كان ياما كان، في زمان ياسر عرفات، المقاومة الفلسطينية، أي مقاومة وطنية فلسطينية للصهاينة المحتلين أرض فلسطين. وبدل أن نتقدّم إلى الأمام، وُلدت عندنا مقاومة إسلامية، إسمها الحركي :حماس، فعدنا خطوات إلى الوراء، وسالت بين المقاومتين دماءٌ غالية، وتشرذمت القضية وما زالت.
وعندنا في لبنان كانت مقاومة وطنية، وكانت تعاني من مئة علّة وعلّة، وكان القيمون عليها يعرفون ذلك ويعترفون به، فأصبح عندنا مقاومة إسلامية مقدسة، لا يجرؤ أحدٌ أن يمُسّها بحرف حتى يوصم بالخيانة والصهينة، وكان عندنا ثورة سورية شريفة وسلمية، هدفها تصحيح مسار نظام استبدادي، والانتقال بسوريا إلى الديمقراطية والحداثة والتنمية، والخلاص من القمع والتخلّف، ونشر أكاذيب المقاومة والممانعة، فأصبح عندنا مقاومات لا نعرف أصلها وفصلها، ولا نعرف من يُقاتل النظام، ومن يقاتل معه، وتتقاتل مع بعضها أكثر مما تقاتل النظام، وأخرجت فصائلها الأصولية كداعش والنصرة كل ما عندها من مخازٍ ومجازر وتطرّف ورجعية وتخلّف.
أمّا في العراق، فالحابل مختلط بالنابل،والتحالف الدولي بطائراته لم يقض على داعش حتى الآن، والإيرانيون لا عبون أساسيون، والأتراك أيضاً.
وفي مصر، يخوض الإخوان المسلمون حربا ضروسا ضد الدولة والنظام، بصورة غير شرعية لإعادة شرعيتهم المفقودة، وبدل أن يكونوا إخواناً مسلمين وادعين، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، إذ بهم يرتكبون شرّ الكبائر من قتلٍ واغتيال وتفجير وتخريب لمؤسسات الدولة واقتصادها، وفي اليمن كان هناك ثورة سلمية للخلاص من حكم استبدادي، فانتهى الأمر بعودة الرئيس اليمني المخلوع، علي عبد الله صالح للتحالف مع الحوثيين المدعومين من إيران.
وليبيا تعاني من خلافات ذات طابع سُلطوي، وزاد الوضع مأساوية دخول داعش إلى حلبة الصراع. مشهد قاتم حتى الآن للعالم العربي. حروب وخراب ومؤامرات، وتدخلات إقليمية ودولية، بانتظار تظهير الخرائط الجديدة من جعبة "كيري-لافروف".
لا توجد في العالم العربي سوى واحة واحدة ما زالت بمنأى عن الصراعات، إنّها عُمان، حيث الإباضيون يحكمون هذه السلطنة، خلفاء خوارج الأمة ، الذين كانوا يوصمون بالتطرف والعنف، فإذا بهم اليوم أهلُ اعتدالٍ ووئام، وأهل دعوة لحقن الدماء، وإصلاح ذات البين، فضلا عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.