فيما سيقفَل الأسبوع على زيارة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند للبنان غداً السبت، في إطار جولة تحمله إلى عمّان والقاهرة، فإنّ الحدث الإقليمي سينتقل الخميس المقبل إلى الرياض حيث ستنعقد قمّة دول مجلس التعاون الخليجي في حضور الرئيس الأميركي باراك أوباما، بعدما شكّلت تركيا مسرحاً لهذا الحدث باحتضانها قمّة منظمة التعاون الإسلامي في اسطنبول والتي تُختَتم أعمالها اليوم، وقد حضَر لبنان فيها ممثَّلاً برئيس الحكومة تمّام سلام، إلى جانب أكثر من 30 رئيس دولة وحكومة ورؤساء برلمانات ووزراء خارجية الدول الأعضاء في المنظمة. وركّزت هذه القمّة على تقييم أوضاع العالم الإسلامي وقضايا السلام والأمن والقضية الفلسطينية ومحاربة الإرهاب والتطرّف. تفيد المعلومات التي تسرّبت من الكواليس أنّ مسوّدة البيان الختامي لقمّة اسطنبول تدعو إلى «علاقات حسن جوار» بين إيران والدول الإسلامية تقوم على عدم التدخّل في الشؤون الداخلية للدول.

كذلك تتضمّن هذه المسوّدة دعوة أرمينيا إلى «سحب قواتها فوراً وبنحو كامل» من إقليم كرباخ الأذربيجاني، ودعم تسوية الأزمة السورية وفق بيان «جنيف»، والعملية السياسية برعاية الأمم المتحدة لتحقيق انتقال سياسي يقوده السوريون.

كذلك تدعو المسوّدة المجتمع الدولي والدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، إلى دعم الدول المستضيفة للّاجئين السوريين في أقصى سرعة ممكنة، ودعمِ «التحالف العسكري الإسلامي لمحاربة الإرهاب» الذي أطلقَته السعودية أخيراً، وانضمام كلّ دوَل منظمة التعاون إليه.

الملك سلمان

وكان خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز قال في كلمته أمام المؤتمرين «إنّ واقعنا اليوم يُحتمّ علينا الوقوف معاً أكثر من أيّ وقت مضى لمحاربة آفة الإرهاب».

ودانَ، في انتقاد مُبطّن لإيران، «التدخّلَ السافر في شؤون الدول الإسلامية، ونشر الفتن والانقسامات وإثارة النعرات الطائفية والمذهبية، واستخدام الميليشيات المسلّحة لغرضِ زعزعة أمننا واستقرارنا وبسط النفوذ والهيمنة».

سلام

ومن جهته، تمنّى سلام في مستهلّ كلمة لبنان في القمّة «إنجاز الانتخابات الرئاسية في أقرب وقتٍ ممكن، لكي يعودَ التوازنُ الى المؤسسات الدستورية وتستقيمَ الحياة السياسية في بلدنا، ولكي يأتي الرئيسُ المسيحيُّ المارونيُّ إلى المحافلِ الدَوْلية متحدّثاً باسم بلدِ العيشِ المشترك لبنان».

ودعا الدول الإسلامية الى مساعدة لبنان لمواجهة عبء النازحين السوريين، مؤكداً «أنّ عدم توفير المعونة في موضوع النازحين قد يؤدي إلى حالة من عدم الاستقرار الأمني»،

وطالبَ بـ«إيلاءِ هذه المسألة العنايَةَ التي تستحِقّ» وأكّد مجدّداً رفضَ لبنان «أيَّ شكلٍ من أشكال توطينِ النازحين السوريين»، مُعتبراً وجودَهم على أراضيه «وجوداً موقّتاً يجب أن يزولَ بزوالِ مُسبِّباته.»

