من المسؤول عن وضع «حكومة المصلحة الوطنية» في الزاوية؟
وهل المدخل لمعالجة أزمة جهاز أمن الدولة يكون بتعميم الأزمات لتطال سائر الملفات وفي مقدمها أمن مطار بيروت الدولي، الذي يحط فيه السبت في 16 الحالي الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، مستهلاً من لبنان جولة تقوده إلى مصر والأردن، وتستمر حتى الثلاثاء في 19 من هذا الشهر، وفقاً للبيان الرسمي الصادر عن قصر الاليزيه؟
وهل ما آلت إليه جلسة مجلس الوزراء أمس من شأنه ان يُعيد بناء الثقة بعد الكلام عالي السقف على الطاولة والذي واصله الإعلام العوني بالحملة على الرئيس تمام سلام والوزراء: علي حسن خليل، نهاد المشنوق وعبد المطلب حناوي، معتبراً ان ما حصل هو «انفجار للقلوب المليانة»؟
وفي بحر هذه الأسئلة المعروفة الإجابة، وفي ظل أجواء من القنوط تحيط بالفريق العوني، مع تراجع فرص النائب ميشال عون في الوصول إلى الرئاسة الأولى، بدت سياسة النكايات تُهدّد لبنان بمرفأ حيوي من مرافئ اتصاله بالعالم الخارجي، هو مطار الرئيس رفيق الحريري الدولي، الذي كان من المفترض ان يتخذ مجلس الوزراء القرار اللازم لجهة تمويل تجهيز المطار بما يلزم ليصبح متماشياً مع المواصفات والمعايير الدولية، والتي تطالب بها منظمة الطيران العالمي «ايكاو»، وفي ضوء ما لمسه وزير الداخلية نهاد المشنوق من مطالبات لدى زيارته الأخيرة إلى لندن.
وكان الرئيس سلام استهل الجلسة، بعد التأكيد على أهمية انتخاب رئيس الجمهورية، وأن المجتمع الدولي يضغط بقوة لإنهاء الشغور، بالقول: «هناك عدد من الوزراء يشعرون بأن هناك مواضيع محددة لا تبحث مطولاً، ونحن اليوم امام جدول أعمال، ولدينا تحذيرات كثيرة بخصوص أمن المطار، لافتاً إلى انه في ظل عجز الحكومة «كل وزير فاتح على حسابو»، ولا توجد مقاربة واحدة للموضوع.
ولاحظت مصادر وزارية ان ملف أمن الدولة أطاح بملف أمن المطار، خصوصاً بعدما بدا واضحاً اتجاه فريق وزاري بعدم البت بأي مستحقات لقوى الأمن والأمن العام قبل البت بمستحقات أمن الدولة.
وفي هذا الإطار، أكدت وزيرة شؤون المهجرين أليس شبطيني لـ«اللواء» انها طالبت ببت هذا الملف نظراً لاهميته، لكن بعض الوزراء اعترضوا. وقالت: بالنسبة لي، طرح هذا الأمر كان أهم من ملف جهاز أمن الدولة وأن تأمين حماية المطار ضروري، متخوفة من ان تمتنع الطائرات الأجنبية من استخدام مطار رفيق الحريري الدولي كما ان يمنع إعطاء اذونات الهبوط للطائرات اللبنانية في المطارات الأجنبية.
وذكّرت بأنه في أيام الحرب، كان يستخدم مطار اورلي في فرنسا، وقالت: لا نريد ان نكرر هذا الأمر وأن بلدنا لا يسير من دون مطار وسياحة.
ورأت انها لا تعطي رأياً في ما هو مطروح بالنسبة إلى هذا الملف من دون مناقشته (في إشارة منها إلى ما هو مقترح من العقود والتجهيزات).
ودعت إلى اتخاذ إجراءات، بعدما حذّرت لجنة دولية من مغبة عدم الإسراع في ذلك، منتقدة الإشاعات التي تطاول امن المطار وبث دعايات تضر بسمعة لبنان، مؤكدة أيضاً ان القضايا الأمنية تستدعي بحثاً سريعاً وأن الأمن ممسوك في لبنان.
