تفجيرٌ في صيدا عشية ذكرى الحرب الاهلية اللبنانية يعيد ذاكرة اللبنانيين إلى الخوف والرعب
السفير :
13 نيسان 1975 ـ 13 نيسان 2016..
41 عاما مضت على الذكرى المشؤومة لاندلاع الحرب الاهلية المركّبة في لبنان، لكنها لم تكن كافية، بالنسبة الى كثيرين، لاستخلاص الدروس والعبر.
بعد مرور أربعة عقود ونيف على وقوع المأساة، تكاد تكون معظم شروط تجدد الحرب متوافرة: احتقان متراكم، تحريض متواصل، هواجس متبادلة، أزمة ثقة مستفحلة، حرمان جوّال، تهميش بالمداورة، مؤسسات متحللة، واصابع تتحيّن الفرصة المناسبة لتمتد الى الزناد او الخناق..
وإذا كان هناك من فارق بين الامس واليوم، فهو ان خطوط التماس التي كانت تشطر الطوائف في السابق، باتت حاليا تشطر المذاهب، وبدل «الشرقية» و«الغربية» او المسلم والمسيحي، صار هناك إصطفاف على اساس «الخلية الاصغر»: سنة وشيعة ودروز وموارنة وكاثوليك وارثوذكس وأرمن.. حتى نكاد نترحم على الماضي!
انها الحرب الاهلية الباردة، القابلة للانزلاق نحو الأسوأ، خصوصا ان أمراء السياسة والطوائف في لبنان يمعنون في الاستثمار فيها، لحماية إماراتهم، والمحافظة على استقطابهم لولاء «المحاربين الجدد» من الاتباع والرعايا.
ولئن كان العامل الفلسطيني قد حضر في «بوسطة عين الرمانة» في 13 نيسان 1975، فان المصادفات شاءت في 13 نيسان 2016 ان يحضر هذا العامل مجددا في المشهد اللبناني العام، عشية ذكرى نشوب الحرب.
ما تغير فقط هو ان «البوسطة» حلت مكانها سيارة عائدة لمسؤول حركة فتح في مخيم المية ومية، العميد فتحي زيدان المعروف بـ«الزورو»، والذي جرى اغتياله في وضح النهار.
وما حصل أمس عند مستديرة الانجيلية في أطراف صيدا على الطريق بين «المية ومية» و «عين الحلوة» لم يكن مجرد اغتيال. انه إنذار «شديد اللهجة» بان بركان الاحتقان في المخيمات الفلسطينية يقترب من لحظة الانفجار الكبير، ما لم يتم تداركه بإجراءات أمنية وسياسية.. فوق العادة.
وأغلب الظن، ان زواريب المخيمات لم تعد تحتمل هذا الازدحام والتدافع في «الاجندات» المتعارضة، في إطار صراع محموم على النفوذ والسلطة، ضمن مساحة جغرافية ضيقة ومكتظة بالسكان، سواء «القدامى» منهم، او الوافدين حديثا هربا من الحرب السورية.
فصائل متنافسة، صراع محاور في داخل بعض التنظيمات، أجهزة مخابرات متعددة الجنسيات، مصالح متضاربة، امتدادات خارجية، اموال سياسية، لائحة طويلة من المطلوبين للعدالة.. كلها صواعق تفجير يعيش بينها ومعها عشرات آلاف اللاجئين الفلسطينيين، من الاكثرية الصامتة التي غالبا ما تدفع الثمن الاكبر لـ «الحروب الصغيرة» التي تدور في المخيمات.
وفي حين يعاني اللاجئون الفلسطينيون من ظروف معيشية صعبة، ونقص في ابسط بديهيات الحياة الكريمة، يبدو في المقابل ان هناك فائضا من السلاح العبثي والمتفلت الذي يهدد بتشويه إضافي للقضية الفلسطينية.
والمفارقة، ان فتحي زيدان الذي قتل بتفجير عبوة ناسفة (1 كلغ) زرعت تحت مقعده في السيارة، هو صاحب سجل نظيف لدى الاجهزة الامنية اللبنانية، وكان متعاونا مع مخابرات الجيش في الجنوب، وليس معروفا عنه انه متورط بعداوات شخصية في «المية ومية» او خارجه، ما يعزز الاعتقاد بان المقصود من استهدافه، ليس اغتيال شخصه وحسب، وإنما إيصال رسالة عبره الى «حركة فتح»، في إطار حساب مفتوح بين الحركة وخصومها.
وأبلغت مصادر أمنية واسعة الاطلاع «السفير» انها ترجح فرضية ان تكون جهة فلسطينية سلفية متشددة هي التي تقف وراء اغتيال زيدان، عبر اختراق أمني من داخل مخيم المية ومية، لافتة الانتباه الى ان سجالا حادا كان قد وقع قبيل قرابة أسبوع بين القيادي في فتح ماهر الشبايطة وبعض القوى الاسلامية المتشددة التي استخدمت لهجة قاسية في هذا الاشتباك الكلامي.
وأشارت المصادر الى ان هناك نفوذا واسعا للمجموعات الفلسطينية المتطرفة في «المية ومية»، وحضورا فاعلا لها في «عين الحلوة».
وكشفت المصادر عن ان الشبهات تدور حول مجموعة محددة، معروفة بتطرفها وتناغمها مع «جبهة النصرة».
وأعربت المصادر عن مخاوفها من انتقال حرب الاغتيالات والتصفيات الفلسطينية - الفلسطينية، لاسيما بين «فتح» والسلفيين المتشددين، من داخل المخيمات الى خارجها.
وأكدت المصادر ان الفصائل الفلسطينية مدعوة الى تحمل مسؤولياتها واتخاذ قرار سياسي برفع الغطاء عن كل من يخل بالامن، محذرة من ان استمرار التهاون في التعامل مع الحالات النافرة قد يؤدي، مع تراكمها، الى انفلات الامور وبالتالي تفجير شامل للوضع، مع ما سيتركه ذلك من انعكاسات مدمرة على المخيمات، خصوصا «عين الحلوة.»
المخابرات للفصائل: احسموا..
وأمام تزايد الحوادث الامنية وعمليات الاغتيال في مخيم عين الحلوة، تبدو القوة الامنية المشتركة بقيادة منير المقدح امام اختبار صعب، وسط مآخذ متصاعدة على «أدائها الرخو»، من قبل الاجهزة الرسمية اللبنانية التي ترصد بدقة ما يجري في داخل المخيمات، علما ان الكلفة الشهرية لعمل هذه القوة (رواتب ومتطلبات) تتجاوز الـ200 ألف دولار.
