إلى أين يمكن أن يلجأ تنظيم «داعش» في حال انتصرت القوى المتحالفة ضده، وطردته من سورية والعراق؟ وما هو نوع الأسلحة المؤذية التي يمكنه استخدامها لحماية عناصره، والدفاع عن تنظيمه الإرهابي الذي فرضه على أعدائه؟

 

 

وهل من المحتمل أن يستعمل أسلحة كيماوية شبيهة بالأسلحة التي استعملها بشار الأسد ضد خصومه في ضاحية دمشق في 21 آب (اغسطس) 2013؟

 

 

هذه الأسئلة وسواها شكلت محور النقاش بين قادة العالم الذين دعاهم الرئيس باراك اوباما إلى قمة الأمن النووي.

 

 

افتتح الرئيس الأميركي اجتماعات القمة بتحذير قادة الدول من خطر افتعال حوادث عدوانية ضد كل شعب تساهم قواته في إضعاف سيطرة تنظيم «الدولة الإسلامية». وبعد أن لخـَّص ما جمعته وكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي أيه) من التحقيق الواسع مع الشاب المغربي صلاح عبدالسلام، ختم كلمته بضرورة حماية المنشآت النووية من عمليات التخريب والتفجير.

 

 

وقال أيضاً أن «الخليفة» أبو بكر البغدادي حريص على تقليد مثله الأعلى أسامة بن لادن، ولو اضطره الأمر إلى افتعال مجزرة أكبر من مجزرتي باريس وبروكسيل.

 

 

في نهاية الاجتماعات، قرر الحاضرون تكثيف الإجراءات الأمنية المتعلقة بسلامة ركاب الطائرات المدنية. واتخذوا من تفجير الطائرة الروسية التي قتِل على متنها 224 سائحاً فوق الأراضي المصرية حجة لتشديد المراقبة على المطارات. كما خفضت أجهزة الرصد بواسطة الأقمار الاصطناعية تعقبها لتحركات عناصر «داعش»، خصوصاً بعد ادعاء حاكم «الولاية» المصرية بأنه هو الذي اتخذ قرار إسقاط الطائرة من دون الرجوع إلى المصدر في الموصل أو الرقة.

 

 

ومثل هذا القرار المستقل بدأ يظهر في مواقع مختلفة، الأمر الذي يشير إلى إجراء تنظيمات جديدة تتعلق بإدارة الخلايا الخارجية وطريقة عملها. وأفضل مثل على استقلالية قرار الولاة، ما فعله المدعو عبدالقادر النجدي الذي زعم أن «الخليفة» أبو بكر البغدادي نصَّبه أميراً على ليبيا، عقب مقتل الوالي السابق أبو المغيرة القحطاني.

 

 

وقد استهل عبدالقادر ولايته بتهديد روما، مقلداً بذلك القائد الفينيقي هنيبعل، ثم دعا مهاجري افريقيا إلى الالتحاق بتنظيمه في مدينة سرت. أي المدينة التي ينطلق منها أنصاره للقيام بعمليات إرهابية في تونس وجوارها.

 

 

ويرى المراقبون في استخدام مصطلح «الولاية» من جانب البغدادي، أنه عازم على تأسيس ولايات بعيدة عن»دولته» في سورية والعراق. والسبب في نظره أن الحصار المضروب حول حدود سيطرته بدأ يضيق بطريقة قد تضطره إلى الهرب. وتقول جماعته أنه استعار مصطلح الولاية من حكام المسلمين في القرن الأول الهجري، أي عندما انطلقت الجحافل من شبه الجزيرة العربية لتؤسس «ولايات» خارجية في القاهرة ودمشق وبغداد وعواصم بلدان افريقيا الشمالية.