وفي معلومات «اللواء» ان مطارات عدّة حول العالم انذرت السلطات المعنية في مطار بيروت بأنها ستمتنع عن قبول هبوط طائرات تقلع من مطار بيروت في مطاراتها ما لم تتخذ إجراءات أمنية جدية تنهي الوضع الشاذ وتستجيب للمطالب والمعايير الملاحية الدولية، وفقاً لما وضعته اللجنة الوزارية، وكان من المفترض ان يُقرّ في مجلس الوزراء أمس.
هذا الأمر هو الذي دفع الوزير المشنوق إلى القول ان «طائفة جهاز أمن الدولة أهم من الحكومة ومن أمن المطار وقوى الأمن الداخلي والأمن العام».
ولم يتأخر الوزير جبران باسيل للرد «بأنهم لا يريدون حلاً لجهاز أمن الدولة، بل يريدون حل الجهاز»، معتبراً بأنه ليس هناك جهاز أمني مهم وآخر غير مهم.
وحرصاً على عدم تحميل مجلس الوزراد عبء الخطأ الذي وقع فيه بعض الوزراء المسيحيين والتشهير بقوى الأمن الداخلي واللعب على أوتار طائفية، طلب الوزير المشنوق شطب الكلام الطائفي من محضر الجلسة.
مجلس الوزراء
رفعت الجلسة إلى الثلاثاء المقبل، الا إذا طرأ ما يمنع انعقادها اصلاً، في ضوء النتائج التي آلت إليها المناقشات، والفشل في اتخاذ قرارات استمرار الاشتباك حول جهاز أمن الدولة، حيث علمت «اللواء» ان وزير المال علي حسن خليل سيصطحب معه إلى الجلسة الوثائق التي تنفي تهمة الوزير باسيل بأنه لا يوقع على معاملات الجهاز المالية، كما سيصطحب باسيل وثائق حول ما هو موقع من المدير العام ويضم موافقة وزير المال وجدول عن القضايا المتوقفة في رئاسة الحكومة، فما الذي حصل تماماً في الجلسة التي استمرت ثلاث ساعات، وأخذ منها النقاش حول أمن الدولة نصفها تقريباً؟
مصادر وزارية لفتت لـ«اللواء» إلى ان الجلسة كانت تسير وفق ما جرى الاعداد لها، أي دراسة البنود التي تتصل بامور النّاس، على ان ينتقل البحث بعد ذلك إلى الشؤون التنظيمية، والتي يتفرع منها ملف جهاز أمن الدولة.
وقالت انه بعدما جرى الاتفاق على بنود قبول هبات وسفر ونقل اعتمادات، وصل البحث إلى ثلاثة بنود بنقل اعتمادات مالية لمؤسسة قوى الأمن الداخلي، عندها تدخل وزير السياحة ميشال فرعون طالباً تأجيلها إلى حيث البت باعتمادات جهاز أمن الدولة، فرد عليه الرئيس سلام بأن الملف سيبحث في وقت لاحق من الجلسة، لكن الوزير فرعون ومعه الوزراء: آلان حكيم، وسجعان قزي والياس بو صعب وجبران باسيل اصروا على ان الطرح مالي، وأن الجهاز بحاجة إلى مخصصات كي يعمل، فالمؤسسات الأمنية تحارب الإرهاب ولا يجوز تعليق اعتماداتها.
وعلم ان هذا الملف فتح سجالاً عاصفاً بين الوزراء، تخلله تبادل اتهامات حملت الطابع الطائفي، على رغم تأكيد وزير المال انه لا يوقف معاملات مالية الا التي تحتاج إلى توقيعي المدير ونائبه وهي نفقات السفر للتدريب والنفقات السرية.
وتوجه الوزير خليل إلى الوزير جبران باسيل، بأنه لا يوقع على أموال أمن الدولة، بأن هذا الكلام كذب وكلام طائفي.
وتحدث الوزير قزي فقال انه بقدر ما يحصل تأخير في معالجة ملف أمن الدولة، بقدر ما يتطيف ويتمذهب، وبقدر ما يسرّع الحل يكون في إطار تفعيل جهاز من أجل أمن الدولة.
وسجل في هذا الإطار سجال بين قزي والوزير عبد المطلب حناوي.
ولدى احتدام النقاش، رفع الرئيس سلام الجلسة، قائلاً: لا اعرف إذا كنت سأدعو إلى جلسة الثلاثاء.