وفي المعطيات المتوافرة، ان مخابرات الجيش في الجنوب تضغط على «اللجنة العليا» التي تضم قادة الفصائل، كي تفوّض القوة المشتركة المكونة من الاطراف الفلسطينية حسم أي إشكال على الارض، من دون الرجوع الى أحد لأخذ إذنه او رضاه، خصوصا ان هناك شكوى لدى المخابرات من ان حوادث عدة تجري لفلفتها او يتم التساهل مع مرتكبيها بسبب مداخلات من هذا الفصيل او ذاك.
وعُلم ان مخابرات الجيش نبهت قادة الفصائل الى ان استمرار التقصير او القصور في الامساك بالارض سيتسبب بمشكلة مع الدولة اللبنانية.
وتصر مخابرات الجيش على وجوب تسليمها كل المطلوبين والمرتكبين، من دون أي استنسابية او تمييز، بحيث لا يتم فقط تسليم المشتركين في حوادث فردية، بينما تجري محاولات من حين الى آخر للاكتفاء بتوقيف بعض مرتكبي الجرائم الحساسة لدى القوة المشتركة، نتيجة ضغوط تتعرض لها او تسويات تحصل معها.
وعلمت «السفير» ان مدير مخابرات الجيش في الجنوب العميد خضر حمود كان قد اجتمع أمس الاول الى مسؤولي الفصائل الفلسطينية، ومن بينهم زيدان، طالبا منهم الايعاز الى القوة الامنية المشتركة التشدد في تدابيرها واستخدام الحزم في مواجهة أي خلل.
المستقبل :
رشيد سوري فلسطيني في الستين من العمر. عاشَ في لبنان طوال سنوات الحرب الأهلية. قبل الثورة السورية، اشترى منزلا ريفياً بالقرب من دمشق، حيث كان سيمضي مرحلة تقاعده، وسط اخوته وأبناء عمومته. هو عاش في لبنان، ليس فقط لأنه منضم لإحدى الفصائل الفلسطينية؛ إنما أيضاً لأن أهل أمه يسكنون في مخيم عين الحلوة، بالقرب من صيدا. مرّ على سجون المخابرات السورية مرات لا تُحصى؛ وبوتيرة روتينية، كلما انتقل من لبنان إلى سوريا. بعد تجاوزه للحدود اللبنانية، في المصنع، يسأله عنصر الحاجز السوري عن هويته، «فلسطينية«، يجيب؛ فيكون الإجراء «الطبيعي« أن ينزله من سيارة الاجرة، ويدخله إلى «المبنى«. ومن هناك يأخذونه إلى سجن «فلسطين« في العاصمة، ويخضع للإستجواب نفسه. وبعد أيام، يُخلى سبيله، الذي لا بد انه أتى إثر إتصال هاتفي من مسؤول فلسطيني رفيع مقيم في دمشق.
تعرفتُ على رشيد منذ ثلاث سنوات، في بيروت. كان خارجاً لتوه من مخيم اليرموك، هو وزوجته وأمه وأبناؤه الثلاثة، ينتظر إتمام أوراق و«معاملات« إنتقاله إلى تركيا. وُفِّق رشيد في حياته التركية الجديدة، رتّب أمور عائلته هناك، من سكن ومدارس وطبابة، وعاد منذ أيام إلى لبنان، لمهمة عائلية على ما أعتقد؛ لم يفصح عنها، ولكنه ألمح إلى أقاربه الذين عمل على خروجهم، أخيراً، من مخيم اليرموك، وإلى انه الآن ينظم شؤون رحيلهم النهائي إلى كندا. في لقائنا الاول، تكلم كثيراً عن الحرب؛ كان مشوشاً مرهقا، متقطع الأنفاس. لم أحفظ منه سوى روايات المأساة المتجددة، وذكريات أمه عن نكبتهم الاولى، عندما استقر رحيلها في لبنان «الحلو«، ولبضعة أشهر، قبل ان تتعرف على أبيه، الفلسطيني من قرية لوبية، في مخيم الجليل، في بعلبك، حيث كانت تزور خالتها، فتتزوجه وتنتقل إلى دمشق.
رشيد الذي يعرف الحرب، الأهلية اللبنانية الأولى، ويعاصر عن قرب وعن بعد الحرب الثانية، السورية، بدا في لقائنا الثاني مهجوسا بالمقارنة بينهما، كأنه يحاول إيجاد الإجابة عن أسئلة تؤرقه:
«في بداية الحرب في سوريا، قلتُ لنفسي بأنها «تمرّ«، كما مرّت سالفتها اللبنانية. لم أكن أتصور أبداً أنها سوف تتفوق عليها في كل شيء تقريبا، بالمأساة والتمدد والمنعطفات. بل كنتُ أجد نفسي مذهولاً، كل مرة، كلما نضَحت هذه الحرب عن كارثة جديدة، فأقول «هل كان يمكننا ان نتصور أن بشار الأسد على هذه الدرجة من القوة التدميرية؟ وأن الثورة السورية تكاد تشعل حربا عالمية؟« خذي مثلاً: قامت الحرب في لبنان من أجل قضايا أكثر خطورة من تلك التي رفعها المنتفضون السوريون. لا أقل من تحرير فلسطين بحرب شعبية، ومن تغيير النظام الطائفي اللبناني. هل هي أقل فداحة من مطالب المنتفضين السوريين الأوائل بدولة قانون وتداول للسلطة؟ بعدم الاهانة والضرب؟ بعدم الفساد؟ أو التشبيح؟ طبعاً لا. ومع ذلك لا تجد في لبنان الحرب، مع كل البشاعات التي رافقته، شيئا شبيها بالفظاعات السورية، وقد فاقت خيالنا.