 

 

ويبدو أن البغدادي مرتاح إلى تقليد الأقدمين لاقتناعه بأن أسامة بن لادن أنشأ «القاعدة» على هذه المرتكزات التاريخية، وأن «داعش» خطف منه هذا الدور. وحقيقة الأمر أن «داعش» بدأ الإعلان عن تنظيمه بالادعاء أنه فرع من «القاعدة». وقد انطلقت الفكرة على لسان أبو مصعب الزرقاوي الذي نصّبه تنظيم «القاعدة» ممثلاً للمجاهدين عقب غزو العراق سنة 2003.

 

 

ولما قُتِل الزرقاوي، ظهر أبو بكر البغدادي كوريث لتيار عريض استطاع استقطاب شريحة كبيرة من ضباط صدام حسين المسرَّحين، إضافة إلى معارضين سوريين كان نظام بشار الأسد يشرف على تدريبهم.

 

 

في هذا الفضاء الإرهابي الواسع، يتطلع البغدادي إلى مصر وليبيا كأهم ولايتين ناشطتين ضمن مخططاته. وقد استند في انطلاقته هناك إلى جماعة «أنصار بيت المقدس» التي أعلنت ولاءها له سنة 2014. وكانت الضربات الأولى مقتصرة على ترويع معسكرات الجيش المصري. ولكنها سرعان ما تمددت لتصل إلى موظفي الأمم المتحدة والقنصلية الايطالية في القاهرة، ومن ثم إسقاط الطائرة الروسية كردّ انتقامي على الغارات التي تقوم بها قوات الرئيس فلاديمير بوتين.

 

 

خصوم معمر القذافي في ليبيا لم يجدوا أفضل من مظلة «داعش» لحماية فرقة بدأت انطلاقتها بثلاثة آلاف مقاتل. وقد منيت بضربة أميركية على معسكراتها في مدينة «صبراتة»، قرب الحدود مع تونس الشهر الماضي.

 

 

وتكمن أهمية ليبيا بالنسبة إلى «داعش» في عدة أسباب، أهمها: 1- ضعف الحكم المركزي واختلاف الجيش النظامي مع قادة الميليشيات. 2- قربها من اوروبا، الأمر الذي يسهل عمليات تهريب ناقلات النفط. 3- عمقها الأفريقي الذي يسمح لقوات «داعش» بالانسحاب إلى نيجيريا ومالي في حالات الخطر.

 

 

إضافة إلى هذه الأسباب، فإن البغدادي يعتبر القارة السوداء خزاناً بشرياً يمكن استخدام عناصره عند الحاجة. وقد أظهرت إحصاءات المكتب الدولي للعمل أن هناك أكثر من مئتي مليون شاب عاطل من العمل. ومن هذا الخزان يطل الفقر والحرمان والبطالة لتعزيز أهمية الجماعات الإرهابية مثل «بوكو حرام» و «داعش» و «القاعدة». وتفاخر قيادة «داعش» بأن زعيم «بوكو حرام» أعلن ولاءه للبغدادي قبل فترة قصيرة.

 

 

هذا الأسبوع، هدد تنظيم «داعش» في شريط فيديو بشن مزيد من الهجمات في الغرب، محدداً لندن وبرلين وروما كأهداف محتملة. وبعد يوم على إعلان التهديد، أصدر التنظيم الإرهابي في «ولاية نجد» بياناً أعلن فيه مسؤوليته عن مقتل العقيد السعودي ماجد الحمادي.

 

 

وفي السياق الإرهابي ذاته، قال مصدر أمني في محافظة نينوى أن طائرات التحالف الدولي قصفت مركزاً لـ «داعش» في الموصل، قتِل فيه سبعون عنصراً. وكان ذلك رداً انتقامياً على إعدام 18 من القوات النظامية العراقية والبيشمركة، قتِل نصفهم حرقاً في أقفاص من حديد.

 

 

وأفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» بأن فصائل سورية معارضة تمكنت هذا الأسبوع من توسيع نطاق سيطرتها على شريط بطول عشرة كيلومترات من الحدود مع تركيا، بعدما طردت تنظيم «داعش» من سلسلة قرى كانت تحت سيطرته في ريف حلب الشمالي.

