لا شك في ان الحكم المبرم الذي أصدرته محكمة التمييز العسكرية أمس على الوزير السابق ميشال سماحة مسدلة الستار نهائيا على المسار القضائي لقضيته شكل حدثا مفاجئا لجهة المدة الحكمية التي قضت بخفض العقوبة من الاعدام الى السجن 13 سنة بما تجاوز كل التوقعات. جاء الحكم ليضع حداً حاسماً لفترة طويلة من الالتباس والشكوك العميقة في المحكمة العسكرية عقب حكمها البدائي في قضية سماحة الذي أشعل جدلاً طويلاً وواسعاً طاول أساس القضاء العسكري وصلاحياته واقترن بحملات قوية عليه ومطالبات بالغائه على الاقل في ما يعود الى الجرائم والقضايا المدنية. ويمكن القول في ظل صدور الحكم النهائي أمس أن العدالة صححت العدالة، بدليل الفارق الكبير بين حكم البداية على سماحة والحكم الثاني والنهائي بطبيعته المبرمة غير القابلة للمراجعة.
اذ بخلاف حكم البداية الذي دان سماحة بعملية نقل المتفجرات من سوريا الى لبنان بعد فصل قضية تورط المسؤول الامني السوري اللواء علي المملوك على حدة، منذ حكم محكمة التمييز العسكرية امس فند التهم الموجهة الى سماحة وربط بينها وتوسعت المحكمة في تفسير ردها على كل اسئلة محامي الدفاع ودانت سماحة في المواد الجنائية المدعى بها عليه لينتهي الحكم بالفقرة الحكمية التي صدرت باجماع أعضاء المحكمة والتي قضت بانزال عقوبة الاعدام به وخفضها الى حبسه 13 سنة سجنية تحسم منها مدة السجن التي نفذها بموجب حكم المحكمة العسكرية الدائمة أي أربع سنوات ونصف سنة وتبقى من مدة عقوبته ست سنوات و33 يوماً، كما قضى الحكم بتجريده من الحقوق المدنية. وترك الحكم انطباعا كأنه صادر عن القضاء العدلي باعتبار ان احكام القضاء العسكري تصدر مقتضبة ولا تتضمن تفصيلاً. ودانت المحكمة سماحة بجرم تأليف عصابة ترمي الى ارتكاب الجنايات كما بجرم محاولة القتل عمداً لافتاً الى ان "ظروفاً خارجة عن ارادة الفاعل حالت دون تنفيذ الاعمال الارهابية التي بقيت في طور المحاولة".
والواقع ان الحكم النهائي قلب المشهد الداخلي المتصل بهذه القضية رأسا على عقب وخلافاً لردود الفعل الساخطة والحادة التي تسبب بها الحكم البدائي أثار حكم محكمة التمييز العسكرية موجة ترحيب واسعة سواء على المستوى الشعبي عبر وسائل التواصل الاجتماعي أم على المستوى السياسي. وجاءت أبرز الردود على لسان الرئيس سعد الحريري الذي اعتبر ان صدور حكم التمييز "في حق الارهابي ميشال سماحة يصحح الحكم السابق المخفف الذي رفضناه واعلنا اننا لن نسكت عنه". وقال إن الحكم على سماحة "يثبت ان المتابعة القضائية والشفافية مع الرأي العام هي الطريق الصحيح الى العدالة بعيدا من المزايدات والتصرفات السياسية الهوجاء".
وعلّق رئيس "اللقاء الديموقراطي" النائب وليد جنبلاط: "لقد بدأ القضاء يتحرك في قضية ميشال سماحة فهل يكمل في ملفات الفساد؟".
وقال وزير الداخلية نهاد المشنوق ان حكم محكمة التمييز العسكرية "يؤكد صحة ثقتنا برئيس المحكمة والاعضاء". مضيفاً: "رحم الله دائما وابدا وسام الحسن : الحق الوطني ولو تحت التراب".
ما بعد "العاصفة "
واذا كانت ترددات الحكم على سماحة حيدت الأنظار بعض الوقت عن أصداء العاصفة الحكومية الاخيرة التي نشأت عن الاشتباك السياسي في مجلس الوزراء، فان ذلك لم يحجب دخول الواقع الحكومي مرحلة جديدة من التعقيدات التي تنذر تكرارا بشل عمل الحكومة ما لم يتم التوصل الى تسوية لمسألة جهاز أمن الدولة التي تسببت بالانقسام الواسع داخل الحكومة. وقالت مصادر وزارية لـ"النهار" إن جلسة مجلس الوزراء إذا ما وجهت الدعوة الى لعقدها الثلثاء المقبل لن تؤدي الى إنهاء الازمة التي أدت الى النتيجة التي إنتهت اليها الجلسة الاخيرة الخميس الماضي. وأوضحت ان اللقاء الذي جمع أمس وزير المال علي حسن خليل ووزير السياحة ميشال فرعون لم يسوّ الخلاف على بند مديرية أمن الدولة. واستبعدت المصادر ان يبادر رئيس الوزراء تمام سلام الى دعوة المجلس الى جلسة الثلثاء المقبل نظراً الى استمرار التباينات وعدم احتواء الخلاف أولاً وبسبب توجه سلام الى اسطنبول للمشاركة في القمة الاسلامية التي ستعقد هناك.
زيارة هولاند
الى ذلك، قالت اوساط نيابية معنية لـ"النهار" إن لبنان سينصرف الاسبوع المقبل عن ملفاته الداخلية من خلال مؤتمر القمة الاسلامية في إسطنبول وزيارة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند لبيروت السبت المقبل. ومع ان البرنامج التفصيلي لزيارة هولاند لا يزال طي الكتمان، فان المعطيات المتوافرة عنه تشير الى ان الرئيس الفرنسي سيعقد مبدئياً مروحة واسعة من اللقاءات تشمل رئيسي مجلس النواب نبيه بري والحكومة تمام سلام والبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الى ممثلي مختلف الاحزاب والقوى السياسية في مأدبة تقيمها السفارة الفرنسية في قصر الصنوبر. وكان السفير الفرنسي في لبنان ايمانويل بون قام بجولة واسعة في الايام الاخيرة على القيادات السياسية من أجل التمهيد للقاءات التي سيعقدها الرئيس الفرنسي في بيروت.