حط الاشتباك السياسي حول «جهاز أمن الدولة» على طاولة مجلس الوزراء اللبناني أمس، وكاد يتطور إلى ما لا تحمد عقباه لو لم يبادر رئيس الحكومة تمام سلام إلى إنقاذ الموقف برفع الجلسة لتفويت الفرصة على فصل جديد من التراشق الكلامي بين الوزراء اتسم بعضه بمواقف غلب عليها الطابع الطائفي والمذهبي، على أن تستأنف الثلثاء المقبل ريثما تهدأ النفوس. إلا أن عدداً كبيراً من أعضاء الحكومة يشككون في انعقاد الجلسة في حال تعذر الوصول إلى تفاهم يبدد تدريجاً الغيوم السود التي خيمت على المداولات وما لبثت أن تدحرجت إلى الخارج من خلال تناقل بعض ما جرى عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة ومواقع التواصل الاجتماعي.

وكما كان متوقعاً قبل انعقاد الجلسة، وقع مجلس الوزراء في كمين سياسي نصبه بعض «أهل بيته»، الذين انقسموا على أنفسهم ولم ينتظروا أن يأتي دور البند رقم 65 المتعلق ببحث الوضع السائد في جهاز أمن الدولة، بسبب الخلاف المستفحل بين رئيسه اللواء جورج قرعة ونائبه العماد محمد الطفيلي. وما أن بدأ البحث بالبند رقم 34 المتعلق بطلب وزارة الداخلية تحويل اعتمادات مالية لمصلحة مديريتي قوى الأمن الداخلي والأمن العام، حتى انفجر النزاع على مصراعيه وتطايرت شظاياه، ومنها ما له طابع مذهبي وطائفي، في كل الاتجاهات.

كانت البداية بمداخلة لوزير السياحة ميشال فرعون سأل فيها لماذا لا تلبى طلبات أجهزة أمنية أخرى (جهاز أمن الدولة) بتحويل الاعتمادات المالية إليه؟ وما هي الأسباب لاستمرار الحصار المالي عليه فيما تلبى طلبات الأجهزة الأخرى.

وقبل أن يكمل فرعون مداخلته كما قالت مصادر وزارية لـ «الحياة»، تدخل وزير الخارجية جبران باسيل وقال: «إذا كنتم تريدون تحويلها إلى قضية مسيحية لا عقدة لدينا»، ما اضطر الوزير نهاد المشنوق للرد عليه: «لا، هذه ليست عقدة إنما مرض، وأطلب من رئيس الحكومة شطب هذا الكلام من محضر الجلسة لأنه مرفوض، لأن المشكلة ليست هكذا».

لكن التراشق لم يتوقف عند هذا الحد، واندلع مجدداً عندما تحدث الوزير عبدالمطلب حناوي عن سوء الإدارة في جهاز أمن الدولة، ومبادرة باسيل بالرد عليه: «طالما أنك تتحدث عن سوء إدارة في هذا الجهاز، أريد أن أحكي عن الفساد في جهاز قوى الأمن الداخلي».

وعاد المشنوق ليرد على باسيل، ونقل عنه وزراء قوله: «لا أقبل هذا الكلام، وأنت تتجنى على قوى الأمن الداخلي التي تقوم بأعمال بطولية بالتعاون مع الجيش والقوى الأمنية الأخرى، ولولا هذا الجهاز لما كنا إلى الطاولة في مجلس الوزراء».

وحاول الوزير رمزي جريج التدخل لتهدئة الموقف، رافضاً بعض ما جرى في الجلسة، خصوصاً بالنسبة إلى المواقف التي اتسمت بطابع طائفي، لكن كلامه لم يفعل فعله، واستمر السجال وبلغ ذروته بقول الوزير ألان حكيم: «خلينا نضم أمن الدولة لوزارتي السياحة والاقتصاد»، ما اضطر وزراء إلى سؤاله: «لماذا تخاطبنا بهذه اللهجة، ومشكلة «أمن الدولة» مدرجة على جدول الأعمال، وهذا ينم عن رغبة في تجاوزها وتوفير الحل لها بغطاء من الحكومة».

وعاد النقاش إلى نقطة الصفر في ضوء السجال الذي دار بين الوزيرين علي حسن خليل وغازي زعيتر من جهة، وبين فرعون وباسيل وحكيم من جهة أخرى، مع أن وزير المال دحض كل الادعاءات التي تتحدث عن حجب الأموال عن أمن الدولة وتقدَّمَ بجردة حساب عن العام الماضي والأشهر الأولى من الحالي، وقال إن المشكلة تكمن في تجميد الأموال المخصصة للمصاريف السرية وبدل السفر إلى الخارج، لأنها تحتاج إلى توقيعَي قائد الجهاز ونائبه، وهذا لم يحصل، وبالتالي اسألوا ديوان المحاسبة عن هذا الأمر.

ولاحظ وزراء أن وزراء «اللقاء النيابي الديموقراطي» و «حزب الله» لم يتدخلوا في السجال، سوى أن وزيري الحزب أيدا طلب المشنوق بتحويل اعتمادات مالية إلى الداخلية.

أما موقف الرئيس سلام فكان قاطعاً بقوله إن هناك مشكلة في أمن الدولة، ولهذا السبب أدرجناه على جدول أعمال الجلسة، وكان يجب عدم حرق المراحل والتريث إلى حين طرحه وفق الترتيب الوارد في الجدول، وهناك مقترحات لإيجاد حل لها.

ونقل الوزراء عن سلام قوله إن «الشق المالي يجب أن يأتي من ضمن العلاج الإداري والوظيفي للمشكلة. وأنا من هنا أحمل كل جهة مسؤولية عدم انعقاد الجلسات إذا ما قررت التغيب أو أصرت على رفضها المخارج المطروحة، وأيضاً مسؤولية ما يترتب على وضع مطار رفيق الحريري الدولي لكل من يحجم عن الموافقة على توفير المال لاستكمال تجهيزه».

الى ذلك، أعادت محكمة التمييز العسكرية توقيف الوزير السابق ميشال سماحة بعد ختم محاكمته بجرم نقله متفجرات من سورية إلى لبنان بقصد استهداف شخصيات سياسية ودينية في الشمال، إلى حين إصدار الحكم المبرم بحقه من دون تحديد موعد لذلك. وأبقت على سماحة في نظارة المحكمة العسكرية في الساعات المقبلة على أن يعاد إلى سجن الريحانية في حال امتدت فترة صدور الحكم لأكثر من يومين.

واتهم سماحة في نهاية المحاكمة «فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي باستدراجه عبر المخبر ميلاد كفوري العميل المحترف»، قائلاً: «أرادوا استهداف مسيرتي السياسية لأنني نجحت في خرق جدارات في دول الغرب وفتح خطوط لسورية معها»، منتقداً «أحكاماً صدرت بحق قادة المحاور في طرابلس التي لم تتجاوز السجن سنتين وإطلاق داعشيين».