لم تقتصر تداعيات الاختبارات الصاروخية الإيرانية في الشهر الماضي على تلك التي أثيرت عند القوى العظمى وخمسة منهم أعضاء في المفاوضات النووية، حاول عدد منهم فرض عقوبات جديدة عبر مجلس الأمن بحجة خرق إيران المخطط الشامل للعمل المشترك الذي أقره هذا المجلس، بل وصلت التداعيات إلى الداخل بعد فشل الولايات المتحدة في إثبات أن تلك الاختبارات كانت تمثل خرقاً للقرار الأممي رقم 2231.
اعتبر ألأميركيون أن الاختبارات الصاروخية التي قامت بها إيران في الآونة الأخيرة وإن لم تمثل خرقاً للاتفاق النووي أو القرار الأممي 2231، إلا أنها تعارض روح الاتفاق والقرار، فضلاً عن أنها تتم في أجواء مليئة بالاستفزازات.
بادر الحرس الثوري بتلك الاختبارات بعد أجراء الانتخابات النيابية التي لم يكن نتائجها مُرضية لا للحرس الثوري ولا للمحافظين المتشددين، وكانت تلك الاختبارات بمثابة استعراض القوة أمام الداخل الإصلاحي المسرور بنتائج الانتخابات والخارج الأجنبي العدو الاستكباري الذي يرى نفسه منتصراً في المفاوضات النووية، لأنها أنهت بما يُسمى خطر إيران النووي!
فهكذا رأى المتشددون في إيران أنهم خسروا في المعركتين: المعركة النووية والمعركة الانتخابية البرلمانية. فلم يجدوا طريقاً للخروج من المأزق إلا القيام بالاختبارات الصاروخية ليُظهروا مدى قدرتهم وطاقاتهم للإزعاج.
وبعد الاختبارات الصاروخية أعاد المحافظون المتشددون ملف المفاوضات النووية، ليروا بأن فريق الرئيس روحاني في المفاوضات تخطى الكثير من الخطوط الحمر، ليستخرجوا عدم جدوى الاتفاق النووي وأن ذاك الاتفاق لن يكون مدعاة للفخر و الاعتزاز!
هل اكتشف المحافظون بنداً جديداً أضيف مؤخراً على الاتفاق النووي، أم أن الاتفاق، هو نفس الاتفاق؟! نعم الاتفاق هو ذاته، ولكن الجديد هو استثمار الاتفاق من قبل الاصلاحيين خلال الانتخابات النيابية، إذ إنهم تمكنوا من الحصول على الأغلبية بعد أن أقنعوا الشعب بأنهم هم كانوا وراء الحصول على الاتفاق النووي وأن المحافظين لا يريدون خيراً للبلد.
وكدليل على تأثير الاتفاق النووي على مسار الانتخابات النيابية، يكفي أن نعرف بأن الأغلبية الساحقة من النواب الذين احتجوا على محمد جواد ظريف خلال المفاوضات النووية، خسروا في الانتخابات النيابية جزاءاً وفاقاً.
المشكلة الآن ليست في الاتفاق النووي الذي لو لم يكن، لما كانت إيران تتمكن الآن من تصدر برميل واحد من النفط، بل المشكلة تكمن في أن الاتفاق النووي تم ترجمتها بلغة بالغة الفصاحة في الانتخابات النيابية، وإذا يكون مسار الأحداث والاستحقاقات المستقبلية هو نفس ما رأيناه في الانتخابات النيابية الأخيرة، فعلى المحافظين أن يستودعوا جميع مقاعد السلطة ويتقوقعوا إلى كهوفهم.