مرّ على الأرض حين من الدهر، كانت فيه مصر والسعودية كتوأم سيامي ملتصق، لا فاصل بينهما ولا خليج تتوسطه تيران وصنافير، وكان العبور متاحاً مشياً، إلا أن بر الأرض انشق ربما بكارثة عظمى، فصلت المغرب عن جنوب كندا، وعن نيويورك، والجزائر ابتعدت عن إسبانيا، كما انفصلت تونس عن إيطاليا، وليبيا تراجعت عن التصاقها باليونان وتركيا، والسعودية عن السودان، وكان للإمارات رأس بري معقوف كنصل خنجر عربي نافذ بإيران، ففصله عنها مع الزمن مولود مائي جديد اسمه الخليج العربي.
إنها حكاية "أم الكوارث" التي لا يعرف الجيولوجيون متى وقعت طامتها تماما، لكنهم يعلمون بأن توابعها ضعضعت الأرض قبل 175 مليون عام بتشققات فصلت بريتها عن بعضها باجتياحات مائية هائلة، بحسب ما نشرته "تايمز" البريطانية في 24 نيسان 2014 عن فوالق وألواح أرضية "تابعة لقارة إفريقيا ولا تزال عالقة أسفل فيالق القارة الأميركية" الشرقية، وهو دليل بأنهما كانتا قارة واحدة ثم حدثت كارثة، كارتطام جرم بالأرض أو ثورات بركانية وطوافانات استمرت آلاف السنين، وأصبحت القارة معها جاهزة للتشقق والتباعد.
كانت السعودية في بانجيا البائدة ملتصقة بمصر والسودان، وايران بقطر، وكندا مسافة ساعة بالطائرة عن الجزائر. أما أستراليا والهند فكانتا جارتين للقطب المتجمد الجنوبي، وكان لافغانستان ساحل بحري، خلت منه البرازيل.
خريطة "بانجيا" الجديدة.. أدق وأوضح
الكارثة التي لحقت بعد 75 مليون عام من نشوء "أم القارات" العملاقة، والوحيدة التي كانت على الأرض قبل 250 مليون سنة، كما جزيرة وسط محيط واحد سماه علماء نشوء القارات Panthalassa أو "أبو المحيطات" بلغة الاغريق، استمرت آثارها بلا توقف طوال ملايين السنين، كان بر القارة أثناءها يتفسخ وينقسم في انزلاقات أرضية عملاقة إلى ما ظل يتباعد، حتى أصبح قارات كما نعرفها اليوم.
وأطلقوا على القارة اسم Pangea المستمد من دمج كلمتين يونانيتين تعنيان "كل الأرض الأم" وأعد علماء جيولوجيون خريطة جديدة عنها في 2013 أدق وأوضح من سابقاتها، وهي محاكاة لكيف كانت، اعتمادا على دراسات وأبحاث عن طبقات الأرض وفوالقها القارية وصفائح غلافها الصخري، واستدلوا من تواجد أحفوريات حيوانية وبقايا نباتات من النوع نفسه في قارات مختلفة، أنها كانت واحدة فعلا، وهي خريطة نشرت نقلا عن موقع Reddit الإخباري الأميركي، لتعيد بها الحديث عن القارة، لمناسبة تجدد الجدل حول الجزيرتين السعوديتين تيران وصنافير، كما وخليج العقبة وتصدعات البحر الأحمر السعودية عن مصر والسودان؟
ارتطام أحدث فجوة اتساعها 478 كيلومترا
وقد تكون "أم الكوارث" هي ما اكتشفه الجيولوجيون عن كويكب طوله 46 كيلومتراً وعمره 3 مليارات و260 مليون عام، ارتطم بالأرض في زمن غير معروف، بعد أن هوى إليها بسرعة 72 ألف كيلومتر بالساعة، أو 20 بالثانية، فظلت تهتز "طوال نصف ساعة (بلا توقف) وأثناءها غلت مياه محيطاتها بحرارة هائلة، والسماء أصبحت حمراء" على حد الوارد في ايلول 2014 بنشرة Geochemistry Geophysics Geosystems وهي إلكترونية تشرف عليها "جمعية الكيمياء الأرضية" بواشنطن، والمتضمن تحقيقها أن الارتطام سبّب فجوة عملاقة في جنوب إفريقيا اتساعها 478 كيلومترا.
ذلك الارتطام الهائل، أحدث تغييرات حاسمة في طبقات الأرض وقشرتها وفوالقها، وربما بسببه تشققت القارة العملاقة وتباعدت أقسامها فيما بعد، ثم تلاه ارتطام كويكب آخر، شهير وأصغر منه قرب المكسيك، وبسببه انقرضت ديناصورات الأرض قبل 65 مليون عام، ويعتقدون أن آثار الثاني ساعدت أكثر بعد 30 مليون سنة تقريبا على ظهور البحر الأحمر من تصدع شبه الجزيرة العربية عن القارة الإفريقية، وكانت بدايته في عصر يسمونه "الأيوسين" واستمر 22 مليون عام، بدءا من 9 ملايين سنة تلت الارتطام الثاني.
ثم تسارع التصدع أكثر في عصر آخر يسميه الجيولوجيون Oligocene وامتد 34 مليون سنة تقريبا حتى العصر الحالي، مع الاشارة إلى أن خليج العقبة هو "فرع" من تصدع البحر الأحمر، ونشأ بنشوئه، لكن الدراسات بشأن الاثنين لا تذكر السبب الرئيسي بتصدع مستمر للآن بلا توقف، إلى درجة يتوقعون معها أن يصبح البحر الأحمر محيطا في زمن لا أحد يدري متى سيكون، لكنه بعد ملايين السنين من الآن.
(العربية)