ذاكرةُ اللبنانيينَ لا تنسَ حربَ عينِ الرمانةِ وبوصتَها،والتي أشعلتْ إثرَها حرباً بينَ المسلمينَ والمسيحيينَ وتلاها اقتالُ السنةِ والشيعةِ والدروز،وانفلتَ الشارعُ من عقالِه،فحصدَ ذاك الصراعُ مئتَي ألفِ قتيلٍ ومفقودٍ وجريحٍ ومعاقٍ إضافةً إلى خسارةِ بُنيةِ الاقتصادِ وخرابِ المُدُن.
وبعد اتفاق الطائف تمَّ تلزميمُ أمنِ لبنانَ للنظام السوري بموافقة غربية وعربية،إلى حين استشهاد الرئيس الحريري بانفجارٍ الذي أحدثَ ارتداداتٍ محليةً وإقليميةً.وظننا كلبنانيين أننا ودّعنا الحربَ نحوَ عالمِ السلامِ والإعمار والتنمية،وأنا كشابٍ لم أعشْ تلكَ الحقبة المشؤومة،ولكنني عشتُها في 7 أيار 2008،وعشناها بالأمس القريب زمنِ الصراعِ العبثي بين فقراءِ التبانة وفقراءِ جبلِ محسن،ولمسناها في محطات عديدة،فالمصالحة الوطنيةُ انحسرتْ وحصلت بين القيادات من الصف الأول والثاني،ولم تنسحب على القاعدة والحي والشارع فبقيت الأزمةُ قائمةً،فعند ظهورِ أيِّ خلافٍ بين حزبين ومرجعيتين دينيتين وسياسيتين واقتصاديتين تُستَحْضر كلُّ أدواتِ الحروبِ ومقدَّماتها،وخصوصاً وأنّ الإعلامَ في لبنانَ يتّخِذُ طابعاً حربياً وصراعاً بارداً وساخناً حيناً حسبَ انتمائِه ومشروعِه.
فذكرى 13 نيسان تتجدَّدُ من حينٍ لآخَر،بوجوه وأداةٍ بأشكالٍ متعددة.فمِنْ لم يعاصر حربَ لبنانَ من القرن العشرين فعاشَه الآنَ شبابُ القرنِ الواحدِ والعشرين واقعاً أليماً في محطات قريبة دينيةٍ وسياسيةٍ.فكلُّ طائفةٍ لها بوصتُها ورمنتُها،وأمراءُ الطوائفِ والحربِ تربَّعُوا على عرشِ السلطةِ وتقاسَمُوا خيراتِها،وومن ثمَّ يُحاضرون فينا دروساً في الوطنية والعفة والطهارة والفضيلة والناس لهم أذنٌ صاغية وقلوب واعية.
وهم أنفسهم بمقدورهم إعادة إنتاج الحرب الأهلية والدينية... إنّي أرى الحربَ قائمةً وليستْ قادمةً،ونعيشُ تفاصيلَ قذارتِها كلَّ يومٍ وعندَ كلِّ استحقاق،وخصوصاً وأننا نتأثّر سلباً بالحرب اليمنية والعراقية والسورية.فالطوائف في لبنان يعلنُ بعضُها بعضاً،وكلٌّ تخاف أختَها وتشتُمُ خصمَها وتبيحُ دمَ من يخالفُها.وما من طائفة إلا ولها ممول مقابل البيعة والسمعة والطاعة،وبالأخص وأنّ الداعشية منظمةٌ عابرةٌ للطوائف والأحزاب.والأسخف أنّ الدول الراعية للطوائف إذا اتفقت أو اختلفَت فإننا نحن الخاسرين.
فالعلاجُ السليمُ يكون باعتماد نهد الدولة المدنيّة لا حظَّ للطائفيينَ وأمراء الحرب فيها.وتقودُها ثلةٌ من الشباب الوطني الواعي والطاهر في فكره ونهجه.وفي الختام فالأمن نعمةٌ ينبغي أن نعيشَها بكل لحظاتِها ،ومن فقَدَها خسرَ الدنيا والآخِرة.