«هل السبب في طبيعة العصر؟ وقت الحرب اللبنانية، كان زمن «الحرب الباردة«، الأكثر رحمة، حيث التوازن السلبي، وترك مناطق نفوذ الأميركيين والسوفييت كلٌ لحالها؟ ربما؛ ففي الحرب السورية الآن، لم يعد يُعرف من هو حاكم العالم، من هو الشرطي الدولي الذي يردع عن ارتكاب جرائم ضد الإنسانية. بكلام أبسط، هل عدم ممارسة الإمبريالية الأميركية السابقة صلاحياتها في «مناطق نفوذها« فتح شهية الجميع، كل بحجمه وسلاحه، فصارت سوريا أرضا سائبة، يلعبون فيها بنيرانهم، من دون حساب؟
«انتبهي... في أواسط السبعينات، عندما اندلعت الحرب اللبنانية، كانت الأفكار السائدة، هي لليسار والتقدمية والحداثة. هل تذكرين؟ حتى الزعماء الطائفيون، كانوا، على الأقل في العلن، يقومون بأفعال ايمان تقدمية، ينطقون بها... ولكن هذا لم يحلْ دون تحول الطائفية إلى طاقة حربية تتجاوز كل الأحزاب الوطنية وبرامجها التقدمية. الآن، وقبل الثورة السورية، صارت الإتجاهات الدينية هي الطاغية، تأخذ راحتها الى أبعد حدودها مع الإرهاب الديني، وتجد آذانا صاغية وسط شباب العالم. ألا يكون ذلك من دواعي الذهاب الى أبعد ما يمكن من الإستقواء بروح العصر هذه، وتحويل الدين إلى سلاح فتّاك، يتفوق على النووي؟
«الأطراف التي ارتكبت الجرائم الطائفية في لبنان، لم تكن كلها يمينية؛ انما «الجبهة التقدمية« أيضا ارتكبت الخطف والقتل والتهجير والسرقة، تجاه الطوائف المسيحية. ونظرا لاستعدادها كلها للقتال، ولا طرف سبق آخر، أو تفوق على آخر، كان لزاما أن تستمر، منذ بدايتها، تحت قيادة حاضنة وناظمة لهذه الحرب: القيادة السورية، التي مهما قيل عن تدخلها العسكري عام 1976، وعن وصايتها الملطفة في البداية والعنيفة في نهايتها، كانت هذه الوصاية تضبط الحرب، تتدخل للفصل بين اطرافها، مرة لصالح هذا، ومرة أخرى لصالح ذاك؛ وكله بموافقة اميركية، وترقّب اسرائيلي حذر، متعايش مع هذه الوصاية، بعدما رسم «الخطوط الحمر« الممنوع عليها تجاوزها.
«هذا ما جعل الحرب اللبنانية تدور وكأنها ضمن الحدود المرسومة لها؛ كأنها داخل فُقّاعة. كره اللبنانيون «حرب الآخرين على ارضهم«؟ سوف يعشقون الحرب في سوريا، التي لا تكتفي بحرب غيرها عليها، بل اشعالها نيرانها في انحاء المعمورة. نار معقدة مركّبة فيها «الجهاديون« العالميون، واللاجئون الذين هزوا أوروبا كلها، والأكراد، المظلومون والظالمون، والروس بمداواتهم لجروحهم القومية في سوريا، والأتراك، الذين أضاعوا، نهائيا ربما، سياسة «الصفر مشاكل«، و«داعش«، في العراق وسوريا، وبعد ذلك في ليبيا ومصر وتونس... وحيث أمكن. والدنيا كلها المقلوبة رأسا على عقب من جراء الحرب في سوريا... إلا إذا كانت هذه الحرب هي الترجمة الممكنة لإنقلاب كل هذه الأحوال.
«أما بالنسبة لي أنا الفلسطيني السوري، فيمكن أن أقول إنني، في هذه الحرب عشت النكبة الفلسطينية الثانية، بعد تلك التي هجّرت أبي من فلسطين عام 1948. ولو أصغيت إلى تفجّع أمي، وهي تترك، مرغمة، بيتنا في مخيم اليرموك، سوف تقيسين الفرق: لبنان الذي هربت إليه كان مضيافاً، كريماً، حلواً. هربت إليه من فلسطين، حاملة «سرَّتها« ومفتاح بيتها، بعدما قتلت العصابات اليهودية ثلاثة عشر رجلا من قريتها. كانت لاجئة فلسطينية، ولكن «بين أهلها اللبنايين«، كما تقول. أما الآن فهل أحتاج الى وصف النكبة الفلسطينية الثانية؟ بعدد القتلى الذين دعوا أمي إلى الفرار؟ بقافلة قتلاها وجائعيها ولاجئيها غير المعترف بهم، بأرواحها وأجسادها التائهة داخل سجونها المتنقلة؟
«هل تذكرين الفكرة التي كنا نعزّي أنفسنا بها أثناء حرب لبنان، نحن اليساريين التقدميين، من أن لبنان لن يتغير إلا إذا تغير العالم العربي؟ الآن، بعد خراب سوريا، هل نطرح على أنفسنا السؤال ذاته؟ هل نملك الترف لطرحه؟ سؤال آخر: إذا كانت الوصاية الأسدية السورية لازمت الحرب اللبنانية، وبقيت بعد نهايتها تحكم لبنان لثلاثة عقود، فتحت أية وصاية سوف تختتم الحرب السورية؟ هل من أفق معيّن في قريبها؟
الديار :
أمن مخيم عين الحلوة في عين العاصفة، بعد اغتيال أبرز مسؤول عسكري لفتح في لبنان، وهذا ما يكشف عن قرار للخلايا الارهابية في المخيمات بتصعيد التوتر وجر المخيمات الى انفجار شامل بعد ان تبين ان الخلايا الارهابية تقف وراء موجة الاغتيالات واطلاق الرصاص ورمي القنابل في المخيم خلال الاسابيع الماضية ومحاولتهم التمدد خارج الاحياء التي تقع تحت سيطرتهم في عين الحلوة وتحديداً في حي الصفصاف وحطين، كما ان كل المعلومات تشير الى تنامي في قدرات الخلايا الارهابية بقيادة اسامة الـشهابي وبلال بدر في عين الحلوة مستغلين ضعف القوى الفلسطينية وخلافات فتح والازمة المالية لمنظمة التحرير الفلسطينية ووقوف القوى الاسلامية الفلسطينية على الحياد. وهذا ما سمح للارهابيين برفع جهوزيتهم واستقطاب عناصر جديدة واستقبال العديد من «الفارين» الارهابيين بعد هزائمهم في تدمر والقريتين في سوريا.
وفي المعلومات ان التوترات ستتصاعد في عين الحلوة والاوضاع مفتوحة على كل الاحتمالات الى ذلك، خيم التوتر الشديد على مخيمي عين الحلوة والمية والمية في منطقة صيدا، غداة اغتيال مسؤول فتح في مخيم المية ومية فتحي زيدان، بانفجار عبوة ناسفة استهدفته، ويسود استنفار غير معلن في صفوف الفتحاويين في المخيمين.
قرابة الثانية عشرة ظهرا، هزّ انفجار منطقة صيدا، ادى الى مقتل زيدان الذي قضى على الفور، وهو احد ابرز المسؤولين العسكريين في حركة فتح في لبنان، ورجحت المصادر الامنية ان تكون العبوة قد وضعت داخل سيارته وهي من نوعbmw، اثناء تواجده عند مستديرة الاميركان في محلة التعمير في صيدا.
