نهاد المشنوق، المثقف الإعلامي، صاحب القلم قبل أن يكون الآمر في وزارة من أكثر الوزارات التصاقا بالقضايا المواطنية إن لجهة التنظيم والأمن والتواصل والتجديد وعلاقة المواطن بالدولة بلدية أو مؤسسات للمجتمع المدني، أو لجهة التدخل في صلاحية غيرها من الوزارات المعطلة تأتي الداخلية لتكون الإستثناء مكان الأصيل .
وهكذا فالداخلية عندنا أحد دواوين الحكومة بالمعنى التاريخي للدولة .
في الموضوع الأمني وفي لبنان بالتحديد، ليس للداخلية اليد الطولى المباشرة في عمل الأجهزة واستخدام الأمن في السياسة ببعدها العسكريتاريا، وهي أقرب الى الداخلية بالمعنى الغربي الحديث، أي الأمن تنظيم وقانون، وليس غابة كما في محيطنا العربي يصبح الداخل فيها مفقودا والخارج منها مولودا. ولقد رأينا أن الذين تعاقبوا على هذه الوزارة والذين جاؤوا من خلفيات ثقافية وعلمية مختلفة، طبعوا عهدهم بالداخلية بصورتهم ومثالهم .
وإذا أردنا أن نسرد سيرة الداخلية في السنوات العشر الماضية والتي لا يزال فيها لبنان يترنح من انهيار الامن عام 2005 وسقوط قادة في السياسة والرأي، والتي كان على رأسها يومذاك المرشح العتيد لرئاسة الجمهورية اليوم الاستاذ سليمان فرنجية، والذي طبع عهده بالخدمات والتسهيلات والرخص للمحاسيب والأزلام، ولم يبق في محيطه في إهدن وزغرتا أحد إلا ونال رقماً مميزاً للوحة سيارته وامتيازات للأتباع.
حتى جاء بعدها أربع أو خمس وزراء من تيارات سياسية مختلفة أو مستقلة فوجدنا داخلية الدكتور أحمد فتفت التي كان التصويب عليها على خلفية انتمائها لجماعة السيادة والاستقلال ومن بعدها العبور الى الدولة . ووجدنا وزارة زياد بارود المقيم في مكونات المجتمع المدني فذهب بها لتكون أقرب إلى ذوق المواطن بعيدا عن السلطة في مفهومها القمعي .
حتى جاء مروان شربل الذي كان أقرب الى المصلح الإجتماعي التسووي في لحظة كان البلد بحاجة الى طريقته، والذي كان يعرف مقدار قوة الدولة على مكوناتها ومقدار قوة المكونات على الدولة .
حتى جاء نهاد المشنوق الذي كان يُطرب في نصّه جيلاً كاملاً كانوا ينتظرون صدور مقالته في السفير ليقرؤا ويتلذذوا في تذوق السرد والوصف واللغة والتجربة، في السياسة والثقافة والمرونة والدهاء والرصانة في القول والعمل. وكان ممن ينتقدونه اليوم وحسب ما سمعت منهم شخصيا، كم كنا ننتظره ليكتب لمحبيه غير الإفتراضيين بل على وجه الحقيقة .
أنا أفترض أن داخلية نهاد المشنوق أقرب أصدقائها هم من الصحفيين والمثقفين والوسائل الإعلامية والمواقع الإخبارية وناشطين في صفحات السوشل ميديا، وليس من رجال الأعمال على أهميتهم ودمجهم بما قام ويقوم به الوزير في إنشاء مشاريع محدثة للمجتمع كما فعل في سجن رومية، وغيرها من المشاريع المهمة، وليس من السيدات على أهميتهن وجمال وجودهن في أي مجلس وتصحر المجالس بدونهن، وليس من المتملقين والمنتفعين الذين لا يزيدون في شخصه طولا ولا عرضا ولا حضورا ولا ألقابا، فهو البيك من آل المشنوق موصولا بتاريخ يمتد من سلفٍ معروفٍ ولا ينتهي عنده .
في المحصلة نهاد المشنوق هو حصيلة كل تلك الحقب الزمنية التي صنعت شخصاً مركباً وسهلاً ممتنعاً .
أرجو أن يكون ذلك مفتاحا لتلمس إشكاليات العلاقة المأزومة بين الوزير الاستاذ نهاد المشنوق وبعض النخب من صحفيين وكتّاب وقادة رأي .
يتبع..