كثر ضجيج الإنتخابات البلدية في الآونة الأخيرة بين الأطراف السياسية اللبنانية وتعالت الأصوات المطالبة بضرورة إجرائها وعدم الوقوع في فخ التمديد كما حصل مرتين مع الإنتخابات النيابية.
ومرد الأمر إلى أنه لا أحد وخصوصا تيار المستقبل يريد لبس ثوب التمديد وتحمل الأمر من جديد كما حصل بالمرتين السابقتين عند الإستحقاق النيابي.
وضمنيا لا يوجد طرف سياسي في لبنان يريد حقا إجراء هذه الإنتخابات لأسباب عديدة منها أولا أنها لا تعادل أهميتها أهمية الإنتخابات النيابية ولن تؤثر كثيرا إن حصلت على موازين القوى في البلد وثانيا رغبة لدى جميع الأطراف تقريبا بالمحافظة على الوضع القائم سابقا كما هو.
أضف أن الأحزاب اللبنانية تعاني من أزمة مالية وليس لديها النية الحقيقية لتمويل الحملات الإنتخابية المركزية والمحلية.
فمصلحة الجميع هي عدم إجراء هذه الإنتخابات والعمل لأجل تمديد المجالس البلدية والإختيارية الحالية، ولكن ما حصل بعد التمديد للمجلس النيابي في المرة الأخيرة من حملات من المجتمع المدني والقنوات التلفزيونية ووسائل التواصل الإجتماعي على القوى السياسية والنواب الممدين أعطى درسا قاسيا لهذه القوى بعدم المغامرة أو البوح بنية التمديد للمجالس البلدية والإختيارية، لذلك سارع وزير الداخلية نهاد المشنوق المحسوب على تيار المستقبل إلى دعوة الهيئات الناخبة وتحديد موعد للإنتخابات في 8 أيار في إشارة واضحة أن التيار الأزرق لن يتحمل هذه المرة تهمة التمديد كما حصل سابقا.
سبقه جولات مكوكية من رئيس الحكومة السابق سعد الحريري إلى العديد من المناطق اللبنانية وكانت جولات إنتخابية للنهوض بشعبيته من جديد، كذلك فتح بيت الوسط لإستقبال خصومه السياسيين من الطائفة السنية وحصل شبه توافق تام في كافة المناطق اللبنانية وأيضا في زحلة مع تحالف جديد أبصر النور مع الكتلة الشعبية برئاسة زوجة الراحل سكاف ميريم طوق سكاف، فالإنتخابات إلى الآن حاصلة ما لم يحصل أي أمر طارىء يؤجلها إلى مواعيد أخرى على الرغم من ضعف الحماس الشعبي لها كما كان يحصل سابقا.
وسبب هذا الضعف هو غياب معنى الديمقراطية عن هذه الإنتخابات فهي بمثابة تعيين لا إختيار ما يعكس عمق الأزمة التي تعاني منها الديمقراطية اللبنانية. فهذه الأزمة أصبحت عميقة لأنها بدأت تطال المستوى المحلي للتمثيل السياسي الشعبي في لبنان من خلال التوافق والتحالف الحديدي بين القوى.ولطالما كانت الديمقراطية اللبنانية إستثنائية بل شاذة عن قوانين العلوم السياسية لأنها مرجومة دائمة بحجر التوافق الذي يتناقض كليا مع بديهيات الديمقراطية الحقيقية حيث الأكثرية تحكم والأقلية تعارض ولكنها كانت فقط على مستوى الإنتخابات النيابية وتسيير أمور الحكومة والبرلمان.
أما عمق الأزمة اليوم فيتمثل بأنها وصلت إلى الإنتخابات البلدية التي من الطبيعي أن يكون للعائلات الصوت الوازن فيها وهو ما همشته الأحزاب والحركات وأن تطلق فيها برامج تنموية تنهض بالقرى والمدن اللبنانية لا شعارات سياسية عابرة للجغرافيا اللبنانية ما يفقد هذه الإنتخابات ميزتها وأهميتها لأنها تخاض من منطلق سياسي بحت لا يمت للشأن التنموي بصلة. وهو يفقدها أيضا عنصر المفاجأة لأن نتائجها محسومة ومتوقعة من الآن في معظم المناطق اللبنانية. فالتحالف الشيعي بين حركة أمل وحزب الله يهيمن على الواقع السياسي والبلدي في مناطق الجنوب وبعلبك الهرمل والضاحية الجنوبية وبعض قرى البقاع الغربي.
والتحالف الدرزي بين الحزب التقدمي الإشتراكي والحزب الديمقراطي اللبناني مكرس في المناطق الدرزية وإن لم يحصل فالغلبة واضحة للتيار الجنبلاطي. كذلك الأمر في المناطق السنية حيث تم ترتيب الوضع بين تيار المستقبل ومعظم خصومه السياسيين كمراد وكرامي ومخزومي ووصلوا إلى صيغة اللوائح التوافقية في الشمال والبقاع وبيروت بإستثناء صيدا حيث الأمور لم تنضج بعد مع أسامة سعد وباقي التيارات المعارضة للحريري في المدينة.
أما على المستوى المسيحي فيشكل تحالف القوات اللبنانية والتيار الوطني الحرة قوة إنتخابية لا يستهان بها في وجه باقي القوى وستشهد بعض المناطق منافسات حامية وقد تحمل الأيام مفاجآت عن تحالف مضاد قوامه المردة والكتائب ودولة الرئيس فريد مكاري وباقي القوى المسيحية المستقلة. لذلك تبدو الإنتخابات البلدية حامية نوعا ما فقط في بعض المناطق المسيحية والأمر مرهون لما تحمله لنا الأيام. وعليه، توصلت القوى السياسية وبخبث إلى تحالفات جاهزة تحت وفوق الطاولة لتمرير هذا الإستحقاق بأقل الأكلاف السياسية والأمنية واللوجستية بعد أن فشلت في إيجاد كبش فداء لتحميله تهمة الإطاحة بالإنتخابات البلدية والإختيارية.
وخريطة التحالفات تخبرنا أن هذه الإنتخابات حصلت أو لم تحصل لن تؤدي إلا إلى تكريس أزمة الديمقراطية اللبنانية وضحك إضافي على الشعب اللبناني وتجييشه طائفيا ومذهبيا لإلهائه عن حقوقه الإنمائية والمطلبية.