قد يكون أفضل ما واكب الذكرى الـ41 لبداية الحرب التي أحياها لبنان أمس وسط انغماس اللبنانيين في بحر الازمات والفضائح والملفات المثقلة بروائح الفساد، تزامن الذكرى مع تصاعد الاستعدادات للانتخابات البلدية والاختيارية التي يؤمل ان تشكل محطة بارزة على طريق اثبات قدرة اللبنانيين على النهوض مجددا من ارث السياسات التي تكاد تدفن الاصول الديموقراطية.
ذلك انه قبل زهاء ثلاثة أسابيع من الجولة الاولى من الانتخابات البلدية والاختيارية، بدأت رياح المبارزات الكبيرة تتضح في عدد من المدن والبلدات التي تتداخل فيها عوامل الاصطفافات الحزبية المسيحية تحديداً مع عناصر التحالفات والمعارك الاهلية والعائلية ولا سيما منها في زحلة التي تبدو مرشحة لاحتلال صدارة الاستحقاق البلدي، كما برزت مفاجأة في جبيل التي كان يعتقد انها لن تشهد معركة انتخابية، فيما اندفعت في المقابل مساع حثيثة نحو توافق واسع في بيروت، ويجري سعي مماثل ولو من منطلقات مختلفة لتوافق يوفر على طرابلس مبارزة حادة.
زحلة التي تشهد أجواء حارة للغاية اتجهت "رسمياً" أمس الى المعركة الكبيرة بعد سقوط كل احتمالات تجنب المبارزة. وغداة اعلان ترشيح اسعد زغيب مدعوما من الاحزاب المسيحية الثلاثة "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية " والكتائب، ردت "الكتلة الشعبية " بلسان رئيستها السيدة ميريام سكاف أمس باتهامها الاحزاب الثلاثة بخوض "حرب الغاء ضد الكتلة وبيت ايلي سكاف" واعلنتها تالياً "معركة الكتلة الشعبية منفردة" في وجه الاحزاب الثلاثة كما في وجه النائب نقولا فتوش بعد سقوط التوافق. وأوضحت انها لم تبدأ بعد مشاوراتها مع " تيار المستقبل" و"حزب الله" وحركة "أمل".
في غضون ذلك، بدا فجأة ان التوافق يكاد يسقط في الانتخابات البلدية في جبيل. فبعدما كانت ثمة محاولة من "القوات اللبنانية" و"التيار الوطني الحر" ورئيس البلدية الحالي زياد الحواط لتشكيل لائحة توافقية، أكد الأخير لـ"النهار" ان الاتفاق مع "التيار" لم ينجح، معتبراً أنه يشكّل وحده 82 في المئة من المدينة، و"بالتالي مجرد قبولي المشاركة كان بهدف إشراك الجميع في العمل البلدي والانمائي وفي الفورة الانمائية للمدينة. قدّمت عضوين من "التيار" في المجلس المؤلف من 18 عضواً لكنهم رفضوا بحجة أن حجم "التيار" التمثيلي اكبر. فأنا لا أقوّم الأحجام وما أريده إجماعاً جبيلياً وليس حزبياً". وأوضح انه اتفق مع "القوات اللبنانية" على "المشروع والرؤية والخطة من دون التطرق الى الحصص". وأكد الحواط انه سيعلن لائحته في الايام المقبلة.
وقال منسق هيئة قضاء جبيل في "التيار الوطني الحر" طوني أبي يونس لـ"النهار" ان المفاوضات مع الحواط لم تتوصل الى تفاهم، "والآن ندرس حيثية المعركة، وثمة اتصالات نقوم بها مع الحلفاء من أحزاب وفاعليات في جبيل". في المقابل، أفاد منسق "القوات اللبنانية" في جبيل شربل أبي عقل أنه "يراهن على أن الموضوع لن يذهب بعيداً، لأن النية موجودة عند الطرفين، أي "التيار" والحواط، في مبدأ المشاركة، والمشكلة تتوقف على الرقم. أنا أعوّل على الاتصالات الحثيثة التي يجريها كل الأطراف وكل الخيرين لترتيب المسألة ولتحييد المدينة عن معركة وفي رأيي سنصل الى مكان ما".
