لم يأخذ الأمر وقتا طويلا، إذ بعد يومين فقط من انتشار وثائق بنما، سقط أول شخص، حيث استقال رئيس الوزراء الأيسلندي، سيغمندور ديفيد غونلاغسون، أمس الثلاثاء، بعد الضغوطات الكبيرة والمطالبات باستقالته بعد ذكر اسمه في الوثائق المسربة.
والسؤال الآن هو من التالي؟ وإلى أي مدى سينتشر الضرر؟
الإجابة قد تكون انتشارا واسع النطاق، إذ أنه أكبر تسريب في التاريخ، إذ أن ضخامة الـ11.5 مليون ملف أو ما يعادل 2.6 تيرابايت من البيانات، تجعل من البرقيات الدبلوماسية التي نشرها موقع "ويكيليكس" تبدو قزمة بالمقارنة.
وتتحدث الوثائق عن 12 من قادة العالم الحاليين أو السابقين، و128 سياسيا وموظفاً حكوميا، وفقا للاتحاد الدولي للمحققين الصحفيين، الذي يقول إن شركة المحاماة في بنما "موساك فونسيكا"، ساعدت في إنشاء شركات وهمية سرية وحسابات خارجية لهم.
ومن بين أولئك الذين قد يتأثروا من التسريب:
رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون
يواجه كاميرون فعليا القليل من المشاكل، إذ أن مناورته لضمان إجراء استفتاء للناخبين حول اتخاذ قرار مغادرة الاتحاد الأوروبي أدت إلى انقسام في حزبه المحافظ، وقد ينتهي به المطاف على الجانب الخاسر بعد نهاية التصويت.
وفي خضم الميزانيات الضئيلة ودعوات للطبقة العادية من الشعب بالاستعداد للتقشف، يرى بعض الناس أنه يتمتع بالثراء والمميزات الفاخرة. ثم تأتي وثائق بنما لتظهر أن والد كاميرون الراحل، إيان كاميرون، استخدم خدمات شركة محاماة "موساك فونسيكا" لتجنب الاضطرار دفعه أي ضرائب على صندوق استثماره "بليرمور هولدينغز".
ولقائد دعا شعبه لـ"شد أحزمتهم على بطونهم" لأن الدولة ليس لديها الإيرادات الكافية من الضرائب، الكشف عن هذه المعلومات، التي لا تُوحي بأن رئيس الوزراء نفسه ارتكب أي شيء خاطئ، غير مرحب بها على الأقل.
وعندما سُئل كاميرون عن التقارير، رد قائلا: "أنا لا أملك أي أسهم، أو صناديق استئمانية في الخارج، أو أي أموال في الخارج، لا شيء من هذا القبيل."
الرئيس الأوكراني بيترو بوروشينكو
وفقا للاتحاد الدولي للمحققين الصحفيين، في آب 2014، كانت القوات الروسية تنتشر في شرق أوكرانيا، وأصبح بوروشينكو مالك الأسهم الوحيد في شركة "برايم أسيت بارتنرز" التي أسستها شركة محاماة "موساك فونسيكا" في جزر العذراء البريطانية.
والرئيس السابق لأوكرانيا، فيكتور يانوكوفيتش، كان مكروها لأنه استخدم أموال الحكومة لبناء قصر على 350 فدان، وشمل مكان للرماية وللفروسية وملعب تنس ورصيفا لليخوت.
والمشكلة لبوروشينكو التي تتمحور حول احتمال إخفاء ممتلكاته وتجنب الضرائب، حتى لو فعل ذلك من الناحية القانونية، هي أنه عند استبدال حاكم يستخدم السلطة السياسية لسرقة موارد بلده، من المفترض أن يكون بديله رجلا من الناس.
إلى جانب أن أوكرانيا بحاجة إلى عائدات الضرائب، ، إذ تتطلب الدولة دائما المساعدات المالية من الدول الأخرى.
ومن جانبه قال بوريشينكو في تغريدة على صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي، تويتر: "اعتقد أنني أول مسؤول رفيع في أوكرانيا تعامل مع مسائل حول متطلبات الإعلان عن أملاكه والضرائب المدفوعة وتضارب المصالح بصورة جدية."
رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف
وردت أسماء ثلاثة من أبناء رئيس الوزراء الباكستاني في الوثائق التي تربطهم بشركات خارجية تمتلك عقارات في لندن، وفقا لوكالات الأنباء المحلية.
ودعا بعض زعماء المعارضة لشريف إلى التحقيق في "الثروة التي خبأتها عائلته في الخارج." وذكرت الصحيفة الباكستانية "الأخبار" أن أبناء شريف حسين وحسن، وابنته مريم، ارتبطوا بعدد من الشركات في الخارج. وقال حسين إن جميع الشؤون التجارية كانت قانونية.
ولكن الشرعية القانونية قد لا تكون الأمر الأهم، إذ لزعيم بلد يبلغ فيه متوسط الدخل أقل من خمسة آلاف دولار في السنة، وبلد بحاجة ماسة للاستثمار الداخلي، قد ترسل فكرة وجود مال مخبأ في الخارج إشارات خاطئة.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين
تتحدث الوثائق عن مزاعم تتعلق بالمقربين من بوتين، رغم أن الرئيس الروسي نفسه ليس مذكورا بالاسم في أي من الوثائق، وتقول تقارير الوثائق المسربة إن هناك "شبكة سرية يديرها شركاء بوتين" أودعت ملياري دولار على الأقل من خلال بنوك وشركات في الخارج. وتتطرق الملفات لحوالي 100 صفقة تشمل شبكة من شركاء بوتين، بما في ذلك واحدة بيعت فيها حقوق للحصول على قرض بـ 200 مليون دولار مقابل دولار واحد، علماً أن بوتين لم يرد ذكره بالاسم في أي من هذه الوثائق.
إذا هل بوتين في ورطة؟ أنت تمزح بالتأكيد! بوتين هو الاستثناء الذي يُثبت القاعدة.
إذ نشر الكرملين الرد المجهز والفعال لجميع الأغراض: إنها "سلسلة من الأكاذيب" تهدف لتشويه سمعة بوتين قبل الانتخابات. إذ قال المتحدث باسم الكرملين، ديميتري بيسكوف، الاثنين: "تم إنشاء هذا المنتج من المعلومات ويُروّج له في وسطنا السياسي المحلي. هذا المنتج يستهدف جمهورنا المحلي. ورغم عدم ظهور بوتين بشكل مباشر فيه، ورغم ذكر دول أخرى، من الواضح، أن الهدف من هذا الهجوم الإعلامي هو رئيسنا، لا سيما في ضوء الانتخابات البرلمانية المقبلة، وعلى المدى الطويل، الانتخابات الرئاسية في عامين".
المشاهير ونجوم السينما ولاعبي الرياضة المحترفين
لم تتحدث وثائق بنما عن السياسيين فقط بل شملت الملفات المسربة نجوم السينما ولاعبي الرياضة المحترفين، أحد أبرزهم هو نجم كرة القدم الأرجنتيني، ليونيل ميسي. ووعد نادي برشلونة الإسباني عبر موقعه الرسمي، عن دعمه للبيان الذي أصدرته عائلة نجمه الأرجنتيني، ليونيل ميسي، والذي نفت فيها صحة التقارير التي تناولتها وسائل الإعلام الإسبانية، عن أن" وثائق بنما" المسربة قد اتهمت ميسي بالتهرب الضريبي.
ولكن هنا، أكثر من حالات السياسيين، فكرة أن عدم وقوع أي شيء غير قانوني قد تُنقذه في نهاية المطاف. إذ أن السياسيين مدينون لدولهم ومطالبون بالتضحية لمواطنيهم. أما نجوم الرياضة فقد أعلنوا على مر السنين عن سكنهم في الملاذات الضريبية، دون التأثير على شعبيتهم.
ومع ذلك، فإن الدخل المرتفع لأفضل الممثلين ونجوم الرياضة هو في الأساس نقل الثروة من ناس إمكانياتهم متواضعة، هؤلاء هم من يشتري التذاكر أو المنتجات التي يروّج لها النجوم. وسنرى إلى أي مدى سيصبر الجمهور على التعقيدات المالية، حتى تلك القانونية.
(CNN)