قيل وكتب عن العلاقة المتينة التي تجمع حزب الله والمحكمة العسكرية الكثير، ووصل الأمر إلى اعتبار أنّ هذه المحكمة إنّما تعمل وتصدر أحكام غب الطلب بناءً على توجيهات الحزب وبأنّها ما هي إلاّ أداة " قانونية " يستعملها كسيف مسلط على أعناق خصومه وفوق رقاب معارضيه الأقربين والأبعدين، من يتحسسوا رقابهم ومن لا يتحسسونها على حد سواء.
لا شكّ أنّ قضية الوزير السابق ومستشار الرئيس السوري بشار الأسد الإرهابي ميشال سماحة كادت أن تسدد لهذه المحكمة الضربة القاضية بالخصوص بعد قرار الإفراج عنه والإكتفاء بمدة حكم لا تتجاوز الأربع سنوات ونصف السنة على جريمة موصوفة كادت تودي بكامل البلد ومن فيه، جريمة موثقة بالأدلة والإعترافات وبالصوت والصورة.
قرار المحكمة هذا والذي أحدث عاصفة استنكارية بالبلد ووصلت أصداؤها إلى خارج الحدود ممّا زاد من سمعة القضاء اللبناني المهترئ أصلاً تهمة جديدة تضاف إلى التدخلات السياسية هي سيطرة حزب الله بالكامل على هذه المحكمة، وبالتالي كان لهذا الإتهام هذه المرة وقع ثقيل على كامل البلد عندما اتخذه وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في معرض استدلاله على وضع اليد وهيمنة حزب الله على كامل مفاصل المؤسسات الرسمية والقضائية ومنها الجيش اللبناني الذي تعتبر المحكمة العسكرية إحدى فروعه.
وفي السياق عينه جاءت استقالة وزير العدل أشرف ريفي على إثر حكم الإفراج عن المجرم سماحة كدليل إضافي عن تفلت أعمال المحكمة المذكورة عن أيّ وصاية قانونية، مما حدا بالوزير ريفي للذهاب بعيدًا عبر رفع شعار المطالبة بحلّ المحكمة والغائها أوعلى الاقل الحدّ من الدور المعطى لها وحصره بالأمور المتعلقة بالشؤون والأجهزة العسكرية وهي وظيفتها الأصلية بإعتبارها محكمة استثنائية أنشئت في ظروف استثنائية ولمهمات محدودة لا تتعدى النظر في الجرائم والمخالفات التي يرتكبها عناصر السلك العسكري ليس إلاّ، هذا قبل توسيع صلاحياتها، حين أسندت إليها مهام ملاحقة قضايا الإرهاب والتجسس والأعمال العسكرية سواء كان مرتكبوها مدنيين أو عسكريين، كما أضيفت إلى دورها مسائل فضفاضة جداً تحمل الكثير من التأويلات منها: «النيل من سلطة الدولة وهيبتها، تعكير صلات لبنان بالدول الشقيقة والصديقة، إثارة الفوضى والحض على النظام والإقتتال بين أفراد الأمة، الإساءة الى مؤسسات الدولة الرسمية والعسكرية وغيرها من الجرائم التي لا تنتهي».!
وبالعودة الى حكم المجرم سماحة الذي هللّ له معظم اللبنانيون، حتى أنّ الحكم نفسه صار محل جدل ومزايادات سياسية بين أقطاب فريق 14 اذار، ومادة تجاذب بين ريفي من جهة وبين سعد الحريري وتياره من جهة أخرى بإعتبار أنّ كل طرف يريد أن ينسب الفضل إلى نفسه.
وعلى المقلب الآخر أيضًا فقد تحوّل هذا الحكم إلى منصة سياسية ولو بشكل غير رسمي داخل فريق حزب الله، عبر نفي الإتهامات السابقة عنه، والقول بشكل عملي هذه المرة بأنّ مقولة خضوع المحكمة العسكرية لهيمنة حزب الله هو محض افتراء لا يمت للحقيقة بأيّ صلة، والبرهان الساطع هذه المرة هو عودة المجرم الى السجن من جديد.
وعلى كلا التقديرات، فإنّ الحكم الجديد على المجرم سماحة وبعيدًا عن حيثياته وقانونيته وأحقيته، فإنّ القول أنّه كان نتيجة ضغوطات شعبية أو سياسية ومن أيّ جهة كانت، فإنّه إنّما هو دليل إضافي على تسييس هذه المحكمة وليس تبرأتها، ممّا يفتح الباب مجددًا لتثبيت التهمة الأولى والعودة مرة أخرى إلى المربع الأوّل عبر ادعاء البعض بأنّ حزب الله هو من سمح باستصدار هذا الحكم المشدد نوعًا ما على حليفهم سماحة والتخلي عنه والتضحية به بعد " احتراقه " سياسيًا وأمنيًا، ليس بخلفية تحقيق العادلة، وإنّما كرد على المشككين وأولهم عادل الجبير بالخصوص، والهدف الأساسي من وراء السماح بإدانة المجرم سماحة إنّما هو حماية المحكمة واستمرارها ليس الا .