بصرف النظر عمّا إذا كان هناك رابح أو خاسر على طاولة مجلس الوزراء أمس، فإن منطق الدولة كسب مرّة جديدة، وتمكنت الحكومة من تثبيت استمرارها، ولو في ظل «أزمة سياسية باردة»، عشية الذكرى 41 لاندلاع الحرب الأهلية في 13 نيسان 1975، وسط توق لا يختلف عليه اثنان من ان لا مكان لحرب جديدة على الأرض اللبنانية أو بين بعضهم البعض.
على ان انعدام الأرضية اللبنانية في تكرار الحرب لم يحل دون بقاء البلد تحت وطأة توترات في هذه البؤرة أو تلك، سواء في الجنوب أو الشمال أو البقاع، وسواء كان عبر اشتباكات حدودية أو داخل بعض المخيمات، أو عبر سيّارات مفخخة أو عبوات ناسفة، أو اغتيالات مخططة مسبقاً في دوائر لا تكتفي بتصفية الحسابات بل ترغب في إبقاء لبنان يعاني من الصراعات والاضطرابات خدمة لأغراض لا شأن لهذا البلد واهله به.
وهكذا، لم تنظر الأوساط السياسية لاغتيال المسؤول في حركة «فتح» في مخيم المية ومية فتحي زيدان في انفجار عبوة ناسفة كانت داخل سيارته في ساحة الاميركان مدخل مخيم عين الحلوة في صيدا، على انه حادث أمني معزول، معربة عن مخاوف جدية من ان يكون باكورة توترات واغتيالات واشتباكات بدءاً من الجنوب، وربما في أماكن أخرى، مما ينعكس سلباً على الاستحقاقات المنتظرة.
وكانت «اللواء» اشارت أمس إلى مخططات مشبوهة وضعت لتصفية أركان في السفارة الفلسطينية في لبنان، واستحوذت على اهتمام رسمي وأمني وحزبي في وقت دعت فيه منظمة التحرير الفلسطينية التي نعت زيدان إلى إضراب عام وحداد في صيدا اليوم.
مجلس الوزراء
ورفع هذا الحادث الخطير من حجم المسؤولية السياسية لسد الثغر الأمنية التي تحتاج إلى قرارات حاسمة من شأنها ان توفّر الحصانة والحماية، بعدما ايقنت السلطات انه لا بدّ من إجراءات قبل فوات الأوان، في ظل تقارير ومعلومات من مصادر متعددة ان ثمة مخططات مشبوهة للنيل من الاستقرار الامني والسياسي.
ومن هذه الوجهة بالذات، وضع مجلس الوزراء خارطة طريق للملفات الأمنية الخلافية، سواء في ما يتعلق بأمن مطار رفيق الحريري الدولي أو جهاز أمن الدولة.
فبالنسبة للموضوع الأوّل، وافق المجلس على التقرير الفني الذي اعدته لجنة وزارية وحددت بموجبه الحاجيات المتعلقة برفع مستوى الحماية الأمنية في المطار، بما لا يتعارض مع الاشغال التي تنفذ هناك، وتكليف وزارة الاشغال استدراج عروض وفق دفتر الشروط الذي اعدته اللجنة نفسها عبر إدارة المناقصات، وتقصير المهل إلى 15 يوماً، وفض العروض من خلال أعضاء في اللجنة، بما يعني ان معالجة الثغرات في المطار باتت على سكة التنفيذ، بما في ذلك الاعتمادات المالية.
في المقابل، حدّد الرئيس تمام سلام جلسة عند الرابعة من بعد ظهر يوم الاثنين المقبل في 18 الحالي لمجلس الوزراء، على ان يكون موضوع جهاز أمن الدولة كبند أوّل، وفقاً لما أعلنه وزير الإعلام رمزي جريج، بعد اذاعة مقررات الجلسة التي تضمنت بين قراراتها، طلب تجديد مفاعيل المرسوم الخاص لشركة «نايل سات» والترخيص لها باستقبال وإعادة البث التلفزيوني لمدة خمس سنوات، والموافقة على طلب الولايات المتحدة تمديد مهلة إنجاز تسيير بناء العقار رقم 1 في منطقة دير عوكر العقارية (بناء مبنى السفارة الاميركية).
وجاءت هذه القرارات على خلفية نقاشات متباينة، لكنها بقيت تحت السيطرة بقوة القانون وحزم رئيس الحكومة باعتبار سلطة مجلس الوزراء هي الصالحة لبت الخلافات، مع الإشارة إلى ان اتصالات ما قبل الجلسة تمكنت من تمرير هذه التسوية من دون أية ضجة أو زغل، بما يوفّر الفرصة المؤاتية للرئيس سلام للتوجه اليوم إلى اسطنبول بعيداً عن ضغط الانقسامات والخلافات.
