدى أكثر من ثمانين عاما، خصوصا وأن أبرز هذه الأحزاب (الدعوة والمجلس الأعلى والتيار الصدري والإسلامي) لا تملك فلسفة حكم تقوم على مبادئ واضحة الملامح والمعالم والأهداف، وإنما تتقاذفها نزعات تسلط واستحواذ، ويقودها نفر من فقراء الفكر والمعرفة والمهووسين بالبحث عن الزعامة والمال والمستعدين للتقاتل على النفوذ والانفراد بالسلطة وإلغاء بعضهم لبعض رغم زعمهم بأنهم إسلاميون ويتمسكون بأهداب الدين ويسعون إلى الولاية العادلة والخلافة المنشودة.
والمشكلة العميقة لهذه الأحزاب، أن قادتها وكوادرها وأنصارها، لا يدركون، أو يتغافلون، عن حقيقة كون أحزابهم مصطنعة أنتجتها ظروف معينة وخرجت إلى العلن استجابة لخيارات محلية ضيقة وتلبية لإرادات أجنبية، ومن يستعرض تاريخ نشأة أحزاب الدعوة والمجلس الأعلى والتيار الصدري والإسلامي وأربعتها تتصدر الأحداث منذ الاحتلال حتى الوقت الحالي، لا بد أن يلحظ ملابسات تأسيس الدعوة، مما ولد لديه عقدة نقص سياسية لم تنفع الأكاذيب والادعاءات في مغادرتها، ويكتشف عمالة المجلس الذي نشأ وتربى في أحضان إيران وهي تخوض حربا عدوانية مع بلده (الافتراضي) العراق، وعشوائية التيار الذي بلورته ورفعته إلى الواجهة حادثة قتل ابن مرجع شيعي سابق عبدالمجيد الخوئي قدم مع المحتلين، وتهافت الحزب الإسلامي وانبطاحه المستمر، والمصيبة أن كل طرف من هذا الرباعي اللئيم يقدم نفسه وكأنه الأفضل في حكم البلاد والأحسن في قيادة العباد، دون أن يقدم أي منها منجزا واحدا طيلة السنوات الماضية رغم أن قادة وممثلي هذه الأطراف الأربعة تسلموا مواقع وزارية ومناصب حكومية عالية ومسؤوليات سياسية كبيرة.
إن حزب الدعوة الذي يتولى رئيس الحكومة الحالي عضوية مكتبه السياسي يفتقر إلى شهادة ميلاد حقيقية رغم أن قادته يكذبون على أنفسهم عندما يقولون إن حزبهم تأسس في نهاية الخمسينات، وأن محمد باقر الصدر مرشده أو مرجعه الأعلى، والوثائق التاريخية تؤكد أن أول بيان صدر عن هذا الحزب يحمل اسم “حزب الدعوة الإسلامية في العراق” كان في شهر أكتوبر 1971 وفيه يحتج على اعتقال المجاهد الحاج أبو عصام والمقصود به عبدالصاحب دخيل، ونتحدى جميع قادة الحزب القدامى والحاليين بمن فيهم حسن شبر الذي لعبت سنوات الغربة الطويلة بعقله، وجعلته يخلط بين جمعيات ثقافية ومطبوعات تقليدية ويلحقها بحزبه الخرافي، أن يقدموا وثيقة واحدة سواء كانت محضر اجتماع أو مؤتمرا أو بيانا أو نشرة حزبية قبل التاريخ أعلاه.
من هنا نكتشف أن حزب الدعوة هو مجرد واجهة شاهنشاهية وصناعة أميركية زرعها السافاك الإيراني في العراق للتشويش على هويته القومية باعتباره البوابة الشرقية للأمة العربية، حتى أن هذا الحزب ناصب الخميني العداء خلال سنوات السبعينات بتهمة تبعيته لحزب البعث وتصديه لشاه إيران محمد رضا بهلوي، وكتاب “نهضة خميني” لمحتشمي يفضح نفاق الدعوة وانتهازيته وارتباطاته الأميركية المشبوهة، لذلك ليس صدفة أن يوكل الغزاة الأميركان إلى زعيمه إبراهيم الجعفري رئاسة أول دورة شهرية لمجلس الحكم الانتقالي بحجة الأبجدية، ويلتقطوا جواد المالكي من خلف الصفوف ويعينوه نائبا لرئيس هيئة اجتثاث البعث قبل أن يعيدوا له اسمه الحقيقي نوري ويعهدوا إليه رئاسة حكومتين متعاقبتين، ويدفعوا بالفائض عن الحاجة حيدر العبادي ليحل بدلا عن صاحب “ما ننطيها”، ولاحظوا أيضا كيف تجشم وزير الخارجية المستر جون كيري عناء السفر إلى بغداد ليبلغ الفرقاء السياسيين بأن “فخامته” خط أحمر؟ واللبيب من الإشارة يفهم.
والمجلس الأعلى هو الآخر مكشوف في عمالته لإيران وتودده للأميركان، ويكفيه “فخرا” أنه ولد ونشأ وترعرع في أحضان الإيرانيين الذين مولوه ودعموه وجهزوه بالأسلحة والمتفجرات لقتـل الجنـود العراقيين والفلاحين والصيادين الفقراء في أهـوار العمـارة والناصرية والبصرة وتخريب القرى العراقية على الحدود، ومشاهد محمد باقر الحكيم وشقيقه عبدالعزيز وتابعهما هادي العامري وهم يقاتلون جيش العراق موثقة ومعروضة على شبكات الإنترنت واليوتيوب يمكن ملاحظتها بوضوح.
وفي ما يتعلق بالتيار الصدري فإن تسميته بـ“التيار” نكتة في الحقيقة لأنه “لملوم” وليس تيارا سياسيا، جمهوره عبثي ومنقاد، وقادته مجرد أدوات تدور في محيط مقتدى الصدر وتنكس الرؤوس له، وهو لا يتقن غير إطلاق شعارات تدغدغ المشاعر وعندما يستجاب له يتحول خطابه من “شلع قلع” كما في العلاقة مع حيدر العبادي، إلى توصيفه بصاحب وقفة شجاعة، أما وزراء التيار فحدث ولا حرج.
أما آخر الرباعي “العتيد” الحزب الإسلامي فإنه مجرد واجهة سنية متهالكة استورد الاحتلال الأميركي قادتها من مدينة ليدز البريطانية واستقطب إليها عناصر مغمورة ونماذج كئيبة همها احتلال منصب وتمشية الأمور بذل وامتهان، ولاحظنا كيف عاد كبير الحزب وقتئذ محسن عبدالحميد يمارس مهامه “الجهادية” بعد أن داس جنود المارينز على رأسـه ببساطيلهم الثقيلة؟ وكيف صمت أبرز وجوهه سليم الجبوري على تهجير أهله وربعه إلى كلار والسليمانية وكأن الأمر لا يعنيه.
لا مستقبل واعدا للعراق ما دام هذا الرباعي “الأكشر” يحكم في بغداد ويتحكم بمصير عرب العراق ويصادر إرادتهم وينهب مواردهم ويفسد الأخلاق ويدمر القيم الوطنية.
صحيفة العرب