أن يدافع نقيب أطباء لبنان عن زملائه، أعضاء النقابة والجسم الطبي، فهذا واجب لا غبار عليه. أمّا أن يحمي النقيب أطباء لا يراعون قسم ابقراط المهني والأخلاقي، وينشر خيمة حماية فوق رؤوس الضاربين عرض الحائط بشرف المهنة وقداستها ، وحساسية مكانة الطب وارتباطه بحياة الإنسان وحقوقه وكرامته، فهذا شأنٌ آخر، قد يمكن معالجته داخل مجلس النقابة بالنقاش والتصويب والتصويت بالأغلبية على قرارات المجلس الهامة، أمّا أن يتطاول بعنجهية غريبة على قرار وزير الصحة بإقفال عيادة طبيب مُتّهم بعلاقة مشينة أخلاقيا ومهنياً مع شبكة اتجار بالبشر، فضلاً عن الاغتصاب وتسهيل الدعارة، فهذا يستدعي الاستهجان ومطّ الشفتين، فالنقيب لا يرى دوراً ما لوزير الصحة، أمام سلطة النقابة ورئيسها، وحُرمة عيادات الأطباء، والتّستُّر على مخالفاتهم القانونية والمهنية.في حين أنّ السلطة الأمنية في بلاد عديدة، تستطيع أن تقفل عيادة طبيب وتسوقه أمامها مخفوراً لمخالفته أبسط قوانين الولاية أو المدينة أو البلدية.
كل هذا بسيط، في لبنان، ويمكن توقّعه وتجاوزه، أمّا أن نكتشف عند النقيب ثقافة إنسانية عالية، ورؤية حداثية ثاقبة، فهذا هو العجب العُجاب، فالنقيب يهزأ من وزير الصحة لاقدامه على إقفال عيادة الطبيب الذي ما زال في نظر النقيب بريئاً، رغم سجل مئتي عملية إجهاض لفتيات يُجبرن على ممارسة الدعارة، فيقول بأنّ هذا التدبير الوزاري الشنيع ، كان جائزاً قبل هبوب رياح الربيع العربي، هكذا يفتح النقيب نقاش الحرية والثورة الذي أطلقه الربيع العربي، والذي أنهى عهود الاستبداد والظلم وامتهان كرامة الإنسان في تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا، حيث اندلعت أحداث هذا الربيع، الذي يستبشر به خيراً معالي النقيب، إلاّ أنّه لا يلبث أن يقع في سفسطة غريبة تبعده عن روح الديمقراطية ونسائم الحرية التي هبّت مع الربيع، فينهر الإعلامية بأنّه لا يسمح لها أو لغيرها بأن يسأله عن الحيادية التي يفترض أن يتحلّى بها أثناء مناقشة جرائم الطبيب الموصوفة، فينقلب الطبيب السفسطائي بلحظة واحدة من ديمقراطي حر ومتسامح، إلى استبدادي وقمعي ومتعجرف. ويبقى السؤال المُحيّر ؟
متى وصلت رياح الربيع العربي إلى لبنان؟ وكيف ينعم بفضائلها نقيب الأطباء، والجميع ساهون؟ كيف دخلت سراديب النقابة، ولم تلفح نسماتها مجلس النواب، لينتخب رئيسا للجمهورية؟ ومهما كانت بلّيتُنا عظيمة بنظامنا الطوائفي، فهي أعظم مع نقابات الأطباء ونقابات المحامين،حيث لا يجرؤ وزير على محاسبة طبيب أو محامٍ إلاّ بعد خراب البصرة.