وعلمت «اللواء» ان الوزيرة شبطيني تدخلت لتقترح فصل الشق الإداري عن الشق المالي، أو التمويلي لهذا الملف وأن ما من شيء يحول دون حصول ذلك، لكن الرئيس سلام قال مشكلة أمن الدولة تمويلية تتعلق بالادارة وبالتالي لا يمكن تجزئة الأمر.
وأشارت الوزيرة شبطيني لـ«اللواء» ان هناك خللاً في النظام والقانون المتصلين بهذا الملف وأن ما من مشكلة طائفية قائلة: «جعلوها طائفية»، منتقدة عدم معالجة الملف منذ 11 شهراً»، وأوضحت انها تؤيد ان يعمل الجهاز وفق الأصول.
وكشف وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية نبيل دو فريج انه اتهم وزميله في تيّار «المستقبل» الوزير نهاد المشنوق بعدم الوقوف إلى جانب هذه القضية أو بالاحرى دعمها، وقال الوزير دو فريج انه لو لم يكن الأمر مطروحاً على جلسة الحكومة مع الاقتراحات للحلول ولو ان البحث تناول ملف أجهزة أمنية دون التطرق إلى جهاز أمن الدولة، لكان أوّل من ضرب بيده على الطاولة»، وطلب الاذن للكلام والحديث عن الملف.
واضاف: «كان ينقصنا كرة النار الطائفية وأنا لا أريد ان امسكها»، مؤكداً انه لم يوافق على الدخول في سجال يعود بنا إلى أيام الطائفية، ووصف الجلسة التي انعقدت أمس بأنها كانت «جلسة بهدلة ببهدلة».
زيارة هولاند
تجدر الإشارة إلى ان الرئيس سلام كان أبلغ الوزراء، في بداية الجلسة انه سيغادر الخميس إلى تركيا، وبالتالي فإن جلسة مجلس الوزراء ستكون يوم الثلاثاء المقبل، مشيراً إلى ان الرئيس الفرنسي سيكون في لبنان يوم السبت المقبل، من حيث المبدأ.
ولم يشر الرئيس سلام إلى أية تفاصيل تتعلق بزيارة هولاند، لكن لوحظ ان السفير الفرنسي في بيروت ايمانويل بون واصل أمس زياراته للقيادات السياسية لاطلاعها على طبيعة زيارة الرئيس الفرنسي، وهو زار أمس كلاً من الرئيس سعد الحريري ورئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمّد رعد، بعدما كان التقى أمس الأوّل رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل.
وفهم ان جولة السفير بون تتصل بإمكان دعوة القيادات السياسية اللبنانية إلى لقاء الرئيس هولاند في قصر الصنوبر، على اعتبار ان زيارته ستكون قصيرة، ولن تستغرق الا يوماً واحداً، يفترض ان يلتقي خلاله الرئيسين نبيه برّي وسلام في إطار محادثاته الرسمية، والتي ستتركز اساساً على بحث كيفية إنهاء الشغور في رئاسة الجمهورية.
وفي سياق متصل، كشف رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع في مقابلة مع تلفزيون المؤسسة اللبنانية للارسال L.B.C.I ان السفير الإيراني في لبنان محمّد فتحعلي طلب من دبلوماسيين غربيين ان يطلبوا من الفاتيكان باقناع النائب عون سحب ترشيحه لاجراء الانتخابات الرئاسية، مشيراً إلى ان الإيرانيين يريدون رئيساً غير جدي لعدم إقامة جمهورية قوية، معتبراً ان المرشح الضعيف قد يكون خطراً على لبنان أو لا يكون.
وأكّد جعجع انه يريد رئيساً قوياً للبنان، لافتاً إلى ان الاستراتيجية العامة لحزب الله هو انه بقدر ما تكون الدولة قوية يكون الحزب ضعيفاً وبقدر ما تكون الدولة ضعيفة يكون الحزب قوياً.