وأشارت مصادر وزارية لـ«اللوء» إلى ان الجلسة استهلت بعد استهلالية الرئيس سلام بالدعوة إلى الإسراع بانتخاب رئيس الجمهورية، ببنود جدول الأعمال، وفق ما طلب سلام، لافتة إلى ان النقاشات كانت مقبولة وهادئة نسبياً لا سيما في ملف أمن المطار، في حين ان البحث في ملف جهاز أمن الدولة أظهر ان المواقف لا تزال على حالها, خصوصاً بالنسبة لربط صرف الاعتمادات لقوى الأمن الداخلي والأمن العام بجهاز أمن الدولة، في حين أن الرئيس سلام ومعه وزراء اعترضوا على هذا الربط،، معتبرين أن مجلس الوزراء يملك الصلاحية لمعالجة الخلاف الحاصل في هذا الجهاز بعد تعذّر حلّه في المجلس الأعلى للدفاع الذي يرأسه رئيس الجمهورية.
وكان لافتاً على هذا الصعيد المداخلة القانونية المطولة لوزير حزب الله حسين الحاج حسن الذي شدّد فيها على أن أي تعديل يخص هذا الجهاز يحتاج إلى قانون، مقترحاً تغيير المدير العام ونائبه إذا لم يتم الوصول إلى حل لهذه القضية، مشيراً إلى أن وزير المال لا يستطيع صرف الأموال لأن النفقات السرية والتدريب بحاجة إلى توقيع رئيس الحكومة ويعتبر الأمر مخالفاً للقانون إذا لم يوقعه.
لكن اللافت أيضاً أن الوزراء الذين تولوا الدفاع عن مدير الجهاز وهم الوزراء: ميشال فرعون وجبران باسيل والياس بو صعب وآلان حكيم لم يصدر عنهم أي جواب على مطالعة الحاج حسن.
أما في ملف أمن المطار، فأشارت المصادر الوزارية إلى أن أي اعتراضات حوله لم تبرز، وأن الاستفسارات تركزت حول كيفية العمل بالآلية بالتنسيق مع وزارة الأشغال التي أعلن وزيرها غازي زعيتر لـ«اللواء» أن الجميع راضٍ عن الآلية، وأن التمويل سيكون من بند الاحتياط، معلناً أنه وفقاً لقانون المحاسبة العمومية فإن الموضوع سيكون مناطاً بإدارة المناقصات، حيث أن الشركات المتخصصة ستتقدم وفق دفتر الشروط بأسعار على أن يرسو الأمر على الشركة التي تقدّمت بأسعار مقبولة.
وعلمت «اللواء» أن الوزير زعيتر أثار ما تداولته وسائل الإعلام حول أمن المطار، متمنياً أن يكون جزءاً من منظومة حماية المطار، موضحاً أن هناك موضوع «كاسر الموج» أي المدرج الغربي بحاجة إلى معالجة، لكن الوضع لا يزال يحتمل.
وأوضحت وزيرة شؤون المهجرين أليس شبطيني لـ«اللواء» أن ملف أمن المطار وضع على السكة، أما موضوع التمويل فقد يستدعي سعياً لإيجاد مصادر لذلك خصوصاً أن أعباءً كثيرة تتحملها مالية الدولة، ما قد يدفع بدخول الدول الأجنبية التي أبدت استعدادها للمساعدة على هذا الخط.
الحوار 27
وفي خطوة موازية تحظى بدعم عربي ودولي وإقليمي، ويتمسك بها الطرفان، عقد تيّار «المستقبل» و«حزب الله» مساء أمس في عين التينة جلسة حملت الرقم 27 من الحوار الدائر بينهما، في حضور وزير المال علي حسن خليل، وطاقم الحوار المؤلف من الوزير نهاد المشنوق والنائب سمير الجسر ومدير مكتب الرئيس سعد الحريري نادر الحريري عن «المستقبل»، والوزير حسين الحاج حسن والنائب حسن فضل الله والمعاون السياسي للأمين العام لحزب الله الحاج حسين الخليل عن «حزب الله».
