أن يكون للدول مروحة مصالح اقتصادية تعمل على صيانتها والزود عنها وتسعى إلى تحقيقها فهذا من أبسط البديهيات، ولا تعتبر المصالح وحمايتها من قبل الدول بالأمر المعيب أوالمستهجن خاصة إذا ما التجأت الأنظمة إلى أساليب مشروعة لا تتناقض مع النظم الدولية المعمول بها.
هذه البديهة الحاكمة على كل العلاقات الدولية الآن ومنذ القدم وفي المستقبل فإنّها للأسف تحتاج في بعض المطارح وعند بعض المساكين إلى برهان وأدلة، ممّا يصعب الموضوع إلى حد الإعياء لان توضيح الواضحات من اصعب الصعوبات ومن المؤسف ان تجد نفسك مضطرًا مثلًا إلى إقناع شريحة واسعة من الناس بأنّ إيران هي الأخرى تتحرك وفق هذه البديهة وأنّ مصالحها الدولية ومصالح شعبها هي المحرك الأساسي والأوحد في نسج علاقاتها مع الآخرين إن سلمًا أو حربًا.
صحيح أنّ إيران ليست هي الدولة الأولى التي تلجأ في معظم الاحيان للتلطي خلف شعارات دينية ومذهبية من أجل الوصول إلى أهدافها الإقتصادية ولكن الصحيح أيضًا أنّه وفي القرن الواحد والعشرين لا زال يوجد من تغشّه تلك الشعارات المذهبية وينجرف خلفها بدون أيّ تأمل أو إرجاع للبصر.
فإيران التي تقدم نفسها على أنّها الوصي الأوّل للشيعة في العالم وأنّها الحامي لهم وبأنّ سياساتها إنّما هي محكومة وفق منظومة قيم ومفاهيم فوق المصالح والحسابات وأنّ المعيار الفقهي والديني له المقام الأوّل في تحديد خياراتها فإنّ كل هذه البروبوغندا الفقهية تتهاوى عن بكرة أبيها في النزاع الحاصل والمستجد بين أرمينيا من جهة وأذربيجان من جهة أخرى. لأنّه وبحسب الإدعاءات الإيرانية فإنّ الموقف المبني وفق الحسابات القيمية يحتم على إيران أن تكون إلى جانب أذربيجان ذات الأغلبية الشيعية ( 70% - حوالي 6 مليون نسمة ) في مواجهة أرمينيا المسيحية الأرثوذوكسية ، بينما نجد إيران وقفت إلى جانب أرمينيا منذ الحرب التي اندلعت بين الطرفين واستمرت لثمانية سنوات 1994- 1988 والتي راح ضحيتها حوالى 30 ألف قتيلًا.
طبعًا إنّ الموقف الإيراني المنحاز إلى جانب أرمينيا ليس بسبب إيمان الجمهورية الإسلامية بأحقية هذه الأخيرة بالنزاع القائم حول إقليم ناغورني قاراباخ النفصالي ذات الاغلبية الارمنية والتابع لسلطة اذربيجان، وانما السبب الكامن خلف التموضع الايراني سببه الخلاف التاريخي القديم بين ايران واذربيجان والعائد الى مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية على خلفية استثمار الثروة النفطية والغازية في بحر قزوين ليس الا وكانت ايران قد احتجت رسميا السبت الماضي على عقود وقعتها اذربيجان مؤخرا مع شركات اجنبية لاستغلال النفط في قزوين مما حدا بالرئيس الايراني الدخول على خط الازمة المستجدة واعلان دعمه الكامل لارمينيا واصفا العلاقة معها بالحميمة والودية واعتبارها نموذجا على مستوى العالم هذا الموقف الايراني المنطلق حصرا من مصالحها بدون اي اعتبار او لحاظ للموضوع المذهبي وذلك على خلاف الصورة التي تحاول تسويقها في المنطقة العربية وبالخصوص في الوسط الشيعي العربي، وينسف بالتالي كل الادعاءات الايرانية بالحرص على مصالح الشيعة.
يبقى ملاحظة اخيرة لا بد من ذكرها كرد على المدافعين عن السياسة الإيرانية ومحاولات اللعب على وجود العامل الاسرائيل المعتمد ايرانيًا كعامل مساعد للموضوع المذهبي، عبر الادعاء بان اذربيجان تقيم علاقات مع اسرائيل مما يبرر بزعمهم وقوف ايران الى جانب ارمينيا متناسين هؤلاء عن سابق تصور وتصميم بان العلاقة الدبلوماسية بين ارمينيا واسرائيل ايضا تعود الى نيسان 1992 ( سفير اسرائيل الحالي في ارمينيا هو شموئيل ميروم ) وهو نفس تاريخ العلاقة مع اذربيجان تماما متى سيتعلم الشيعة بأنّ إيران إنّما هي دولة لها مصالحها الخاصة التي تعمل على تحقيقها أولاً وأخيرًا ومن أجلها يمكن تسخير كل الشعارات وعلى أنواعها، فإذا كانت مصالحها في سوريا استدعت رفع شعار " لن تسبى ذينب مرتين " فإنّ مصالحها في اذربيجان الشيعية وبحر قزوين قد تدفعها لرفع شعار " لن تصلب ارمينيا مرتين " .