لم يسبق للبنان منذ استقلاله وإلى اليوم أن شهد طبقة سياسية حاكمة بهذا المستوى من الانحطاط الأخلاقي والفساد حتى أيام الحرب الأهلية والاكثرها ضراوة كان هناك حد أدنى من المقاييس التي تؤخذ بعين الإعتبار للحفاظ على مؤسساته الدستورية كي تمارس نشاطها ولو بالشكل إذا لم يكن بالمضمون أيضا.
فانعدام الشعور بالمواطنة والتلطي وراء الطائفية والمذهبية والتركيز على المصالح الخاصة والعبث بمقدرات البلد. والرهان على مشاريع إقليمية والاستقواء بالخارج، كلها وسائل اعتمدتها الطبقة السياسية للإمساك بزمام السلطة والهيمنة على رقاب الناس والسير بالبلد نحو هذا المنزلق الانحداري.
مما جعل منه بلدا فاشلا بكل المقاييس وعلى كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وقد أدى ذلك إلى هذا الانهيار الكبير والاهتراء في مؤسسات الدولة الأمر الذي جعلها عاجزة عن إتخاذ القرارات الهامة وتنفيذها وبالتالي عاجزة عن بسط سيادتها الفعلية على كافة أراضيها حيث برزت بؤر أمنية خارجة عن سلطة الدولة وخاضعة لقوى الأمر الواقع وقاصرة عن توفير الحد الأدنى من الأمن في الكثير من المناطق، فراجت عمليات الخطف وطلب الفدية لقاء ترك الضحايا.
ونشط بعض الاشخاص المحسوبين على جهات حزبية وسياسية في تشكيل عصابات ومافيات للمتاجرة بلقمة عيش المواطن وحبة الدواء واستغلال الفقر لامتهان الأعراض والكرامات، وقد ظهر ذلك جليا من خلال مسلسل الفضائح المالية والأخلاقية والخدماتية التي عصفت بالبلد، حيث بدت الدولة عاجزة عن الإمساك بزمام المبادرة التي صادرها عمليا حزب الله الذي يمسك بالمفاصل الأساسية لهذه الدولة ويتحكم بالقرارات المصيرية فيه دون ان تتمكن باقي القوى السياسية الأخرى من الوقوف بوجه إما لعجزها او لانغماسها في الفساد.
فمنذ الإنسحاب الإسرائيلي من الجنوب اللبناني في العام 2000 والذي اتخذه حزب الله وسيلة للإعلان عن انتصاراته الإلهية والترويج لها فإن الحزب ينفرد بحق إتخاذ قراري الحرب والسلم دون الإهتمام بالمصالح الوطنية ولا بإجماع اللبنانيين الذين يدفعون ثمن مغامراته ضد إسرائيل من أرواحهم وارزاقهم واستقرارهم. وإلى جانب الإمساك بقرار الحرب ضد إسرائيل تحت شعار الحفاظ على لبنان من الأطماع الصهيونية.
فإن حزب الله انزلق في الحرب السورية إلى جانب النظام ضد ثورة الشعب السوري. وهو اعترف مؤخرا وعلى لسان أمينه العام السيد حسن نصرالله بأنه يشارك في حرب اليمن وقبلها في حرب البوسنة، وقد يكون قد شارك في حروب أخرى لم يحين الوقت للإعلان عنها.
يضاف إلى ذلك المواقف العدائية التي يتفرد السيد حسن نصرالله باتخاذها ضد المملكة العربية السعودية وباقي دول الخليج العربي حيث أدى ذلك إلى إتخاذ قرارات صارمة بحق لبنان، منها حجب الهبة السعودية التي كانت مقررة للجيش اللبناني والبالغة ثلاث مليارات دولار ومنها أيضا عمليات ترحيل مئات اللبنانيين من دول الخليج إلى وطنهم.
ومن المظاهر البارزة لضعف الدولة موقف وزير الخارجية جبران باسيل الذي بدا وكأنه فاتح لحسابه وذلك من خلال موقفه في إجتماع وزراء الخارجية العرب الأخير حيث خرج عن الإجماع العربي باتخاذ موقف الدفاع عن إيران ومن ثم برفضه لقاء الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أثناء زيارته الأخيرة للبنان لاعتبارات لها علاقة بانتقاد الأخير للنظام السوري المتورط بجرائم حرب.
أما الحكومة فقد انحصر عملها فقط بدفع رواتب الموظفين دون التمكن حتى من وضع الميزانية العامة للدولة. والانصياع لضغوط الجهات النافذة بأجراء بعض التعيينات. وتشريع الصفقات والتغطية على عصابات السلب ومافيات الفساد..