الانفجار الذي سمع دويه في ارجاء مدينة صيدا، خلف سحبا من الدخان، على اثر اشتعال خزان الوقود في السيارة، ما ادى الى احتراق جثة المسؤول الفلسطيني، وانتشلت فرق من مسعفي الصليب الاحمر اللبناني، اشلاء تناثرت في ارجاء المكان، وافيد عن جرح اربعة مواطنين صودف وجودهم في المكان، الذي يقع على بعد كيلومتر واحد من مخيم عين الحلوة، وعلى مقربة من المدرسة الانجيلية . سيارات الاطفاء توجهت الى المكان وعملت الى اخماد الحريق فيما حضر فريق من خبراء المتفجرات والادلة الجنائية في الجيش، وعملوا على جمع الادلة ومعاينة المكان، فيما كانت قوة من الجيش تنفذ طوقا امنيا في المكان، ومنعت حركة السير وعبور المارة.
مصدر عسكري قدر زنة العبوة التي انفجرت بكيلو غرام من المواد المتفجرة. مصادر امنية فلسطينية، اكدت ان القيادي في حركة فتح فتحي زيدان الذي استهدفه الانفجار، يعتبر من ابرز القادة العسكريين للحركة، ولفتت الى انه كان غادر مخيم المية ومية قبل وقت من الانفجار، ولم تنف المصادر ان تكون عملية اغتيال زيدان على صلة بالوضع الامني المتوتر منذ اسبوعين، بعد اشتباكات مسلحة دارت بين مقاتلين من حركة فتح ومجموعات تنتمي الى تنظيمات ارهابية تتمركز داخل عدد من احياء مخيم عين الحلوة. وخطورة الانفجار انه تم في محيط ثكنة الجيش اللبناني، حيث يقوم الجيش باجراءات امنية مشددة، ما يدل على ان فرضية ان تكون العبوة وضعت داخل السيارة، قبل توجه زيدان الى مستديرة الاميركان.
واشار قائد القوة الامنية الفلسطينية في المخيمات اللواء منير المقدح الى ان زيدان كان عائداً من اجتماع في المية ومية لبحث الوضع في المخيم، وطالب خلال الاجتماع بتعزيز الاجرءات الأمنية هناك.
مؤتمر القمة الاسلامية في اسطنبول
فشلت المحاولات السعودية مع بعض دول الخليج بادراج بند في جدول اعمال القمة الاسلامية في اسطنبول بتوصيف حزب الله ارهابياً، وقادت المملكة العربية السعودية هذه المحاولة بدعم من دول مجلس التعاون الخليجي باستثناء عُمان، وقد تصدى لبنان والعراق والجزائر وايران واندونيسيا لهذه المحاولة كما رفضتها تونس والعديد من الدول العربية والاسلامية، ولم تنفع كل المحاولات السعودية بادراج هذا البند واكد ممثل لبنان في اجتماع كبار الموظفين في انقرة، «يمثل لبنان في مجلس التعاون الخليجي» عبد الستار عيسى، رفض ادراج هذه الفقرة والتحفظ عليها مدعوماً من هذه الدول، علماً أن الرئيس تمام سلام يتوجه اليوم الى انقرة على رأس وفد وزاري يضم كل الاطراف السياسية الممثلة في الحكومة للتأكيد على وحدة الموقف اللبناني. وفي المعلومات ان الرئيس سلام قد يلتقي الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز للمرة الاولى بعد التوتر في العلاقات اللبنانية ـ السعودية. واللافت ان المحاولات السعودية لتوصيف حزب الله ارهابياً في اسطنبول لم يلاق ايضاً القبول من معظم المشاركين، رغم ان السعودية كانت ترغب بالتوافق على هذا الامر، خصوصاً ان زيارة الملك السعودي الى القاهرة سبقها قرار مصري بوقف بث قناة المنار عن «نايل سات».
جلسة الحكومة وابرز المداولات
وعلى صعيد جلسة مجلس الوزراء قالت مصادر وزارية ان ملف امن الدولة جرى بحثه كآخر بند لجلسة مجلس الوزراء بناء على طلب رئيس الحكومة تمام سلام. واضافت ان النقاش الذي انقسم بين فريقين الاول مسيحي والآخر اسلامي، بقي يدور في الحلقة المفرغة واتخذ في بعض الاحيان طابعاً طائفياً واشارت الى ان الوزراء المسيحيين خاصة وزراء الكتائب والتيار الوطني الحر رفضوا اقرار اي تحويلات مالية للاجهزة الامنية ما لم يتم اقرار حقوق امن الدولة، وبالتالي جرى تأجيل اقرار الاموال للامن العام والامن الداخلي بانتظار الاتفاق حول الوضع في امن الدولة. واوضحت المصادر انه عندما شعر رئيس الحكومة ان النقاش اخد بعض الحدة وابعاداً طائفية طلب تأجيل البحث في هذا الملف الى الجلسة المقبلة التي ستنعقد يوم الاثنين، على ان يكون بند امن الدولة في رأس جدول مجلس الوزراء.
واشارت المعلومات ان الرئيس سلام طلب التأجيل حتى اعطاء مزيد من الوقت للاتصالات في ظل عدم التفاهم حتى الآن، وبالتالي فان مصير الحكومة سيكون على المحك.
السجالات بين الوزراء
اما على صعيد المداولات داخل الجلسة، استهل رئيس الحكومة موضوع جهاز أمن الدولة بالكلام عن ضرورة إعطاء الموضوع حقه كاملا بالنقاش وتمنى على الوزراء التوصل إلى التوافق في هذا الملف، وأشار إلى قضايا لا تقل أهمية عن هذا الملف يجب تناولها ومشاكل الدولة كثيرة، من هنا أدعو إلى متابعة جدول أعمالنا وقد كنا بلغنا البند 41 في الجلسة الفائتة، وقد كنا أدرجنا مواضيع الهبات والسفر في بداية جدول الأعمال لننتهي منها بسرعة كونها لا تشكل مشكلة وننصرف بعدها لمناقشة المواضيع التي حولها خلافات. وموضوع المطار هو أول موضوع بعد الهبات. وإذا لم يكن لديكم مانعا من متابعة موضوع نقل الإعتماد في وزارة الداخلية، نتابعه، وبعده موضوع أمن المطار وبعد الإنتهاء منه نبحث موضوع أمن الدولة. فكانت لوزير الخارجية ملاحظة، ما دعا الرئيس سلام إلى الرد قائلا بعدم جواز ربط مؤسسة بمؤسسة، فنحن لا نعمل شيئا استثنائيا، فكل مؤسسة تأخذ دورها، ولا يجوز أن نقاصص مؤسسة لأننا لا نعالج موضوع مؤسسة أخرى، وأتمنى على الجميع مرافقتنا بهذا المنطق ولنأخذ بعين الإعتبار اعتراض الوزير باسيل ونناقشه بعد انتهاء بند أمن المطار. وإذا كانت لأحد رغبة أو نية بوقف عمل مجلس الوزراء على عمل مؤسسة واحدة فهذا خيار، إنما أرى أن في ذلك ضررا للبلاد وأذى عاما.