ورفضَ سلام «محاولةَ فرض وقائع سياسيّةٍ في الدول العربية عن طريق القوّة، بما يؤدّي إلى تعريض الاستقرار في المنطقة للخطر، وإثارة الضغائن بين شعوبٍ ودولٍ لديها ما يجمعُها أكثر بكثيرٍ مما يفرِّقُ بينها». وأعلن «التضامن الكامل مع أشقّائنا العرب، في كلّ ما يمَسُّ أمنَهم واستقرارَهم وسيادةَ أوطانهم ووَحدةَ مجتمعاتهم»، مؤكّداً «وقوفَنا الدائمَ إلى جانبِ الإجماعِ العربيّ».

مع الملك سلمان

وفي نهاية الجلسة الافتتاحية لأعمال القمّة عقِد لقاء جانبي عابر بين الملك سلمان الذي غادر اسطنبول عائداً إلى الرياض، وبين سلام، واقتصَر على السلام والمجاملات، علماً أنّه اللقاء الأوّل بينهما منذ نشوب الأزمة مع السعودية ودول الخليج.

كذلك التقى سلام نظيره الماليزي محمد نجيب عبد الرزّاق، ثمّ التقى نظيره التركي أحمد داود أوغلو وعرضَ معه لآخر المستجدّات على الساحة السورية، ومسائل تتعلق بمكافحة الإرهاب وأزمة اللاجئين السوريين ومدى تأثيرها على الداخل اللبناني، إضافةً إلى محادثات جنيف بين النظام والمعارضة السورية.

وأوضَح داود أوغلو لسلام «أنّ تركيا تدرك الأزمات الداخلية للبنان، نتيجة تدفّق اللاجئين السوريين إلى أراضيه»، لافتًا في هذا الصَدد إلى «استمرار أنقرة في العمل من أجل إنهاء الأزمة السورية».

«الوفاء للمقاومة»

وكانت كتلة «الوفاء للمقاومة» دانت «الضغوط التي يمارسها النظام السعودي في الاجتماعات المتصلة بالقمّة الإسلامية من أجل الإساءة الى حزب الله وسمعة مقاومته، وهو ما يوجب على الحكومة اللبنانية الوقوف ضدّها بحزم وبلا تردّد، في اعتبار أنّ حزب الله المقاوم هو مكوّن أساسي في الحكومة وفي البلاد، وأنّ الافتراء عليه بتهمة الإرهاب هو توجّه كيديّ وطعنٌ يطاولها ويجب الاعتراض عليه والتصدّي له».

وإذ لفتت الكتلة الى «أنّ مؤتمر رؤساء البرلمانات العربية قد أَقَرَّ في القاهرة قبل أيام حقّ المقاومة في تحرير أراضيها من الاحتلال واستعادة حقوقها المشروعة»، شدّدت على أنّه «لا يجوز للحكومة اللبنانية ان تقبل بإسقاط هذا الحق عبر السكوت أو مجرّد التحفّظ عن أيِّ إساءةٍ للمقاومة يحاول البعض تمريرها في أيّ محفلٍ أو مؤتمرٍ من المؤتمرات، خصوصاً تلك التي يكون لبنان مشاركاً فيها». وأكدت «أنّ التسامح أو المجاملة في هذا المجال يجب أن يوضع له حدّ، منعاً للتمادي وحِرصاً على مصلحة بلادنا العليا».

غيمة صيف

داخلياً، شهدَ الصرح البطريركي في بكركي نشاطاً لافتاً أمس، تَمثّل بزيارة السفراء الخليجيين، حيث أتى اللقاء في سياق التشاور بين البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي والسفراء، لكن ما ميّزه أنّه جاء بعد التوتر في العلاقات اللبنانية ـ الخليجية، حيث أكّد الراعي الحرصَ على أفضل العلاقات مع الخليج والدول العربية.

وقال الراعي خلال اللقاء: «يَعنينا اليوم خصوصاً تأكيد الصداقة بين لبنان وكلّ بلد من بلدانكم النبيلة، والإعراب عن أسفِنا لغيمة صيف مرّت وعكّرت الأجواء مع بعض من أوطانكم. وأودّ في المناسبة التعبيرَ عن امتنان شعبنا اللبناني الذي يعمل في بلدانكم، وقد وجَد فيها مجالاً لتحقيق ذاته وإيجاد فرَص عمل. ويعتزّ بأنّه ساهم في نموّها الاقتصادي والتجاري والإعماري. ولذا يَعنينا أن نحافظ على هذه العلاقات البنّاءة لخير الجميع».