ومن جهته، لاحظ الرئيس الحريري ان المرحلة دقيقة جداً، وأن من واجبه البحث عن كل السبل لإخراج البلد من الصعوبات التي يواجهها، ودعا الحريري وفداً عكارياً زاره أمس في بيت الوسط الابتعاد عن الخطاب التصعيدي المتشنج والتزام خطاب الاعتدال، لافتاً إلى استهداف لتيار «المستقبل» الذي يُجسّد في ممارساته وخطه السياسي خط الاعتدال، مشيراً الى ان كل ما يقوم به من مساع ومبادرات هو لأجل إيصال البلد إلى بر الأمان.
الانتخابات البلدية: توافق ولا معارك
على الصعيد البلدي، حددت وزارة الداخلية والبلديات أمس مواعيد تقدير تصاريح الترشيح لانتخابات المجالس البلدية والمختارين والمجالس الاختيارية في دوائر محافظات بيروت والبقاع وبعلبك الهرمل، على ان تبدأ مهلة تقديم تصاريح الترشيح في 6 نيسان وتنتهي منتصف ليل الأربعاء 27 نيسان، وتنتهي مهلة الرجوع عن الترشيح منتصف ليل الاثنين 2 أيّار في دوائر المحافظات الثلاث.
وفي السياق، أثارت المعلومات التي اوردتها «اللواء» أمس، حول تقييم الأجهزة الأمنية للوضع الأمني في البلاد، اهتماماً سياسياً لا سيما بالنسبة للمهتمين باجراء الانتخابات البلدية من كل القوى السياسية والشعبية، خصوصاً وأن هذا التقييم السلبي للوضع لم يعد محصوراً بالأجهزة الأمنية، بل تعداه إلى قوى سياسية معنية تملك معلومات بأن الوضع الأمني سيء في كل المناطق، وعزته إلى أمرين اثنين:
الاول: الاهتراء الذي بلغته مؤسسات الدولة، في ظل الفضائح التي تطاول مختلف الأجهزة والقطاعات الأمر الذي من شأنه ان ينعكس على الأداء العام.
والثاني: التهديدات الإسرائيلية بعمل عسكري ما في الجنوب، والذي يأخذها «حزب الله» على محمل الجد، وثمة استنفار غير معلن من قبل الحزب تحسباً لهذا الأمر.
وازاء هذا التعتيم، لفتت مصادر المعلومات إلى ان الدولة امام احتمالين:
اما تأجيل الانتخابات البلدية مُـدّة ثلاثة أشهر، على الرغم من ان هذا الأمر متعذر لاعتبارات عديدة، لعل أوّلها ضرب مصداقية الدولة، مع ان هذه المصداقية باتت في الحضيض.
والثاني، وهذا هو القرار الارجح، ان تجري هذه الانتخابات في مواعيدها المقررة، لكن مع الحرص على ان تتم بالتوافق تجنباً لحصول معارك انتخابية محلية أو سياسية، قد يكون لها تداعيات أمنية.
وفي تقدير المصدر، ان ثمة قراراً كبيراً اتخذ بأن تتم الانتخابات بالتوافق، أو بالتزكية في المدن الكبرى، مشيرة إلى أن هذا الأمر لا يسري فقط على «حزب الله» وحركة «أمل» في مناطق الجنوب والبقاع، بل أيضاً على القوى المسيحية، لا سيما حزب «القوات اللبنانية» والتيار الوطني الحرب»، رغم انهما يحجمان عن فرض توافقهما على الآخرين، لئلا يفسر ذلك بأنه نوع من مصادرة القرار المسيحي، في حين ان تيّار «المستقبل» لا يُخفي دعوته بل سعيه الحثيث للتوافق في كل من بيروت وطرابلس وصيدا.
سماحة موقوفاً
قضائياً، أعيد الوزير السابق ميشال سماحة إلى السجن مجدداً أمس، في انتظار الحكم الذي يفترض أن تصدره محكمة التمييز العسكرية خلال اليومين المقبلين، بعدما ختمت المحكمة محاكمة سماحة في ضوء الاستماع إلى مطالعة ممثّل النيابة العامة التمييزية ووكيلي الدفاع والكلام الأخير لسماحة الذي سيستمر موقوفاً إلى حين صدور الحكم عملاً بقانون أصول المحاكمات الجزائية.
ولم تستبعد مصادر مطلعة أن يمدّد الحكم فترة محكومية سماحة لنفس المرة التي أمضاها في السجن قبل تركه.