لولا آثار الحريق على الإسفلت، لا شيء يدل على وقوع الانفجار الذي أودى بحياة أمين سر حركة فتح في مخيم الميّة وميّة العقيد فتحي زيدان ظهر أمس، عند دوار الأميركان قرب عين الحلوة.

قبل حلول المساء، كان الجيش اللبناني قد أزال آثار الجريمة: أشلاؤه وسيارته المحترقة والأضرار التي تسبّب فيها الانفجار. أمام محل لبيع الإطارات قبالة نقطة المراقبة التابعة للجيش اللبناني ومساكن الضباط وثكنة محمد زغيب، دوى انفجار داخل سيارة «الزورو» التي كان يقودها بمفرده. قوة الانفجار أدت إلى نشوب حريق فيها وانحرافها نحو الرصيف. التحقيقات الأولية التي تولاها الجيش بالتنسيق مع لجنة تحقيق فلسطينية، أظهرت انفجار عبوة ناسفة في داخل السيارة بزنة كيلوغرام واحد من المواد المتفجرة، بحسب بيان قيادة الجيش. مصادر أمنية فلسطينية أشارت إلى أن آثار الانفجار على جسد زيدان تكشف أن العبوة ثبتت تحت مقعده وعصفها ضغط نحو الأعلى. أزيلت آثار التفجير من مسرح الجريمة، لكن الآثار الأمنية والسياسية ستظهر ليس في الميّة وميّة فحسب. اغتيال زيدان أعاد إلى الأذهان اغتيال اللواء الفتحاوي كمال مدحت عام 2009، وهو خارج أيضاً من الميّة وميّة، بعبوة استهدفت سيارته. فهل يمر اغتيال زيدان كما مرّ اغتيال مدحت؟


زيدان معروف بأنه من أكثر المسؤولين الفتحاويين تعاوناً مع الأجهزة الأمنية اللبنانية

 

 

«إنها رسالة لحركة فتح عبر زيدان»، أجمعت القيادات الفلسطينية. لكن ممن؟ ومن هو المستفيد من الاغتيال؟ سؤال تعددت الإجابة عنه من القيادات الفلسطينية وسكان المخيمات الذين ألقوا التهم في كل الاتجاهات. هل هم المتشددون، من أنصار «داعش» أم غيرهم؟ أم هي الصراعات الداخلية بين الفصائل؟ أم أن إسرائيل قرّرت رفع منسوب التوتر في المخيمات، علماً بأن التحقيقات الأمنية والقضائية أثبتت ضلوع مجموعات من العملاء في محاولات اغتيال ناشطين داخل المخيمات؟ وهل اغتياله فور خروجه من مخيم الميّة وميّة يهدف إلى توجيه أصابع الاتهام نحو حركة «أنصار الله»، التنظيم الأقوى في المخيم المذكور؟ أصابع ارتفعت بالفعل، أمس، ما دفع بالمستشار الإعلامي في السفارة الفلسطينية في بيروت حسان ششنية إلى نفي صدور اتهام عن فتح لـ»أنصار الله». والاخيرة أصدرت بيان استنكار، أسوة بباقي الفصائل.
في المعلومات، شارك زيدان في اجتماع للقوة الأمنية في الميّة وميّة قبل أن يستقل سيارته ويتجه نحو عين الحلوة من دون اصطحاب مرافقه. حتى الآن، لم يتم الحسم أين ومتى وضعت العبوة في رحلته الأخيرة من بيته إلى مقر القوة حتى مغادرته حاجز الميّة وميّة. ولماذا استهداف زيدان بالذات؟ استعراض سيرته ومواقفه يطرح تساؤلاً عن الرسالة المراد إيصالها من وراء اغتيال أبو أحمد الزورو الذي قاتل الاحتلال الإسرائيلي في الناقورة وقلعة الشقيف وصيدا. كذلك فإنه من أكثر المسؤولين الفلسطينيين تعاوناً مع الاجهزة الأمنية الرسمية. مسؤول القوة الأمنية العليا اللواء منير المقدح نقل عن زيدان، في الاجتماع، دعوته إلى تنفيذ إجراءات لضبط الأمن في الميّة وميّة، فيما نقل مقرّبون منه إعرابه قبل يوم من اغتياله عن استيائه من الخطر الداهم على المخيمات، نتيجة تمدد مجموعات المتشددين، في ظل تقاعس الفصائل الفلسطينية عن ضبط الأمن. وكان لافتاً تصريح أمين سر فتح في صيدا ماهر شبايطة بأن اغتيال زيدان جاء لأنه صمام أمان في المية ومية.
عسكرياً، لم يتسبّب الاغتيال سوى في استنفار لمجموعته في الميّة وميّة وتوتر في منطقة صيدا حيث شلّت الحركة في الشوارع وأقفلت المدارس. سياسياً، عقدت القيادة السياسية للقوى الإسلامية والفصائل الفلسطينية اجتماعاً طارئاً وشكلت لجنة تحقيق في الحادث. أبو عرب أعلن مباشرة الاطلاع على كاميرات المراقبة والأشخاص الذين التقاهم زيدان والاتصالات التي قام بها قبيل اغتياله. وأكد أبو عرب أنه «لا نتخوف من توتير الوضع الأمني في المخيمات بعد اغتيال زيدان، وهؤلاء الجبناء وضعوا العبوة في سيارة الشهيد زيدان الذي ليس له أعداء، وكان له دور فاعل ومهم في حل أي مشاكل، وكان موضع احترام من قبل الجميع». منظمة التحرير الفلسطينية دعت إلى إضراب عام في المخيمات اليوم، بالتزامن مع تشييع زيدان في الميّة وميّة.
الفصائل، من حماس إلى أنصار الله والجهاد الإسلامي، أصدرت بيانات استنكار. لكن لا ضمانة بأن تصل التحقيقات إلى نتيجة، إذ من المحتمل أن تنضم الجريمة إلى سابقاتها، كاغتيال مدحت والعميد جميل زيدان والعنصر في قوات الأمن الوطني حسين عثمان في عين الحلوة وغيرهم الكثير.