شهد العالم العربي والاسلامي على مدى الشهرين الماضيين مجموعة مؤتمرات عربية وإسلامية، كان آخرها مؤتمرالقمة الإسلامية في اسطنبول الذي ينهي أعماله اليوم ببيان يصدر عن المؤتمر .
من عادة هذه المؤتمرات أن تتناول قضايا الأمة العربية والإسلامية وتضع الحلول اللازمة للملفات العالقة والقضايا السياسية والاجتماعية التي تهم المجتمع العربي أو الإسلامي، كما جرت العادة أن تنتهي هذه القمم والمؤتمرات بإصدار البيانات المنددة بالعدو الإسرائيلي والداعمة لقضية فلسطين والشعب الفلسطيني، وعلى مدى عقود كانت القضية الفلسطينية في رأس أولويات هذه المؤتمرات والقمم ولو بالحد الأدنى من الإهتمام، وبقيت القضية الفلسطينية الحاضر الأبرز في هذه المؤتمرات إلى الأمس القريب، إلا أن سرعان ما بدأت تتلاشى من سلّم الإهتمامات على خلفية التطورات التي آلت إليها المنطقة العربية، حيث انقلبت الإهتمامات العربية والإسلامية إلى الأحداث التي عصفت بالمنطقة العربية وتحول جدول الأعمال إلى مواجهة الإرهاب ومعالجة الأوضاع الداخلية للدول العربية من ناحية، ومواجهة حزب الله وإيران من ناحية ثانية، وبالتالي غابت القضية الفلسطينية بشكل كامل عن هذه المؤتمرات والقمم وأضحى الشعب الفلسطيني وحيدا في مواجهة الإحتلال الاسرائيلي وآلة القتل الصهيونية.
لا يمكن المرور على هذا التطور في الخطاب العربي والإسلامي مرور الكرام، لأن هذا التحول من شأنه أن يؤسس لمرحلة جديدة ستمتد لعقود وستلقي بظلها على المجتمع العربي والاسلامي ككل، ولذا فإن تحديد المسؤوليات عن هذا التحول أمر لا بد منه والسؤال الأبرز لماذا تضيع القضية الفلسطينية ؟ ولماذا تغيب هذه القضية من الوجدان العربي والاسلامي ولمصلحة من ؟ هذه الأسئلة وغيرها الكثير ستشكل الإجابة عنها فرصة لوضع النقاط على الحروف وتحديد المسؤوليات .
في الإجابة الصريحة والشفافة إن الجميع مسؤولون عن خطر هذا التحول والمسؤولية كبيرة على الدول العربية وإيران وحزب الله، وتتفاوت نسبة المسؤولية بين هذا وذاك، ويمكن القول أن التحول الأساسي هو الذي بدأه حزب الله عندما قرر الدخول في معترك الأزمة السورية ليكون طرفا في مواجهة الثورة السورية التي حظيت بتأييد ودعم الدول العربية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، وقد جرّ حزب الله بسياساته في سوريا وغيرها من الدول العربية المجتمع العربي كله إلى حلبة المواجهة التي بات الحزب خلالها العدو الأول، وبالتالي تحولت كل الإهتمامات العربية الرسمية والشعبية إلى رفض حالة حزب الله هذه التي زجّ الأمة بها إنسجاما مع المصالح الإيرانية أولا وأخيرا .
كما جاء هذا التحول على خلفية الدعم الإيراني الكامل لنظام الأسد في مواجهة الدول العربية، وأسس ذلك أيضا لمرحلة من العداء العربي الإيراني وباتت إيران وحزب الله الهدف المشروع الأول للمواجهة سياسيا وأمنيا، وبالتالي ضاعت القضية الفلسطينة وبات الصراع عربيا إيرانيا وعربيا في مواجهة حزب الله، ولم يستطع العرب إلا التخلي عن القضية الأم فلسطين لصالح المواجهة مع إيران وحزب الله باعتباره الخطر الأكبر على مصالح الدول العربية في المنطقة ككل.
لا نريد تبرئة العرب فالأخطاء كثيرة وقاتلة، ولكن المسؤولية الاساسية على عاتق حزب الله الذي حول المنطقة إلى مسرح لمواجهات عربية عربية واستغرق الى حد بعيد الى الدخول في تفاصيل الأزمات في المنطقة وبالتالي ضيع نفسه وضيع معه فلسطين والشعب الفلسطيني .