وأضاف سلام: أن هناك قضية أخطر وأهم من جهاز أمن الدولة وهي قضية رقابية تتعلق بالتفتيش المركزي، ولم يثر رئيس هذه المؤسسة المشكلة مع طائفته بتاتاً لإثارة الموضوع، واستغرب كيف أن أحدا لم يتناول هذه المشكلة بينما راحت الأصوات تطالب بحل موضوع أمن الدولة. وأرجو عدم الإستخفاف بإثارة موضع من هذا النوع من قبل مسؤول المؤسسة.
الجمهورية :
تَوزّع المشهد السياسي أمس في الخارج، بين القاهرة واسطنبول. ففي القاهرة، توّجَ رئيس مجلس النواب نبيه برّي زيارته لها بلقاء الرئيس المصري عبد الفتّاح السيسي متمنّياً عليه العمل لتوفير الدعم العسكري للجيش اللبناني، بما في ذلك السعي لإعادة العمل بالهبة العسكرية السعودية. فيما شدّد السيسي على «انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية مهما كلّفَ الأمر، لأنّ إنجاز هذا الاستحقاق أكثر من ضروري»، مبدياً ارتياحه إلى الحوار الوطني بين اللبنانيين، معتبراً أنّه «يشكّل حماية للبنان». وأمّا اسطنبول فيتوجّه إليها رئيس الحكومة تمّام سلام اليوم للمشاركة في قمّة منظمة التعاون الإسلامي، في ظلّ توجُّه لدى بعض الدول إلى إدراج فقرة في البيان الختامي تدين حزبَ الله. وفي لبنان، تقاسَم المشهد ملف المديرية العامة لأمن الدولة الذي أرجَأ مجلس الوزراء أمس البحث فيه إلى جلسة تُعقد الاثنين المقبل، على أن يكون البند الأوّل في جدول أعمالها. إضافةً إلى أمن المخيّمات الذي عاد إلى الواجهة بقوّة بعد اغتيال مسؤول حركة «فتح» فتحي زيدان في مخيّم الميّة وميّة، وذلك بتفجير سيارته في حيّ الأميركان في صيدا أثناء توجّهه إلى مخيّم عين الحلوة. وفي تطور بارز، يلبّي سفراء دول مجلس التعاون الخليجي غداً دعوةَ البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي إلى بكركي. وكشفَت مصادر البطريركية المارونية لـ«الجمهوريّة» أنّ «اللقاء يأتي في إطار اللقاءات الدوريّة التي ينظّمها الراعي مع سفراء الدول، فاللقاء السابق كان مع سفراء الدول الخمس الكبرى الدائمة العضوية في مجلس الأمن، وقد ارتأت البطريركيّة أن تقسّم اللقاءات ليتسنّى طرح معظم القضايا ومناقشتها».
وأكّدت المصادر أنّ «هذا اللقاء مهمّ جدّاً لأنّه يأتي بعد التوتّر الذي طبَع العلاقات اللبنانية - الخليجية»، مشيرةً إلى أنّ «البطريرك الراعي سيطرح أمام السفراء أوضاع اللبنانيين الموجودين في دول الخليج العربي والذين يكنّون كلّ احترام لها، وسيسأل عن مصيرهم وإلى أين ستتّجه الأمور، حيث يجب حمايتهم، لأن ليس لهم علاقة بالتوتّر السياسي».
وشدّدت المصادر على أنّ «الراعي سيطرح أيضاً التشنّج الذي وصلت إليه العلاقات بين الخليج عموماً والسعوديّة خصوصاً وبين بعض المكوّنات اللبنانية وتأثيرها على علاقة الدولة اللبنانية بها»، لافتةً إلى أنّ «الراعي سيشكر الدول الخليجية على ما قدّمته للبنان، معتبراً أنّ التوتّر الحالي ليس إلّا غيمة صيف عابرة لأنّ العلاقات معها كانت دائماً مميّزة، لذلك يجب معالجة الخلل سريعاً».
وأوضحت المصادر أنّ «الراعي سيناقش عدداً من المواضيع، وأبرزُها أزمة رئاسة الجمهورية وما يمكن القيام به لحلّها بمساعدة الدول الخليجية».
قمّة اسطنبول
من جهة ثانية، كشفَت مصادر ديبلوماسية تواكب التحضيرات الجارية لقمّة منظمة التعاون الإسلامي في اسطنبول لـ«الجمهورية» أنّ مشكلة أخرى ستواجه الوفد اللبناني الى القمّة تضاف الى ملف التعاطي مع «حزب الله» على أنّه «منظمة إرهابية»، وهي تتمثّل باقتراح تقدّمت به جمهورية أذربيجان يتّصل بموضوع استعادة إقليم ناغورني كاراباخ الأرمني الى الجمهورية الأذرية، سعياً إلى إدراجه توصية في البيان الختامي للقمّة، الأمر الذي شهد سلسلة من الاتّصالات في بيروت بعيداً من الأضواء.
وفي معلومات وردَت من اسطنبول أنّ القيادة التركية التي تستضيف المؤتمر تؤيّد التوجّه الأذري في المواجهة التي فتِحت بعد الأحداث الأخيرة على الحدود الأذرية مع الإقليم المتنازع عليه على طول الجبهات التي تمتد لعشرات الكيلومترات. وقالت مصادر مطّلعة إنّ قياديين من حزب الطاشناق في بيروت أجروا اتصالات على أكثر من مستوى سياسي وديبلوماسي لتدارُك الموقف.
وكشفَت المصادر أنّ الامين العام للحزب النائب آغوب بقرادونيان الذي زار رئيس الحكومة أثارَ معه الملف، فتعهّد سلام إجراء الاتّصالات اللازمة على مستوى القيادات المشاركة في القمّة لمنعِ تمرير مثلِ هذه التوصية، خصوصاً أنّه سيكون للبنان مناصرون في هذا الموقف بين رؤساء
الدول الإسلامية الذين سيشاركون في القمّة.
وفي انتظار المناقشات التي ستدور حول التوصية الأذرية ستبقى الأمور مرهونة بما يمكن ان تحمله الساعات المقبلة من مواقف، وإنّ لبنان سيعترض على هذه التوصية وسيسجّل رفضَه رسمياً لها شكلاً ومضموناً، أيّاً كانت حصيلة الاتصالات ما لم تؤدِّ إلى سحبِها نهائياً.