سفير الكويت

بعد الاجتماع، أدلى عميد سفراء دول الخليج سفير الكويت عبد العال القناعي ببيان أشار فيه الى أنّه تمّ البحث في معظم القضايا، وقال: «أكّد البطريرك أهمّية تنقية علاقات لبنان مع أشقّائه العرب وإنهاء أسباب التوتّر التي شهدتها المرحلة السابقة وضرورة المحافظة على أفضل العلاقات الأخوية بين لبنان والدول العربية الشقيقة ودول الخليج خصوصاً».

وأشاد السفراء بـ»الجهود الحثيثة التي يبذلها صاحب الغبطة لجمع كلمة اللبنانيين ودعواته المتكرّرة الى انتخاب رئيس للجمهورية، وأكّدوا له أنّ مواقف دول الخليج تجاه لبنان وشعبه اتّسَمت بالأخوّة والدعم انطلاقاً من العلاقات التاريخية العميقة التي تربط هذه الدول بلبنان، وهذه الدول كانت ولا تزال تحتضن المواطنين اللبنانيين وتحيطهم برعاية خاصة للعمل والإقامة وتقدّم لهم أفضلَ التسهيلات وفقَ القوانين المرعية».

ودعا القناعي باسم السفراء «الأشقّاء اللبنانيين إلى وضع مصلحة بلدهم فوق كلّ اعتبار وتعزيز وحدتِهم الداخلية والإسراع في انتخاب رئيس جديد للجمهورية لوقفِ التدهور».

وأوضَح «أنّه لم يُرَحّل أيّ لبناني من دول الخليج بطريقة اعتباطية، إنّما لأسباب قانونية، ولا أزمة ديبلوماسية مع لبنان، ولكن حصلت بعض الخلافات بسبب الاختلاف في وجهات النظر». وأكّد «أنّ الخلاف مستمرّ مع «حزب الله» وغيرِه طالما هناك هجوم على دول الخليج من «حزب الله» وغيره».

هولاند في بيروت

وفي هذه الأجواء، ينشغل لبنان اعتباراً من الغد بزيارة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند. وعلمت «الجمهورية» أنّه سيلتقي خلال زيارته وفداً من «حزب الله» برئاسة رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد.

وفي المعلومات أنّ هولاند سيلتقي فور وصوله رئيسَ مجلس النواب نبيه برّي في مجلس النواب فيُعقد بدايةً لقاءٌ خاصّ بينهما، ثمّ يليه لقاء موسّع ينضمّ إليه نائب رئيس المجلس فريد مكاري ورؤساء كتل نيابية.

وتضيف المعلومات أنّ زيارة هولاند ترتدي طابَع زيارة العمل وستتناول مجملَ التطوّرات المتعلقة بالأزمة اللبنانية وبالأزمات الإقليمية وانعكاساتها على لبنان والمنطقة. ومن المنتظر أن تكون لهولاند لقاءات مع رئيس الحكومة في السراي الحكومي، وكذلك مع البطريرك الراعي وقيادات سياسية مختلفة في قصر الصنوبر قبل أن يغادر لبنان إلى عمّان والقاهرة.

كاغ

وعشية زيارة هولاند للبنان، التقَت المنسّقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ في باريس أمس الاوّل الأربعاء وزيرَ الخارجية الفرنسية جان مارك أيرولت والمسؤولين الكبار في الوزارة و«الكي دورسيه».

وأوضَحت المنسّقية الخاصة للأمم المتحدة أنّ الزيارة هي «ضمن مشاورات المنسّقة الخاصة الجارية مع الجهات الإقليمية والدولية الفاعلة». وأنّ المحادثات ركّزَت على «ضرورة استمرار الدعم الدولي المنسّق للبنان لمواجهة التحدّيات المتعدّدة التي تواجه البلاد، ولا سيّما منها تلك الناجمة عن تداعيات النزاع في سوريا».