 

 

من جهة أخرى، أعلنت قيادة العمليات المشتركة في بغداد قتل أربعين عنصراً من «داعش» بينهم قادة بارزون منهم: أبو سليمان الشيشاني، مسؤول كتيبة الخرساني، وشيخ جمال العيساوي، وضياء الحرداني، (أمير ولاية الفرات) وعبدالباسط الجميلي.

 

 

يقول مصدر أميركي تابع لدائرة مكافحة الإرهاب في البنتاغون، أن الغارات الجوية التي استهدفت المنشآت النفطية في سورية أحدثت أضراراً بليغة في عائدات التنظيم. وبسبب هذه الغارات، تقلصت الأموال التي كان يجنيها «داعش» من بيع النفط الذي هبطت أسعاره.

 

 

وعلق الخبير العراقي هشام الهاشمي على ادعاءات الأميركيين بالقول أن «داعش» ما زال يسيطر على ستين في المئة من آبار النفط السورية، وخمسة في المئة من الآبار العراقية.

 

 

ولكن هذا كله يشير إلى ضمور المساحات التي استولى عليها التنظيم، وإلى نية القيادة الانسحاب من سورية والعراق بعدما اشتد الحصار الإيراني - الروسي - السوري على مختلف جبهات القتال.

 

 

ولكن السؤال المحير يركز الاهتمام على المواقع الجغرافية التي قد ينكفئ إليها مقاتلو «داعش»، سواء كانوا في العراق وسورية... أم في ليبيا وصحراء سيناء؟!

 

 

في أخبار هذا الأسبوع أن «حزب الله» شن هجوماً على موقع تابع لتنظيم «داعش» في جرود رأس بعلبك، الأمر الذي أدى إلى مقتل المسؤول الميداني ويُدعى اسكندر، مع عدد من مسلحيه.

 

 

وعلقت مصادر تابعة لـ 14 آذار بأن «حزب الله» يحاول استمالة المواطنين، من طريق الادعاء بأنه يحارب في سورية... ولكنه يحارب أعداء الوطن أيضاً.

 

 

ومثل هذا المؤشر المفاجئ يدعم توقعات اندريه فيتشيك، صاحب النشرة الأميركية «من أجل السلام والعدالة الاجتماعية» (تاريخ 4 نيسان - ابريل). وهو يزعم بأن عدداً كبيراً من مقاتلي «داعش» قد يتوجهون إلى المناطق السنيّة في لبنان مثل البقاع وطرابلس والمخيمات الفلسطينية. كما يدّعي أيضاً بأن عدداً من مسلحي هذا التنظيم قد يستنفر في مخيمات اللاجئين السوريين في حال باشر «داعش» بالانسحاب.

 

 

وماذا عن مصير أتباع «داعش» في اوروبا والدول العربية الأخرى؟

 

 

تشير المعلومات إلى ظهور تحرك مشبوه يقوم به «داعش» في الجزائر وتونس والمغرب ومختلف بلدان شمال افريقيا. كما ينسحب هذا التحرك على مالي التي شهدت انقلاباً على أيدي جماعة «القاعدة» أحبطته فرنسا بتدخلها العسكري السريع. وربما ساعدت الشبكات الأيديولوجية - الدينية التي أنشأها جزائريون وتونسيون في شمال مالي، في استئناس «الداعشيين» في هذه «الولايات» البعيدة عن الموصل والرقة.

 

 

ويتوقع الأوروبيون تنامي موجة الإرهاب في مواقع كانت دائماً تستهوي الدول المستعمرة بسبب مواردها الحيوية. كما تستهوي في الوقت ذاته الحركات الإسلامية المتطرفة التي ساهمت في إسقاط معمر القذافي ونظامه!

سليم نصار 

* كاتب وصحافي لبناني