لم يكن ينقص الانقسامات السياسية الحاصلة في البلاد، سوى أن تبلور مواقف الفرقاء، في جلسة مجلس الوزراء أمس، اصطفافاً طائفياً «مسيحياً ــ مسلماً» عابراً لقوى 14 و8 آذار، على خلفية الأزمة في جهاز أمن الدولة!

فالفرز في الجلسة أمس كان «مخيفاً». القوى السياسية لم تعد تجد حرجاً في المجاهرة بالخطاب الطائفي المقيت، في تسعير لأزمة الكيان الذي بالكاد نجا من حرب أهلية، لا يزال يلملم ذيولها منذ عقدين ونصف عقد من الزمن. ولم تعد أحزاب الطوائف تخجل في تحويل الأزمات، أيّاً كان منبعها، إلى أزمات حصص بينها عند كل مفصل، من تعيين «أصغر حاجب» إلى «أكبر موظّف»، في تعرية تامّة لما كان مستتراً «بعض الشيء» في نصوص اتفاق الطائف!
وتحوّلت أزمة أمن الدولة إلى أزمة «حقوق» طائفية، تجري التعبئة خلفها، إذ اصطفّ التيار الوطني الحر وحزب الكتائب والوزير ميشال فرعون على مقلب الدفاع عن رئيس جهاز الأمن العام اللواء جورج قرعة، من خلفية «استهداف الموقع المسيحي»، فيما توافق رئيس الحكومة تمام سلام ووزير المال علي حسن خليل ووزير الداخلية نهاد المشنوق على التبرير بأن الأزمة في الجهاز وما ينتج منها من وقف اعتماداته من المصاريف السرية ودورات الضباط في الخارج ليست طائفية، بل إدارية. حتى الوزير عبد المطّلب الحناوي، المحسوب على الرئيس السابق ميشال سليمان وعضو «لقاء الجمهورية»، غرّد خارج سرب «اللقاء» ووجّه انتقادات لقرعة، على النقيض من موقف زميليه، الوزيرة أليس شبطيني ووزير الدفاع سمير مقبل، فيما التزم وزير تيار المستقبل نبيل دو فريج الصمت طوال الجلسة، تاركاً زميله وزير الداخلية، وحده، يدافع عن قوى الأمن الداخلي أمام تكتل غالبية الوزراء «المسيحيين»!
احتدم النقاش بحسب أكثر من وزير اتصلت بهم «الأخبار»، بعد أن وصل جدول الأعمال إلى بنود تتعلّق باعتمادات لقوى الأمن الداخلي والأمن العام، فاعترض فرعون على البدء بنقاش هذه البنود قبل البدء بالحديث عن أزمة أمن الدولة والاعتمادات المخصصة له، ولحقه الوزير جبران باسيل. توسّع النقاش، فانخرط الوزراء سجعان القزي وآلان حكيم في طرح عام مفاده أنه لا يمكن أن تمرّ اعتمادات قوى الأمن الداخلي والأمن العام في الوقت الذي تجمّد فيه اعتمادات أمن الدولة.


الحناوي خرج عن موقف
«لقاء الجمهورية» ودو فريج ترك المشنوق وحيداً

 

