خفضت وقائع القمة الثالثة عشرة لمنظمة التعاون الاسلامي التي انعقدت أمس في اسطنبول المخاوف من محاذير جديدة قد تترتب على الموقف اللبناني في "معاناته" حيال التجاذبات الاقليمية الحادة التي تحاصره والتي تتناول تحديداً واقع الموقف الخليجي والعربي عموماً من "حزب الله"، إذ برزت في القمة ملامح "تلطيف" للمواجهة الاقليمية أفاد منها لبنان بما يؤمل معها دفع الجهود المبذولة بقوة لاعادة علاقاته الطبيعية مع الدول الخليجية.
وفي ظل نجاح مساعي تركيا كما بدا امس للخروج بتوصيات للقمة تعزز موقعها في معالجة أزمات العالم الاسلامي وخصوصاً مع حضور العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز والرئيس الايراني حسن روحاني وجهاً لوجه في القمة، انسحبت دلالات المرونة على الجانب اللبناني اذ افادت موفدة "النهار" الى اسطنبول سابين عويس ان رئيس الوزراء تمام سلام جمعته مناسبة أولى منذ صدور القرار الملكي السعودي في شباط الماضي بوقف المساعدات العسكرية للجيش اللبناني. وعلى رغم ان اللقاء الخاطف للملك سلمان والرئيس سلام لم يتجاوز دقائق قليلة وقوفاً على هامش القمة وسبق مغادرة العاهل السعودي اسطنبول عقب القائه كلمته في القمة، فان أجواء الود التي أظهرها العاهل السعودي حيال رئيس الوزراء كسرت شيئاً من البرودة السائدة في العلاقات بين البلدين، الامر الذي شجع الرئيس سلام على المضي في مساعيه الرامية الى اعادة لبنان الى الحضن العربي. وبدا سلام مدركاً مستلزمات رفع الحظر العربي عن لبنان، فلجأ الى خطوتين : الاولى التزام البند المتعلق بادانة التدخل الايراني في دول المنطقة أسوة بالدول الاسلامية والعربية الاخرى مع اقتصار تحفظ لبنان عن الفقرة المتعلقة بادانة أعمال "حزب الله الارهابية". والخطوة الثانية برزت في مضمون كلمة سلام أمام القمة والتي كانت موضع رصد وقد تمسك فيها بالتزام التضامن العربي وعدم الخروج منه. وأكد في هذا السياق "رفض لبنان محاولة فرض وقائع سياسية في الدول العربية عن طريق القوة بما يؤدي الى تعريض الاستقرار في المنطقة للخطر"، معرباً عن تضامن لبنان "الكامل مع العرب في كل ما يمس امنهم واستقرارهم وسيادة أوطانهم ووحدة مجتمعاتهم"، ومشدداً على "وقوفنا الدائم الى جانب الاجماع العربي".
في أي حال، لم تقف محاولات اعادة العلاقات الطبيعية مع الدول الخليجية على الجانب الحكومي الرسمي اذ سجلت خطوة بارزة للبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في هذا السياق باجتماعه أمس مع سفراء دول مجلس التعاون الخليجي في بكركي والقائه كلمة اتسمت بمواقف متقدمة مما وصفه "بحماية الكنز المشترك الذي نحمله معاً بمسؤولية تاريخية مسلمين ومسيحيين وهو العيش معاً". واذ أبدى الراعي "أسفه لغيمة صيف مرت وعكرت الأجواء مع بعض أوطانكم"، عبر عن "امتنان شعبنا اللبناني الذي يعمل في بلدانكم وقد وجد فيها مجالاً لتحقيق ذاته ويعتز بانه اسهم في نموها الاقتصادي والتجاري ". ولقيت مبادرة البطريرك ترحيباً من السفراء عكسه السفير الكويتي عبد العال المناع متحدثاً باسمهم ومشيداً بجهود البطريرك لجمع كلمة اللبنانيين ودعواته المتكررة الى انتخاب رئيس للجمهورية. وقال إن السفراء أكدوا للراعي "ان دولهم كانت ولا تزال تحتضن المواطنين اللبنانيين وتحيطهم برعاية خاصة".