مجلس وزراء
على صعيد آخر أبقى مجلس الوزراء هذه المرّة على جمرِه تحت رماده، في محاولة لإعادة لملمة ما فضَحته مداولات الجلسة السابقة والوجود الدائم لقلوب مليانة خلف كلّ رمّانة على صورة ملفّ. فحاولَت الحكومة رأبَ صدع ما خلّفته جلسة الخميس الفائت لإعطاء رئيسِها قوّة دفعٍ يحملها معه الى قمّة اسطنبول ومعه على الأقل ورقة يحسِّن فيها صورةَ لبنان من بوّابة مطاره.
سلام
وعلمت «الجمهورية» أنّ الجلسة بدأت بأجواء مكمّلة لِما انتهت عليه الجلسة السابقة عند مناقشة بند المديرية العامة لأمن الدولة، لكن بحدّة أخفّ وتحت سقف مضبوط نسبياً.
واستهلّ رئيس الحكومة الجلسة بكلام انتقد فيه ما آلت إليه النقاشات الأخيرة واللغة الطائفية التي سادت، وقال: «لا يجوز أن نعطي الأجهزة الأمنية هوية طائفية، فالموظف هو موظف عند الدولة وليس عند الطائفة. إنّ الصراخ والطريقة التي تمّت فيها مناقشة هذا الملف في الجلسة السابقة غير مسموحة، وقد أعطينا صورةً سيئة للّبنانيين كحكومة، وأنا آمل في أن لا يتكرّر هذا الأمر».
فرعون
وردَّ وزير السياحة ميشال فرعون على سلام، قائلاً: «نحن لسنا طائفيين، والصورة التي نُقلت عنّا غير صحيحة، إنّما نحن أردنا أن نحصل على إيضاحات لأسئلة عن أسباب شلل هذا الجهاز منذ ثمانية أشهر».
درباس
فتدخّلَ وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس قائلاً: «نحن أيضاً لدينا أسئلة: لماذا أنتم الحريصون على المواضيع المسيحية لا تذهبون إلى مجلس النواب لانتخاب الرئيس وملءِ شغور الموقع المسيحي الأوّل؟».
اللواء :
بصرف النظر عمّا إذا كان هناك رابح أو خاسر على طاولة مجلس الوزراء أمس، فإن منطق الدولة كسب مرّة جديدة، وتمكنت الحكومة من تثبيت استمرارها، ولو في ظل «أزمة سياسية باردة»، عشية الذكرى 41 لاندلاع الحرب الأهلية في 13 نيسان 1975، وسط توق لا يختلف عليه اثنان من ان لا مكان لحرب جديدة على الأرض اللبنانية أو بين بعضهم البعض.
على ان انعدام الأرضية اللبنانية في تكرار الحرب لم يحل دون بقاء البلد تحت وطأة توترات في هذه البؤرة أو تلك، سواء في الجنوب أو الشمال أو البقاع، وسواء كان عبر اشتباكات حدودية أو داخل بعض المخيمات، أو عبر سيّارات مفخخة أو عبوات ناسفة، أو اغتيالات مخططة مسبقاً في دوائر لا تكتفي بتصفية الحسابات بل ترغب في إبقاء لبنان يعاني من الصراعات والاضطرابات خدمة لأغراض لا شأن لهذا البلد واهله به.
وهكذا، لم تنظر الأوساط السياسية لاغتيال المسؤول في حركة «فتح» في مخيم المية ومية فتحي زيدان في انفجار عبوة ناسفة كانت داخل سيارته في ساحة الاميركان مدخل مخيم عين الحلوة في صيدا، على انه حادث أمني معزول، معربة عن مخاوف جدية من ان يكون باكورة توترات واغتيالات واشتباكات بدءاً من الجنوب، وربما في أماكن أخرى، مما ينعكس سلباً على الاستحقاقات المنتظرة.
وكانت «اللواء» اشارت أمس إلى مخططات مشبوهة وضعت لتصفية أركان في السفارة الفلسطينية في لبنان، واستحوذت على اهتمام رسمي وأمني وحزبي في وقت دعت فيه منظمة التحرير الفلسطينية التي نعت زيدان إلى إضراب عام وحداد في صيدا اليوم.
مجلس الوزراء
ورفع هذا الحادث الخطير من حجم المسؤولية السياسية لسد الثغر الأمنية التي تحتاج إلى قرارات حاسمة من شأنها ان توفّر الحصانة والحماية، بعدما ايقنت السلطات انه لا بدّ من إجراءات قبل فوات الأوان، في ظل تقارير ومعلومات من مصادر متعددة ان ثمة مخططات مشبوهة للنيل من الاستقرار الامني والسياسي.
ومن هذه الوجهة بالذات، وضع مجلس الوزراء خارطة طريق للملفات الأمنية الخلافية، سواء في ما يتعلق بأمن مطار رفيق الحريري الدولي أو جهاز أمن الدولة.
فبالنسبة للموضوع الأوّل، وافق المجلس على التقرير الفني الذي اعدته لجنة وزارية وحددت بموجبه الحاجيات المتعلقة برفع مستوى الحماية الأمنية في المطار، بما لا يتعارض مع الاشغال التي تنفذ هناك، وتكليف وزارة الاشغال استدراج عروض وفق دفتر الشروط الذي اعدته اللجنة نفسها عبر إدارة المناقصات، وتقصير المهل إلى 15 يوماً، وفض العروض من خلال أعضاء في اللجنة، بما يعني ان معالجة الثغرات في المطار باتت على سكة التنفيذ، بما في ذلك الاعتمادات المالية.
في المقابل، حدّد الرئيس تمام سلام جلسة عند الرابعة من بعد ظهر يوم الاثنين المقبل في 18 الحالي لمجلس الوزراء، على ان يكون موضوع جهاز أمن الدولة كبند أوّل، وفقاً لما أعلنه وزير الإعلام رمزي جريج، بعد اذاعة مقررات الجلسة التي تضمنت بين قراراتها، طلب تجديد مفاعيل المرسوم الخاص لشركة «نايل سات» والترخيص لها باستقبال وإعادة البث التلفزيوني لمدة خمس سنوات، والموافقة على طلب الولايات المتحدة تمديد مهلة إنجاز تسيير بناء العقار رقم 1 في منطقة دير عوكر العقارية (بناء مبنى السفارة الاميركية).