وحين أوضح سلام أنه ستناقش أزمة أمن الدولة في البند المخصّص لها، أي البند 65، اعترض وزراء الوطني الحر والكتائب، مقترحين أن يؤجّل نقاش اعتمادات الأمن العام وقوى الأمن الداخلي إلى ما بعد نقاش أزمة أمن الدولة.
ووصل الأمر بالوزير باسيل حدّ القول إن هناك حصاراً مفروضاً على أمن الدولة، وهناك أزمة طعام ومصاريف، في إيحاء بأن «الوزراء المسلمين يحاصرون جهاز أمن الدولة المحسوب على حصّة المسيحيين»، كما قال أحد وزراء 8 آذار لـ«الأخبار». وشرح خليل للوزراء كيف أن وزارة المال لم توقف أيّاً من طلبات جهاز أمن الدولة، سوى المصاريف السرية ومصاريف دورات الضباط في الخارج، لأنها من وجهة نظر قانونية تحتاج إلى توقيع نائب المدير العام للجهاز أيضاً، وليس فقط المدير العام، و«يمكننا أن نناقش بالقانون هذه النقطة». وأكّد أنه في «عام 2015 نال الجهاز 69 مليار ليرة، وهي ما طلبه على أكمل وجه»، وأنه «منذ بداية هذا العام يأخذ كل مستحقاته». وبحسب المصادر، قال خليل «سمعت كلاماً في الجلسة وفي خارج الجلسة حول أزمة أمن الدولة، استُخدمت فيه تعابير طائفية وتجييش طائفي، وأقول إن هذا كذب وافتراء، وللأسف تورطت فيه مرجعيات دينية، وكفى تدفيع ثمن للمسيحيين بهذه النعرات».
وبحسب المصادر، فإن سلام أخذ الأمر على عاتقه، مؤكّداً أنه هو من يوقف المصاريف السرية لأمن الدولة، لأن هناك خللاً في الجهاز، وتجب معالجته، لكنّه بحسب مصادر وزارية في 14 آذار «لم يحسم المسألة، بل ترك النقاش يتوسّع بين الوزراء ويأخذ أبعاداً...». ورفع باسيل سقف خطابه، مشيراً إلى أن هناك «فساداً في قوى الأمن الداخلي»، وأنه «إذا كانت العرقلة موجودة لأن الجهاز من حصّة المسيحيين، فتلك قضية»، فردّ المشنوق بأن «تلك عقدة نفسية».
ودافع المشنوق عن الأمن الداخلي والامن العام، مؤكّداً أن «الجهازين يحميان البلاد ونحن هنا بفضلهما، وما يحكى عن فساد في قوى الأمن الداخلي بات الآن أمام القضاء». بدوره، قال القزي لسلام إنه «لا يمكننا أن نستمر في ربط نزاع في كل مشكلة، ونحن كلّنا ثقة فيك، اطرح حلاً لجهاز أمن الدولة مع حفظ الكرامات، لأن المماطلة تعطي الأزمة بعداً طائفياً ومذهبياً»، وأن «هذا البلد طائفي، ونحن نعيش في نظام طائفي، وعلينا التصرّف على هذا الأساس».
في المحصّلة، انتهت جلسة مجلس الوزراء من دون الوصول إلى نتائج، مع تردّد واضح لدى سلام في الدعوة إلى جلسة للحكومة يوم الثلاثاء المقبل، في ظلّ استمرار الخلاف حول أزمة أمن الدولة، وعدم الوصول إلى حلول.
هولاند في بيروت من دون «أجندة سرية»
وقبل بضعة أيام من الزيارة التي يعتزم الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند القيام بها لبيروت منتصف هذا الشهر، وهي الثانية له بعد أولى في تشرين الثاني 2012، كشف مصدر واسع الاطلاع جوانب من أهدافها، بتأكيده أنها المحطة الأولى له في جولته على المنطقة، تليها مصر والأردن. وبحسب المصدر، فإن «هولاند لا يأتي الى بيروت من أجل أن يحل مشكلات اللبنانيين التي هي مسؤولياتهم هم بالذات». لكن إبداء «الالتزام الملموس تجاه لبنان» يعني «دعم الأمن في لبنان والمؤسسات المكلفة مسؤولية حفظ الأمن، وأخصّها الجيش»، و«الوقوف الى جانب لبنان في وجه التحديات الناجمة عن الحرب السورية، لا سيما منها قضية اللاجئين والنزوح السوري»، ثمّ «دعم التعايش الذي يمثله لبنان والمجتمع اللبناني في هذه المنطقة الممزقة». لكنّ المصدر أكد أيضاً أنه «ليس في جعبة الرئيس الفرنسي أيّ أجندة سرية مخبّأة، بل إصرار على تأكيد الالتزام بلبنان والوقوف الى جانبه ودعم استقراره وأمنه ومؤسساته».
من جهة أخرى، ختمت محكمة التمييز العسكرية برئاسة القاضي طاني لطوف، أمس، محاكمة الوزير السابق ميشال سماحة في جرم نقل متفجرات من سوريا إلى لبنان، بهدف القيام بأعمال إرهابية. وأرجأت إعطاء الحكم إلى اليومين المقبلين، بعدما استمعت إلى مطالعة ممثل النيابة العامة التمييزية ووكيلي الدفاع والكلام الأخير لسماحة الذي دخل القفص عملاً بقانون أصول المحاكمات الجزائية ويستمر موقوفاً إلى حين صدور الحكم. ومن المتوقّع أن يصدر حكم يعيد سماحة إلى السجن مدة 18 شهراً.