في تجربتنا الكنسية بابٌ مفتوح على بثِّ الوعظ وترك ملذَّات وشهوات الدنيا ، لأنها دار ممرٍّ، وليست دار مقرٍّ، وما هي إلا قنطرة عبور إلى عالم الخلود والبقاء....رحم الله الأنبياء والأولياء الذين زهدوا في الدنيا وطيباتها لا رغبةً عنها ، بل احتجاجاً على من إستأثر بها واحتكرها لنفسه دون سواه ، وأرادوا بأن تكون الحياة وخيراتها للجميع ، والقضاء على الفوارق ليعيش الجميع في سلام وأمان ، فلا تكالب ولا تطاحن على أرزاق الشعوب ، ولا حقد ولا حسد على الرغيف.. شيخ الدين والسياسة يرغبان فيها ويدعوان الناس أن يزهدوا فيها لأنَّ الدنيا لاقيمة لها ، وأن التعويض يكون في عالم آخر....
إنها مستنقعات مهما تكن نظيفة وطاهرة فإن الأيام تعرِّضها للنجاسة والقذارة ، فهما يوزعان مواعظ وإرشادات على موائد اللئام ، ليبتاعا وجوه الناس الطيبة بثمن زهيد ، ويعرض الشيخ نواميسه للرغبات الحيوانية..ويعرض صاحبه السياسي الأعراض لرغبات الثعالب ، فينبت المجد والمال،وتنبت السلطة على الدم والتزهيد ، وأنا غسلتُ وجهي بماء خالصٍ وتوجهت للصلاة في محراب العبادة والخشوع والهذيان، وانتظرت دغشة الليل لصلاتي الشفع والوتر ، واعظاً البسطاء من الناس الذين أدركوا على غفلةٍ من العقل بأن الشيطان لا يدخل عمة شيخٍ أو شعر لحيته أو جيب جُبَّته،أو يدخل بيت سياسي أو مسؤول رفيع المستوى ، بدأت حنجرتي بالوعظ من دون مللٍ ولا تعبٍ ، عليكم بالصبر والتضحية وتهذيب النفوس وتطهير القلوب ، ولا تتبعوا خطوات الشيطان ناسياً نفسي لست معنياً بالخطاب،لأنني ملاكٌ تحرسني ملائكة السماء... وأكمل موعظتي بأن لا تشتموا الناس ،أما أنا فيحق لي أن أمدَّ لساني ورجلي لأنني أحرس شرع الله......
فالجاه والمال ينبتان النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل ، وأنَّ رسول الله (ص) قال: "العالم إذا أصاب كان شفاء ، وإن أخطأ كان داء"...والحسين (ع) قال:" الناس عبيد الدنيا، والدين لعق على ألسنتهم، يحوطونه ما درَّت معائشهم ،حتى إذا محصوا بالبلاء قلَّ الديَّانون"....لا أعرف زهد "عليٍّ عليه السلام" ولا أدعو الناس إليه ، وجُلَّ ما أعرفه هو أننا نعيش مع الزاهدين والواعظين في عصرالعثمانيين ، بعضها يشبه الحق ، كما ورد في مضمون الحديث "لماذا سُميت الشبهة شبهة ؟ لأنها تشبه الحق"....
وعلى باب خمَّارة غربية كتب كلاماً لحافظ الشيرازي ...." قبِّل ثغرها.....ويدَ بائع الخمر....ودع عنك يدَ بائع الزهد" وهنا نذكر كلاماً عن علي(ع) " لا يُقبِّل أحدكم يدَ أحد ، إلاَّ امرأته لشهوة ، أو ابنه من رحمة"....قطعاً رجال الدين ليسوا على مذهب الشيرازي لأنهم ضد الخمر والخمَّارة كما يزعمون ومع تخميير العقول كما يبثون...ولكن قطعاً مع مذهب علي (ع) فيزهدون الناس ولا ينهون عن تقبيل أياديهم البيضاء....إنَّ بعض الظن إثم ، فأغلب الظن أنهم يتاجرون بشيء عظيم....