وجاءت هذه القرارات على خلفية نقاشات متباينة، لكنها بقيت تحت السيطرة بقوة القانون وحزم رئيس الحكومة باعتبار سلطة مجلس الوزراء هي الصالحة لبت الخلافات، مع الإشارة إلى ان اتصالات ما قبل الجلسة تمكنت من تمرير هذه التسوية من دون أية ضجة أو زغل، بما يوفّر الفرصة المؤاتية للرئيس سلام للتوجه اليوم إلى اسطنبول بعيداً عن ضغط الانقسامات والخلافات.
وأشارت مصادر وزارية لـ«اللوء» إلى ان الجلسة استهلت بعد استهلالية الرئيس سلام بالدعوة إلى الإسراع بانتخاب رئيس الجمهورية، ببنود جدول الأعمال، وفق ما طلب سلام، لافتة إلى ان النقاشات كانت مقبولة وهادئة نسبياً لا سيما في ملف أمن المطار، في حين ان البحث في ملف جهاز أمن الدولة أظهر ان المواقف لا تزال على حالها, خصوصاً بالنسبة لربط صرف الاعتمادات لقوى الأمن الداخلي والأمن العام بجهاز أمن الدولة، في حين أن الرئيس سلام ومعه وزراء اعترضوا على هذا الربط،، معتبرين أن مجلس الوزراء يملك الصلاحية لمعالجة الخلاف الحاصل في هذا الجهاز بعد تعذّر حلّه في المجلس الأعلى للدفاع الذي يرأسه رئيس الجمهورية.
وكان لافتاً على هذا الصعيد المداخلة القانونية المطولة لوزير حزب الله حسين الحاج حسن الذي شدّد فيها على أن أي تعديل يخص هذا الجهاز يحتاج إلى قانون، مقترحاً تغيير المدير العام ونائبه إذا لم يتم الوصول إلى حل لهذه القضية، مشيراً إلى أن وزير المال لا يستطيع صرف الأموال لأن النفقات السرية والتدريب بحاجة إلى توقيع رئيس الحكومة ويعتبر الأمر مخالفاً للقانون إذا لم يوقعه.
لكن اللافت أيضاً أن الوزراء الذين تولوا الدفاع عن مدير الجهاز وهم الوزراء: ميشال فرعون وجبران باسيل والياس بو صعب وآلان حكيم لم يصدر عنهم أي جواب على مطالعة الحاج حسن.
أما في ملف أمن المطار، فأشارت المصادر الوزارية إلى أن أي اعتراضات حوله لم تبرز، وأن الاستفسارات تركزت حول كيفية العمل بالآلية بالتنسيق مع وزارة الأشغال التي أعلن وزيرها غازي زعيتر لـ«اللواء» أن الجميع راضٍ عن الآلية، وأن التمويل سيكون من بند الاحتياط، معلناً أنه وفقاً لقانون المحاسبة العمومية فإن الموضوع سيكون مناطاً بإدارة المناقصات، حيث أن الشركات المتخصصة ستتقدم وفق دفتر الشروط بأسعار على أن يرسو الأمر على الشركة التي تقدّمت بأسعار مقبولة.
وعلمت «اللواء» أن الوزير زعيتر أثار ما تداولته وسائل الإعلام حول أمن المطار، متمنياً أن يكون جزءاً من منظومة حماية المطار، موضحاً أن هناك موضوع «كاسر الموج» أي المدرج الغربي بحاجة إلى معالجة، لكن الوضع لا يزال يحتمل.
وأوضحت وزيرة شؤون المهجرين أليس شبطيني لـ«اللواء» أن ملف أمن المطار وضع على السكة، أما موضوع التمويل فقد يستدعي سعياً لإيجاد مصادر لذلك خصوصاً أن أعباءً كثيرة تتحملها مالية الدولة، ما قد يدفع بدخول الدول الأجنبية التي أبدت استعدادها للمساعدة على هذا الخط.
الحوار 27
وفي خطوة موازية تحظى بدعم عربي ودولي وإقليمي، ويتمسك بها الطرفان، عقد تيّار «المستقبل» و«حزب الله» مساء أمس في عين التينة جلسة حملت الرقم 27 من الحوار الدائر بينهما، في حضور وزير المال علي حسن خليل، وطاقم الحوار المؤلف من الوزير نهاد المشنوق والنائب سمير الجسر ومدير مكتب الرئيس سعد الحريري نادر الحريري عن «المستقبل»، والوزير حسين الحاج حسن والنائب حسن فضل الله والمعاون السياسي للأمين العام لحزب الله الحاج حسين الخليل عن «حزب الله».
وأشار البيان الذي صدر عن المجتمعين أنهم «استكملوا النقاش في القضايا الوطنية، وشددوا على تعزيز دور الدولة والأجهزة في متابعة ملفات الفساد ومكافحتها، وجرى التأكيد على أهمية انعقاد الجلسات التشريعية تحقيقاً للمصلحة الوطنية، وضرورة الوصول إلى تفاهمات في جلسات الحوار الوطني».
وعلمت «اللواء» أن الجلسة كانت هادئة، والمناقشات جرت بسلاسة، لكن الخلاف ما زال مستحكماً بين الطرفين حول موضوع انتخاب رئيس الجمهورية.
سياسياً، وفيما كان الرئيس نبيه برّي يُشدّد خلال لقائه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في ختام زيارته للقاهرة على أهمية التقارب بين إيران والمملكة العربية السعودية وانعكاسه الإيجابي على المنطقة بما في ذلك لبنان، وإنجار الاستحقاق الرئاسي مهما كلّف الأمر، واصفاً الحوار الدائر بأنه حماية للبنان، كان تكتل «التغيير والاصلاح» يصوّب سهامه على تيّار «المستقبل» لا لشيء إلا لأن رئيس التكتل النائب ميشال عون والمرشح للرئاسة الأولى لا يرى تفسيراً لعدم انتخابه سوى اعتبار أن الأفرقاء السياسيين «مأزومون في موضوع الاستحقاق الرئاسي لا سيما تيار المستقبل الذي تبدو علامات الإنهاك عليه وعلى قيادته»، في وقت كانت فيه كتلة «المستقبل» تجدد الدعوة لحزب الله وحليفه «التيار الوطني الحر» إلى «فك أسر الجمهورية والتوجه إلى مجلس النواب لانتخاب الرئيس من بين المرشحين وفقاً للدستور».
اغتيال زيدان
في هذا الوقت، بقيت جريمة اغتيال أمين سر حركة «فتح» في مخيم المية ومية العميد فتحي زيدان المعروف «بالزورو» وهو في العقد الخامس من عمره، في دائرة الرصد والمتابعة والاهتمامات لتداعياتها على الوضع الأمني في عاصمة الجنوب، وربما في أماكن أخرى، وذلك بانفجار عبوة ناسفة كانت مزورعة تحت مقعد السيّارة التي كان يقودها وهي من نوعBMW، ما أدى إلى استشهاده واحد المواطنين الذي صودف وجوده بالقرب من مكان الانفجار عند دوار الاميركان وجرح 4 مواطنين آخرين.
