عن "عدة من أصحابنا ،عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه عن خلف بن حماج ،عن ربعي بن عبدالله بن الجارود الهذلي ،عن الفضيل بن يسار قال : قال أبو عبدالله عليه السلام : "ما من مجلس يجتمع فيه أبرار وفجار ، فيقومون على غير ذكر الله عز وجل إلا كان حسرة عليهم يوم القيامة" (الكافي ص 500 حديث 3) .
وعن "الحسين بن محمد ،عن معلى بن محمد ،وعدة من أصحابنا ،عن أحمد بن محمد ،جميعا عن الحسن بن علي الوشاء ، عن داود بن سرحان ،عن أبي عبدالله عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من أكثر ذكر الله عز و جل أحبه الله ومن ذكر الله كثيرا كتب له براءتان : براءة من النار وبراءة من النفاق" (الكافي : مجلد 2،كتاب الدعاء ص499 ، ح 2 ) وعن "حميد بن زياد ،عن ابن سماعة ،عن وهيب بن حفص ،عن أبي بصير ،عن أبي عبدالله (ع)قال :شيعتنا الذين إذا خلوا ذكروا الله كثيرا "(مصدر سابق ص 497 ، حديث5). وقد ورد أن لكل شئ حدا ،إلا ذكر الله فإنه لا حد له .
يقول الإمام الصادق عليه السلام في الرواية التي وردت في أصول الكافي [بإسناده عن ابن القداح] : "ما من شئ إلا وله حد ينتهي إليه ،إلا الذكر فليس له حد ينتهي إليه " ثم يضيف : "فرض الله عز وجل الفرائض ،فمن أداهن هو حدهن ،وشهر رمضان فمن صامه فهو ،والحج فمن حج حده ،إلا الذكر، فإن الله عز وجل لم يرض منه بالقليل، ولم يجعل له حدا ينتهي إليه ،ثم تلا :(يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا) فقال : لم يجعل الله حدا ينتهي إليه . ويروي الإمام الصادق عليه السلام في ذيل هذه الرواية : وكان أبي كثير الذكر ، لقد كنت أمشي معه وإنه ليذكر الله ، وآكل معه الطعام وإنه ليذكر الله ،ولقد كان يحدث القوم وما يشغله ذلك عن ذكر الله ". وأخيرا ينتهي هذا الحديث الغني المحتوى بهذه الجملة : "والبيت الذي يقرأ فيه القرآن ويذكر الله عز وجل فيه تكثر بركته، وتحضره الملائكة ،وتهجره الشياطين ، ويضئ ﻷهل السماء كما يضئ الكوكب الدري لأهل الأرض".
إن هذا الموضوع من الأهمية بمكان بحيث عد ذكر الله في حديث خير الدنيا والآخرة ، فقد روي عن رسول ص أنه قال : "من أعطي لسانا ذاكرا فقد أعطي خير الدنيا والآخرة" (الكافي : مجلد 2 كتاب الدعاء ، ص 499 ، 498). ونختم بحديث آخر قصير عميق المعنى .روي عن الإمام الصادق عليه السلام حيث يقول : "من أكثر من ذكر الله عز وجل أظله الله في جنته" (مصدر سابق : حديث 5 ،ص 500 ) وهناك مطلب ينبغي التأكيد عليه ،وهو أن كل هذه البركات والخيرات لا ترتبط قطعا بالذكر اللفظي وحركة اللسان الخالية من الفكر والعمل ،بل الهدف هو الذكر الذي يكون مصدرا ومنبعا للفكر .. ذلك الفكر الذي يتجلى نوره في أعمال الإنسان ،كما صرحت الروايات بهذا المعنى . يقول آية الله المرجع الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في معرض تفسيره لﻵية الكريمة : (يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور..) إن الذكر الكثير _بالمعنى الواقعي للكلمة_يعني التوجه إلى الله سبحانه بكل الوجود،لا بلقلقة اللسان وحسب. نطالع في حديث مروي في سنن الترمذي ومسند أحمد عن أبي سعيد الخدري عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله : " أنه سئل :أي العباد أفضل درجة عند الله يوم القيامة ؟ فقال : "الذاكرون الله كثيرا".
قال أبو سعيد :فقلت : يا رسول الله ومن الغازي في سبيل الله ؟! قال : "لو ضرب بسيفه الكفار والمشركين حتى ينكسر ويختضب دما لكان الذاكرون أفضل درجة منه"(الدر المنثور طبقا لنقل الميزان ، مجلد 16،ص 268) . وذلك لأن الجهاد المخلص لا يمكن أن يتم بدون ذكر الله الكثير . ومن هنا يعلم أن للذكر الكثير معنى واسعا ، وإذا ما فسر في بعض الروايات بتسبيح فاطمة ع _وهو 34 مرة الله أكبر، و33 مرة الحمدلله ، و33 مرة سبحان الله _ فإن كل ذلك من باب ذكر المصداق الواضح ،لا تحديد المعنى بخصوص هذه المصاديق . ولهذا فإن ذكر الله الكثير ،وتسبيحه بكرة وأصيلا لا يحصل إلا باستمرار التوجه إلى الله ،وتنزيهه عن كل عيب ونقص ، وتقديسه المتصل ،وإن ذكرالله غذاء لروح الإنسان ،كما أن الطعام والشراب غذاء البدن (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) نتيجة هذا الإطمئنان القلبي هو ما ورد بسورة الفجر حيث يقول: (يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي ) . (تفسير الأمثل ،ج 13 ،ص 265،263).
في ذلك تحدث السيد محمد حسين فضل الله(رضوان الله عليه) فقال : " فإذا كنت المؤمن الذي يذكر الله ويسبحه ،فإن الله يصلي عليك ،تماما كما يصلي على رسوله ،فالله يصلي على رسوله ص ﻷنه بلغ الرسالة وأخلص في تبليغها ،ولأنه عبده وأطاعه ،كما لم يعبده ويطعه أحد ،فإذا كنت المؤمن الذي يذكر الله فيطيعه ،ويسبح الله فيخضع له ،فإن الله يصلي عليك وصلاة الله عليك ،هي غفرانه لك ورضوانه عليك وارتفاع درجتك في الدنيا والآخرة " (الكلام السيد : ص 94 ،95 ).