اما في بيروت، فعلمت "النهار" ان الاطار العام للاستحقاق البلدي والاختياري ينطلق من تغيير المجلس البلدي الحالي وابقاء المخاتير.أما في شأن البلدية، فالاتجاه هو نحو التوافق على قاعدة المناصفة التي أرساها الرئيس رفيق الحريري وهي يتابعها الرئيس سعد الحريري من أجل اعطاء صورة عن العاصمة كمركز للعيش المشترك في لبنان. ولفتت مصادر مواكبة الى أن عدم حصول التوافق قد يعرّض مبدأ المناصفة للاختراق. وتردد في بورصة الاسماء المطروحة لرئاسة المجلس البلدي المهندس جمال عيتاني يليه خالد قباني وعصام قصقص . وترتسم علامة استفهام كبيرة حول توزع حصة الاعضاء المسيحيين في ظل تعدد المرجعيات وهو أمر اتخذ بعده الواضح في الحركة الناشطة التي بدأ يشهدها "بيت الوسط" حيث كان أمس لقاء للرئيس الحريري ورئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل والنائب نديم الجميل . كما ان الاستحقاق البلدي والاختياري كان محور لقاء للحريري والنائب وليد جنبلاط. وشدد الحريري في لقاء مع وفد "مؤتمر انماء بيروت" على "اننا جادون في الانتخابات البلدية وكل التحضيرات تجري على قدم وساق"، مطالباً المواطنين بالنزول الى صناديق الاقتراع. كما اكد تمسكه بالمناصفة بين المسلمين والمسيحيين باعتبارها " جزءاً من ارث رفيق الحريري وعلينا ان نحافظ عليه وخصوصاً في بيروت " .
الموقف في اسطنبول
في غضون ذلك، تتجه الأنظار الى الموقف اللبناني الرسمي الذي سيعلنه رئيس الوزراء تمام سلام لدى مشاركته في القمة الاسلامية في اسطنبول التي تنعقد اليوم وغداً نظراً الى ما يمكن ان يتركه من انعكاسات مباشرة على الازمة الناشئة بين لبنان والدول الخليجية وخصوصاً بسبب الموقف من "حزب الله". وأفادت موفدة "النهار" الى اسطنبول سابين عويس ان البيان الذي وضعه الاجتماع الوزاري التحضيري للقمة حظي بموافقة لبنان باستثناء الفقرة المتعلقة بادانة "الاعمال الارهابية لحزب الله "التي تحفظ عنها ولكن بدا لافتا في المقابل ان الفقرة المتعلقة بالشأن اللبناني رحبت بـ"الحوار بين الاطراف السياسيين اللبنانيين" وحضت الدول الاعضاء على تقديم كل الدعم لتعزيز قدرات الجيش اللبناني. وبدا ذلك بمثابة موقف جديد اذ جاء بعد العاصفة الخليجية في شأن الموقف اللبناني. وعلمت "النهار" ان الرئيس سلام الذي يرافقه وفد وزاري يضم الوزراء جبران باسيل وعلي حسن خليل وأكرم شهيب ومحمد المشنوق سيلتقي اليوم أميري الكويت وقطر، فيما لم يحدد بعد موعد للقاء محتمل بينه وبين العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز. وعلم ان الكلمة التي سيلقيها سلام امام القمة أدخلت عليها تعديلات واضافات أمس في ظل الاتجاه العام في القمة الى التنديد بسياسات التدخل الايراني في المنطقة اذ يفترض ان يأتي الموقف اللبناني واضحاً وحاسماً.
هولاند
الى ذلك علمت "النهار" ان برنامج زيارة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند للبنان السبت المقبل يتضمن مبدئياً بعد وصوله من المطار زيارة لمجلس النواب في ساحة النجمة حيث سيكون رئيس المجلس نبيه بري وعدد من النواب في إستقباله .وبعد المحادثات في البرلمان ينتقل هولاند الى السرايا للقاء الرئيس سلام. ثم يتوجه الرئيس الفرنسي الى قصر الصنوبر للقاء الجالية الفرنسية من أصل لبناني. ومساء يقام عشاء وجهت الدعوات اليها الى كبار المسؤولين والزعماء وعدد من الشخصيات النيابية والسياسية والدينية والاجتماعية.
وقبيل زيارة هولاند للبنان أفاد مراسل "النهار" في باريس ان وزير الخارجية الفرنسي جان - مارك ايرولت بحث أمس مع المنسقة الخاصة للامين العام للامم المتحدة سيغريد كاغ في التحديات التي يواجهها لبنان، ووجها دعوة لتخطي الانقسامات الداخلية وانتخاب رئيس للجمهورية في أسرع وقت. وأكد ايرولت في بيان صدر عن الخارجية الفرنسية "دعم فرنسا للبنان ولمؤسساته، وخصوصاً القوى العسكرية اللبنانية، لجبه التحديات الداخلية المهمة التي يواجهها لبنان". وقال "إن فرنسا تدعو مع المجموعة الدولية لدعم لبنان والاسرة الدولية اللاعبين السياسيين اللبنانيين الاساسيين الى تخطي انقساماتهم من أجل السماح في أسرع وقت انتخاب رئيس للجمهورية والى عمل المؤسسات بشكل طبيعي".