وأشار البيان الذي صدر عن المجتمعين أنهم «استكملوا النقاش في القضايا الوطنية، وشددوا على تعزيز دور الدولة والأجهزة في متابعة ملفات الفساد ومكافحتها، وجرى التأكيد على أهمية انعقاد الجلسات التشريعية تحقيقاً للمصلحة الوطنية، وضرورة الوصول إلى تفاهمات في جلسات الحوار الوطني».
وعلمت «اللواء» أن الجلسة كانت هادئة، والمناقشات جرت بسلاسة، لكن الخلاف ما زال مستحكماً بين الطرفين حول موضوع انتخاب رئيس الجمهورية.
سياسياً، وفيما كان الرئيس نبيه برّي يُشدّد خلال لقائه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في ختام زيارته للقاهرة على أهمية التقارب بين إيران والمملكة العربية السعودية وانعكاسه الإيجابي على المنطقة بما في ذلك لبنان، وإنجار الاستحقاق الرئاسي مهما كلّف الأمر، واصفاً الحوار الدائر بأنه حماية للبنان، كان تكتل «التغيير والاصلاح» يصوّب سهامه على تيّار «المستقبل» لا لشيء إلا لأن رئيس التكتل النائب ميشال عون والمرشح للرئاسة الأولى لا يرى تفسيراً لعدم انتخابه سوى اعتبار أن الأفرقاء السياسيين «مأزومون في موضوع الاستحقاق الرئاسي لا سيما تيار المستقبل الذي تبدو علامات الإنهاك عليه وعلى قيادته»، في وقت كانت فيه كتلة «المستقبل» تجدد الدعوة لحزب الله وحليفه «التيار الوطني الحر» إلى «فك أسر الجمهورية والتوجه إلى مجلس النواب لانتخاب الرئيس من بين المرشحين وفقاً للدستور».
اغتيال زيدان
في هذا الوقت، بقيت جريمة اغتيال أمين سر حركة «فتح» في مخيم المية ومية العميد فتحي زيدان المعروف «بالزورو» وهو في العقد الخامس من عمره، في دائرة الرصد والمتابعة والاهتمامات لتداعياتها على الوضع الأمني في عاصمة الجنوب، وربما في أماكن أخرى، وذلك بانفجار عبوة ناسفة كانت مزورعة تحت مقعد السيّارة التي كان يقودها وهي من نوع BMW، ما أدى إلى استشهاده واحد المواطنين الذي صودف وجوده بالقرب من مكان الانفجار عند دوار الاميركان وجرح 4 مواطنين آخرين.
وكان زيدان قبل استشهاده قد شارك في اجتماع عقد في مقر «القوة الأمنية المشتركة» في مخيم المية ومية، حيث طالب بتعزيزها لمنع نقل الفتنة إلى المخيم، ثم استقل سيارته متوجهاً إلى مخيم عين الحلوة، وحين وصوله إلى الدوار المذكور دوى انفجار ضخم قرابة الثانية عشرة ظهراً، اعقبه سحابة دخانية سوداء للجهة الجنوبية، الشرقية لصيدا.
وتبين ان العبوة التي وضعت تحت مقعد السائق زيدان وبلغت زنتها كيلو غرام واحد من المواد شديدة الانفجار، ثم زرعها قبل ان يستقلها زيدان للمرة الأخيرة، ولم يعرف ما إذا العبوة موقوتة بتفجير بعد دقائق من إدارة محرك السيّارة، أو عبر التحكم عن بعد بواسطة ريموت كونترول.
وفور شيوع خبر الانفجار، نشطت الاتصالات اللبنانية - الفلسطينية، وتولّى مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر متابعة القضية، وكلف المحامي العام العسكري القاضي هاني الحجار متابعة التحقيق، كما تابعه النائب العام الاستئنافي في الجنوب القاضي رهيف رمضان ورئيس فرع مخابرات الجيش اللبناني في الجنوب العميد الركن خضر حمود وقيادات أمنية وسياسية في المدينة، وأيضاً قيادات فلسطينية.
ولدى إبلاغ وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق بالانفجار غادر جلسة مجلس الوزراء التي كان يحضرها لمتابعة تفاصيل هذه الجريمة.
وشكلت «قوّات الأمن الوطني الفلسطيني» لجنة تحقيق لمعرفة ملابسات ما جرى، وظروف الانفجار.
وفي مخيّم المية ومية عمّت حالة من الغضب أرجاء المخيّم، استنكاراً وشجباً لجريمة اغتيال أمين سر الحركة في المخيم وابنه.
وقد صدرت جملة من المواقف والتصريحات المدينة والشاجبة والمستنكرة للجريمة، والداعية إلى سرعة التحقيق وكشف المخطّطين والمنفّذين.