وأشارت المنسّقية إلى أنّ محادثات كاغ مع وزير الخارجية الفرنسية تناولت «الوضع السياسي في لبنان والحاجة الملِحّة لأن تقوم جميع الاطراف بتسهيل عمل مؤسسات الدولة وتقديم الخدمات العامة، إضافةً إلى معالجة الفراغ الرئاسي الطويل والذي أدّى إلى تقويض قدرة لبنان على معالجة التحدّيات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والإنسانية التي تواجه البلاد». وأشادت كاغ «بالجهود التي تبذلها حكومة فرنسا منذ أمد طويل في دعم لبنان».

وفيما كرّرت «دعم الأمم المتحدة القوي لسلامة لبنان الإقليمية وسيادته واستقلاله السياسي»، شدّدت على «الدور الحيوي الذي يلعبه الجيش اللبناني والقوى الأمنية في بسطِ وحفظ سلطة الدولة وفي دعم استقرار البلد».

جونز

إلى ذلك، أوضَح القائم بأعمال السفارة الأميركية في بيروت، السفير ريشارد جونز، بعد زيارته الرئيس سعد الحريري في «بيت الوسط» أمس، أنّ المحادثات التي يجريها مع المسؤولين اللبنانيين «تتركّز على الانتخابات البلدية، التي يبدو أنّها تسير بشكل جيّد، والرئاسية أيضاً.

وأكّد أنّه لمسَ وجود «شِبه إجماع على أنّ الأمور ما تزال في طريق مسدود»، وقال: «نحن نحاول معرفة ما إذا كانت هناك أيّ طريقة للمساعدة في هذا الشأن، ولكن لا يمكنني إعطاء أيّ جواب إلّا بعد أن أنهي لقاءاتي مع الجميع».

المبعوث الأميركي

في الموازاة، جال المبعوث الأميركي الخاص بقضية الرهائن جيم أوبراين قبَيل سفره الى لندن مساء أمس، على وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، مبدياً إعجابه بعمل الاجهزة الامنية اللبنانية، وتقديرَه لإنجازاتها في مجال مكافحة الإرهاب وتوطيد الأمن والاستقرار، وعلى المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، وبحثَ معه في قضايا ذات اهتمام مشترك.

سفير ألمانيا

بدوره، دعا السفير الألماني مارتن هوث خلال جولة قام بها على فاعليات مدينة صور، النوابَ للحضور الى مجلس النواب لانتخاب رئيس للجمهورية، مشدّداً على أنّ «ألمانيا ستزيد من مساعدتها للنازحين السوريين إلى لبنان وستسمرّ في تقديم الدعم».

الحريري

إلى ذلك، جدّد الرئيس سعد الحريري تأكيده أنّ الانتخابات البلدية ستجري في موعدها، داعياً الجميع إلى الاستعداد للمشاركة فيها، وقال: «نحن مع إجراء هذه الانتخابات ومع كلّ انتخابات، وخصوصاً الرئاسية منها، عاجلاً أم آجلاً، ومهما جرى تعطيلها، سننتخب رئيساً للجمهورية في النهاية».

وقال الحريري خلال استقباله أعضاءَ المجالس البلدية والمخاتير وفعاليات مدينة المنية «إنّ ما يحصل حولنا في المنطقة يتطلّب مزيداً من الحكمة لكي نتمكّن من تمرير هذه المرحلة الصعبة، فالعواصف المحيطة حرَقت بلداناً عدة، ونحن علينا الحفاظ على لبنان».

ولفت إلى «أنّ التحدّيات التي تواجه المنطقة هي محاولة لضربِ الاعتدال الذي ننادي به دائماً ونؤمِن به، لأنّه يمثّل الطريق الوحيد الذي يمكن أن ينقذ البلد. فأيّ نوع من التطرّف، يضرّ بلبنان».