وكان زيدان قبل استشهاده قد شارك في اجتماع عقد في مقر «القوة الأمنية المشتركة» في مخيم المية ومية، حيث طالب بتعزيزها لمنع نقل الفتنة إلى المخيم، ثم استقل سيارته متوجهاً إلى مخيم عين الحلوة، وحين وصوله إلى الدوار المذكور دوى انفجار ضخم قرابة الثانية عشرة ظهراً، اعقبه سحابة دخانية سوداء للجهة الجنوبية، الشرقية لصيدا.
وتبين ان العبوة التي وضعت تحت مقعد السائق زيدان وبلغت زنتها كيلو غرام واحد من المواد شديدة الانفجار، ثم زرعها قبل ان يستقلها زيدان للمرة الأخيرة، ولم يعرف ما إذا العبوة موقوتة بتفجير بعد دقائق من إدارة محرك السيّارة، أو عبر التحكم عن بعد بواسطة ريموت كونترول.
الاخبار :
لولا آثار الحريق على الإسفلت، لا شيء يدل على وقوع الانفجار الذي أودى بحياة أمين سر حركة فتح في مخيم الميّة وميّة العقيد فتحي زيدان ظهر أمس، عند دوار الأميركان قرب عين الحلوة.
قبل حلول المساء، كان الجيش اللبناني قد أزال آثار الجريمة: أشلاؤه وسيارته المحترقة والأضرار التي تسبّب فيها الانفجار. أمام محل لبيع الإطارات قبالة نقطة المراقبة التابعة للجيش اللبناني ومساكن الضباط وثكنة محمد زغيب، دوى انفجار داخل سيارة «الزورو» التي كان يقودها بمفرده. قوة الانفجار أدت إلى نشوب حريق فيها وانحرافها نحو الرصيف. التحقيقات الأولية التي تولاها الجيش بالتنسيق مع لجنة تحقيق فلسطينية، أظهرت انفجار عبوة ناسفة في داخل السيارة بزنة كيلوغرام واحد من المواد المتفجرة، بحسب بيان قيادة الجيش. مصادر أمنية فلسطينية أشارت إلى أن آثار الانفجار على جسد زيدان تكشف أن العبوة ثبتت تحت مقعده وعصفها ضغط نحو الأعلى. أزيلت آثار التفجير من مسرح الجريمة، لكن الآثار الأمنية والسياسية ستظهر ليس في الميّة وميّة فحسب. اغتيال زيدان أعاد إلى الأذهان اغتيال اللواء الفتحاوي كمال مدحت عام 2009، وهو خارج أيضاً من الميّة وميّة، بعبوة استهدفت سيارته. فهل يمر اغتيال زيدان كما مرّ اغتيال مدحت؟
«إنها رسالة لحركة فتح عبر زيدان»، أجمعت القيادات الفلسطينية. لكن ممن؟ ومن هو المستفيد من الاغتيال؟ سؤال تعددت الإجابة عنه من القيادات الفلسطينية وسكان المخيمات الذين ألقوا التهم في كل الاتجاهات. هل هم المتشددون، من أنصار «داعش» أم غيرهم؟ أم هي الصراعات الداخلية بين الفصائل؟ أم أن إسرائيل قرّرت رفع منسوب التوتر في المخيمات، علماً بأن التحقيقات الأمنية والقضائية أثبتت ضلوع مجموعات من العملاء في محاولات اغتيال ناشطين داخل المخيمات؟ وهل اغتياله فور خروجه من مخيم الميّة وميّة يهدف إلى توجيه أصابع الاتهام نحو حركة «أنصار الله»، التنظيم الأقوى في المخيم المذكور؟ أصابع ارتفعت بالفعل، أمس، ما دفع بالمستشار الإعلامي في السفارة الفلسطينية في بيروت حسان ششنية إلى نفي صدور اتهام عن فتح لـ»أنصار الله». والاخيرة أصدرت بيان استنكار، أسوة بباقي الفصائل.
في المعلومات، شارك زيدان في اجتماع للقوة الأمنية في الميّة وميّة قبل أن يستقل سيارته ويتجه نحو عين الحلوة من دون اصطحاب مرافقه. حتى الآن، لم يتم الحسم أين ومتى وضعت العبوة في رحلته الأخيرة من بيته إلى مقر القوة حتى مغادرته حاجز الميّة وميّة. ولماذا استهداف زيدان بالذات؟ استعراض سيرته ومواقفه يطرح تساؤلاً عن الرسالة المراد إيصالها من وراء اغتيال أبو أحمد الزورو الذي قاتل الاحتلال الإسرائيلي في الناقورة وقلعة الشقيف وصيدا. كذلك فإنه من أكثر المسؤولين الفلسطينيين تعاوناً مع الاجهزة الأمنية الرسمية. مسؤول القوة الأمنية العليا اللواء منير المقدح نقل عن زيدان، في الاجتماع، دعوته إلى تنفيذ إجراءات لضبط الأمن في الميّة وميّة، فيما نقل مقرّبون منه إعرابه قبل يوم من اغتياله عن استيائه من الخطر الداهم على المخيمات، نتيجة تمدد مجموعات المتشددين، في ظل تقاعس الفصائل الفلسطينية عن ضبط الأمن. وكان لافتاً تصريح أمين سر فتح في صيدا ماهر شبايطة بأن اغتيال زيدان جاء لأنه صمام أمان في المية ومية.
عسكرياً، لم يتسبّب الاغتيال سوى في استنفار لمجموعته في الميّة وميّة وتوتر في منطقة صيدا حيث شلّت الحركة في الشوارع وأقفلت المدارس. سياسياً، عقدت القيادة السياسية للقوى الإسلامية والفصائل الفلسطينية اجتماعاً طارئاً وشكلت لجنة تحقيق في الحادث. أبو عرب أعلن مباشرة الاطلاع على كاميرات المراقبة والأشخاص الذين التقاهم زيدان والاتصالات التي قام بها قبيل اغتياله. وأكد أبو عرب أنه «لا نتخوف من توتير الوضع الأمني في المخيمات بعد اغتيال زيدان، وهؤلاء الجبناء وضعوا العبوة في سيارة الشهيد زيدان الذي ليس له أعداء، وكان له دور فاعل ومهم في حل أي مشاكل، وكان موضع احترام من قبل الجميع». منظمة التحرير الفلسطينية دعت إلى إضراب عام في المخيمات اليوم، بالتزامن مع تشييع زيدان في الميّة وميّة.