مع هيمنة مناخ التفلت من العقاب وفي ظل ثقافة الاستقواء بالسلاح وتفكك الدولة. ومع الحظوة بالتغطية السياسية للخارجين على القانون، ومع التباهي بفضيلة الخروج على الدولة والقانون. ومع ضياع المجتمع اللبناني بسبب الاختلافات والصراعات والمماحكات بين قوى الأمر الواقع المتسلطة على رقاب الناس والممسكة بمفاصل البلد.
في ظل هذا الواقع اللبناني المزري يكاد لا يمر أسبوع دون الكشف عن فضيحة مدوية. لو حصلت في اي دولة أخرى غير لبنان لهزت أركان الحكم فيها.لكن في لبنان فإنها تمر مرور الكرام ويتم تجهيل الفاعل والتغطية على المجرم، وتأتي في هذا السياق مأساة استعباد عشرات الفتيات السوريات واستغلالهم جنسيا من خلال الكشف عن شبكة للدعارة تعمل في منطقة جونية بعد نشر أنباء الفضيحة الكارثة، حيث تشير التقارير الإعلامية بحصول الشبكة المذكورة على حماية أمنية وسياسية رفيعة المستوى على ما ألمح النائب وليد جنبلاط في تغريدة له على تويتر.
ووفق ما يفهم من شهادات الفتيات الضحايا اللواتي وقعن في فخ هذه الشبكة على ان أخطر ما يواجهه البلد هو أن توالي الكشف عن ملفات الفساد يفيد في صرف الأنظار عن الاستحقاقات المفصلية التي تهم حياة المواطن، إذ ان عجز السياسيين عن الالتزام بهذه الاستحقاقات هي بحد ذاتها فضائح تكشف مدى غياب الحياة السياسية.
ومدى استهتار وسخافة الطبقة السياسية الفاسدة والحاكمة في بلد تتهدده الأخطار المحدقة به من كل حدب وصوب في الداخل وفي الخارج. ويظهر مدى هشاشة الدولة التي تبدو عاجزة عن المحاسبة بحيث تضيع المقاييس تحت شعار تسييس الملفات التي توحي بضغوط على بعض القضاة وبتورط بعض الأجهزة وخصوصا الأجهزة الأمنية.
إذ ان الدولة لا يمكن ان تستمر في هذا المسار الانحداري من الفساد كما يقول وزير الصحة وائل أبو فاعور، فمنذ فضيحة النفايات التي تم الكشف عنها قبل نحو ثمانية اشهر، والعجز الواضح في إيجاد حل لجبال النفايات التي ملأت شوارع العاصمة وبعض المدن اللبنانية فإن مسلسل الفضائح التي تثير الاشمئزاز وتفوح منه روائح السمسرات والصفقات المشبوهة يتوالى تباعا.
فقد خرجت إلى العلن خلافات التفتيش المركزي وانكشفت فضيحة شبكات الأنترنيت غير الشرعي والاختلاسات في قوى الأمن الداخلي وثار اللغط حول القمح المسرطن ونقله من الاهراءات ليلا إلى المطاحن في شاحنات تنقل النفايات في النهار مرورا بالكلام عن قصور في أمن المطار وصولا إلى فضح شبكات الدعارة والاتجار بالبشر.
وتبقى الفضيحة الأبرز هي تعطيل كل مساعي ملء الشغور الرئاسي وقد بات على عتبة إكمال عامه الثاني حيث يتم ربط انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية بملفات إقليمية ومنها الملف السوري ما يؤدي إلى جر لبنان أكثر فأكثر إلى صراعات مفتوحة مع الدول الخليجية والتي قد لا ينفع معها إمكانية استمرار الحكومة بالسير بين النقاط.
وبنجاحها في عزل انعكاسات الإجراءات العقابية التي تتخذها دول الخليج العربي بحق حزب الله عن المصلحة الوطنية العليا. وجدير بالإشارة إلى ان بعض الأطراف السياسية والحزبية تتخذ من المظلة الدولية لحماية الأمن والاستقرار في البلد وسيلة للامعان أكثر في فرض مشاريعها الخاصة على اللبنانيين، إلا أن ذلك يشكل سببا في اهتراء الدولة مما قد يجر البلد إلى المزيد من الانهيار وأن مواجهته قد تؤدي الى تفجر العنف.