أنهى الملك سلمان الأحد زيارته التاريخية لمصر، بالوصول مباشرة الاثنين الى تركيا في زيارة لا تخرج عن المسار الذي إختاره فور تسلمه السلطة، وهو إرساء إستراتيجية عربية إسلامية قوية تواجه التحديات المتعاظمة التي تستهدف المنطقة من الداخل والخارج على السواء.
في كلمته أمام مجلس النواب المصري حدد خادم الحرمين الشريفين هدف الجهود والمهمات، التي يتعيّن على مصر والسعودية ان تعملا على إنجازها بأمرين:
- أولاً مكافحة التطرف ومحاربة الإرهاب، وربط هذا برؤية شمولية بقوله إن السعودية أدركت ضرورة توحيد الرؤى والمواقف لإيجاد حلول لهذه الظاهرة، فتمّ تشكيل التحالف الإسلامي العسكري، الذي دشّن وجوده بمناورات "رعد الشمال" وهي الكبرى في تاريخ المنطقة وذلك كترجمة ميدانية تؤكد التبني العربي والإسلامي للخط السعودي، الذي مضى باكراً وبعيداً في حربه على الإرهاب ومختطفي الإسلام مشوهي صورته في العالم.
- ثانياً المضي قدماً في إنشاء القوة العربية المشتركة التي سبق لمصر ان إقترحتها والتي تشكل ضرورة لمواجهة التحديات الإقليمية وخصوصاً الإيرانية التي تمادت في التدخلات ضد دول المنطقة، وكذلك ضرورة ضبط التوازنات في وجه التبدلات الجيوسياسية الكبيرة الناجمة عن الشطرنج السياسي المتحرك لروسيا وأميركا في المنطقة وتحديداً من سوريا والعراق وبعد الإتفاق النووي مع ايران.
لقد كُتب الكثير عن الأبعاد الإقتصادية والتنموية الهائلة التي ستنتج من الزيارة المفترق لمصر، وخصوصاً إنشاء "جسر الملك سلمان" بين السعودية ومصر، الذي تتجاوز أهميته الإستراتيجية لجهة التكامل بين أقوى دولتين عربيتين الناحية الإقتصادية الى الفاعلية الإقليمية والقوة الحامية والمرجحة للمصلحة العربية.
لهذا لم يكن مفاجئاً ان تعلن اسرائيل فوراً ان انشاءه يمثّل تهديداً إستراتيجياً لها، لأنه يعرّض حرية الملاحة عندها، معتبرة اقفال مضيق ثيران سبباً مباشراً للحرب، وهذه حجة سخيفة لأن المشروع يلحظ إنشاء نفق بحري سيربط سيناء بثيران كجزء من الجسر، وبهدف عدم التأثير على حركة الملاحة، ما يعني عملياً ان اسرائيل لا تخاف الجسر البحري بين مصر والسعودية بل تخاف الجسر الإستراتيجي والسياسي بينهما الذي سيصب في قوة العرب.
مع وصول سلمان الى تركيا ليس كثيراً القول إن عواصف حزمه تهب مراراً، فقد هبّت في اليمن عسكرياً دعماً للشرعية العائدة الى صنعاء على حطام التدخلات الإيرانية، وهبّت ثانية عبر تشكيل التحالف الإسلامي الذي سيواجه الإرهاب ومستثمريه المعروفين جيداً في سوريا والعراق، وهبّت ثالثاً في زيارته التاريخية لمصر، وهي تهب رابعاً في زيارته لتركيا ليس فقط لتنشيط عملية تشكيل "المجلس الإستراتيجي المشترك" الذي إتُّفق عليه خلال زيارة رحب طيب اردوغان للرياض في ٢٨ كانون الاول الماضي، بل لمحاولة تأسيس قاعدة ثالثة تربط الجسر السعودي المصري بتركيا.