هولاند إلى بيروت
في غضون ذلك، يستعد لبنان لاستقبال الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الذي يصل بعد ظهر غد ويتوجه رأسا الى مجلس النواب حيث يلتقي رئيس المجلس نبيه بري وهيئة مكتب المجلس، ثم ينتقل الى السرايا الحكومية حيث يلتقي الرئيس سلام والوزراء. وبعد ذلك يتوجه الى قصر الصنوبر حيث يلتقي الفرنسيين في لبنان، ويقيم عشاء ضيقاً يحضره الرئيسان بري وسلام والوزراء المعنيون مباشرة بالملفات اي اللاجئين والاستقرار والأمن في لبنان وعدد من الشخصيات من المجتمع المدني والفنانين والمبدعين أو المبتكرين والقوى الفاعلة التي رغب الرئيس هولاند في لقاء ممثلين لها. ونهار الأحد يلتقي الرئيس الفرنسي البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في قصر الصنوبر بالاتفاق مع البطريرك، ثم يلتقي جميع ممثلي الطوائف اللبنانية أيضاً، وينتقل الى نصب الجندي المجهول في موقعه داخل السفارة مع الجنود الفرنسيين في "اليونيفيل". ويتوجه لاحقاً الى البقاع حيث يلتقي في مكان محدد المنظمات غير الحكومية الفرنسية العاملة الى جانب اللاجئين أو الى جانب المجتمعات المضيفة من اللبنانيين.
وقال مصدر فرنسي مطلع إن الزيارة ليست زيارة دولة ولا تضمن أي مظهر من مظاهر زيارة كهذه، مع الاشارة بقوة الى عدم وجود رئيس للجمهورية. وهذا يعني ان الزيارة من الناحية التقنية كما يلحظ البروتوكول هي زيارة عمل، فلا استقبال ولا عشاء رسمياً. ولأنها زيارة عمل، فان هولاند سيلتقي عددا محدودا من الوزراء من المعنيين بالملفات التي تتمحور عليها الزيارة والرؤساء السابقين للجمهورية ورؤساء الوزراء السابقين. وعن امكان لقاء "حزب الله"، علم ان لا لقاءات ثنائية لهولاند مع رؤساء الاحزاب السياسية، فهو من موقعه كرئيس للجمهورية لا يمكنه ان يقابل رؤساء الأحزاب أو رؤساء الكتل النيابية وتالياً لا لقاءات ثنائية معهم.
وأضاف المصدر ان الزيارة تتضمن مجموعة رسائل تعكس التعبير عن اهتمام فرنسا بلبنان وايجاد حل لأزمته السياسية وبدء مرحلة جديدة من اعادة تعبئة الشركاء الدوليين لدعم لبنان في مواجهة ازمات المنطقة. لكنه شدد على ان زيارة الصداقة هذه لا تدعي انها تحمل حلاً لان الحل يتعين على اللبنانيين ايجاده وفرنسا لا تدعم مرشحا للرئاسة. 

 

مصر
على صعيد آخر، علمت "النهار" ان موضوع لبنان كان حاضراً في محادثات القمة المصرية - السعودية الاخيرة وخصوصاً في ما يتعلق بالانتخابات الرئاسية والهبتيّن للقوى الامنية. وأكدت القاهرة انه يجب عدم أخذ لبنان بجريرة "حزب الله" لئلا يعاني أكثر فأكثر المشاكل التي يعانيها أصلاً. ودعت القاهرة الى مساعدة لبنان في إنتخاب رئيس للجمهورية بما يتيح له الخروج من مأزقه الراهن وكذلك دعم الجيش اللبناني. وتعتزم مصر إجراء إتصالات الاسبوع المقبل مع عدد من الدول الكبرى في شأن لبنان.