تستمر عروض «سيرك» الفساد فوق مسارح الدولة اللبنانية، بكل ما تنطوي عليه من تشويق بوليسي ومفاجآت صادمة.
وبينما يكاد يصعب على اللبنانيين اللحاق بالإيقاع المتسارع لملفات الفضائح، استأنفت لجنة الاتصالات والاعلام النيابية رحلة التفتيش عن أسرار فضيحة الانترنت، من حيث انتهت في المرة السابقة.
أمس، حضر الوزراء المعنيون، والنواب الاعضاء، وممثلو القضاء والاجهزة الامنية وهيئة «أوجيرو».. لكن نصاب الحقيقة بقي غير مكتمل، في انتظار الانتهاء من سبر أغوار المغارة العميقة التي كلما تقدمت في داخلها، تكشفت أمامك حقائق إضافية وأسماء متورطة جديدة.
وبرغم صعوبة المهمة، في دولة المحميات والحمايات، فان اللجنة النيابية برئاسة النائب حسن فضل الله تبدو مصرة، حتى الآن، على مواصلة مغامرة البحث عن الحقيقة الكاملة، بعدما بلغت الفضيحة المتدحرجة حجما، بات يصعب معه على أي جهة ان تغطيها.
وبالترافق مع تدفق الفضائح، ارتفعت حرارة «خط التويتر العالي»، مع استمرار النائب وليد جنبلاط في إطلاق «صليات» من المعلومات والمعطيات التي أصابت لغاية الآن قضاة وأجهزة أمنية، فيما اعتبر وزير الداخلية نهاد المشنوق انه يتعرض وفريقه والاجهزة الامنية الى حملة من الافتراءات والادعاءات الكاذبة التي تهدف الى تشتيت الانظار عن المرتكبين الحقيقيين او ربما الانتقام من مسار التحقيقات في قضايا الفساد بالمديرية العامة لقوى الامن الداخلي.
ومع تداعي حجارة «دومينو» الانترنت، بدأت تتكشف اسماء المزيد من المتورطين او المشتبه فيهم، حيث جرى توقيف صاحب محطة الضنية بسام غ. على ذمة التحقيق، فيما تبين خلال اجتماع لجنة الاتصالات أمس انه أثناء تحقيق القضاء مع «رينو س.» حول أجهزة انترنت غير شرعية وُجدت في صنين، اشار الى انه كان مسؤولا عن تركيبها فقط وان ملكيتها تعود الى «توفيق ح.» الذي جرى التحقيق معه، فنفى أي علاقة له بتلك المعدات، لكن المدعي العام التمييزي القاضي سمير حمود قرر منعه من السفر.
وقد افضت جلسة لجنة الاتصالات الى الخلاصات الآتية:
- اتجاه القضاء، وتحديدا المدعي العام التمييزي سمير حمود، نحو التوسع أكثر فأكثر في التحقيقات، لتتعدى حدود الشركات الثلاث المتهمة بالتورط في فضيحة الانترنت غير الشرعي، الى مدى أوسع، برغم محاولة بعض الجهات حصر الملف بهذه الشركات وعدم توسيع نطاقه.
- إعادة قضية التحقيق في حادثة الاعتداء على العناصر الامنية في منطقة الزعرور الى القضاء العسكري، بعدما كان مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر قد أشار الى ان التحقيق مع عناصر مخفر بتغرين أظهر انهم لم يتعرضوا لاي اعتداء، فلفت انتباهه بعض النواب الى ان تقرير موظفي «أوجيرو» الذين كانوا في المكان أكد التعرض للعناصر الامنية، ما يستدعي على الاقل اجراء مواجهة بين هؤلاء الموظفين وعناصر المخفر الذين ينفون وقوع الحادثة لتبيان من يكذب ومن يقول الحقيقة.
وعلم ان المدعي العام المالي القاضي علي ابراهيم الذي كان قد تابع ملف الزعرور، أكد في اجتماع اللجنة، وخلافا لمعطيات صقر، ان المعلومات الواردة في تقرير فريق «أوجيرو» حول حصول الاعتداء صحيحة، الامر الذي دفع أحد النواب الى القول لـ «السفير» ان تضارب المعطيات بين القضاة أنفسهم، كما بين الجيش والاجهزة الامنية، يوحي بان هناك جزرا قضائية وأمنية في داخل الدولة، وليس جسما متناغم الوظائف والادوار.
- تأكيد وزير الدفاع سمير مقبل ان الجيش غير مسؤول عن الخلل الذي سمح بتركيب محطات الانترنت المخالفة، بل هو يتولى مؤازرة قوى الامن الداخلي المعنية بقمع أي مخالفات من هذا النوع.
وأبلغت مصادر نيابية «السفير» استغرابها لكون وزارة الداخلية كانت ممثلة في جلسة اللجنة بمختصين في الاتصالات بينما المطلوب حضور مختصين في الامن ليشرحوا كيفية تهريب الاجهزة الضخمة ثم تركيبها في أماكن مكشوفة من دون ان يتم ضبطها، خصوصا ان ما حدث يدفع الى الاعتقاد بان هناك تواطؤا او تقصيرا من البعض في قوى الامن الداخلي.
- رفض العديد من النواب الاكتفاء بآراء أعضاء اللجنة التي شكلها الوزير بطرس حرب من فنيين في هيئة «أوجيرو» لمواكبة التحقيقات، ودعوتهم القضاء الى الاستعانة بخبراء من خارج الهيئة، بغية رسم الصورة الكاملة والشاملة للفضيحة، ما يؤشر وفق أحد النواب الى انعدام الثقة في مصداقية الدولة التي تشكل «أوجيرو» جزءا من منظومتها.

أسئلة بري
ونقل زوار الرئيس نبيه بري عنه تأييده ما قاله النائب وليد جنبلاط لناحية وجود محاولة جدية للفلفة فضيحة الانترنت. وأضاف: ان هذه القضية غير قابلة للفلفة، وسنتابعها حتى النهاية، وهذا ما أبلغته للوزير بطرس حرب الذي وجدت ان رأيه من رأيي، ووفق ما شرح لي فان تفاصيل الفضيحة لا تصدق، خصوصا لجهة خطورتها.
وتابع: كنت قد حذرت من التنصت الاسرائيلي عام 2013، وطلبت متابعة الموضوع لجلاء ملابساته، لكن للأسف لم يستكمل، ولو ان الاجراءات الردعية والعقابية اتخذت آنذاك، لما كنا قد وصلنا الى فضيحة الانترنت.
ونقل الزوار ان السؤال الخطير الذي لا يزال يشغل بال بري هو كيف تم ادخال المعدات ومنها العملاق، ومن المسؤول عن ذلك ومن أي مرفق او مرفأ دخلت، ومن تولى تأمين التغطية. وأضاف: هناك اشارة ايجابية برزت بالامس حين قام المدعي العام المالي بتوقيف أحد المتورطين، آملا في البناء عليها.
وعُلم ان هذا الملف سيكون اليوم مدار بحث بين بري والنائب حسن فضل الله.
وأشار بري الى محاولات من قبل البعض لزيادة عامل الاستثمار في بعض مناطق بيروت، الامر الذي سيؤدي إذا ما استشرى الى خنق ما تبقى من الواجهة البحرية، وهنا تكمن مسؤولية الجميع، وزارات وقضاء وبلدية ومحافظة، من أجل التصدي لهذا التشويه ومنع هذه الجريمة من ان تكتمل.

جنبلاط مذهول
وعلى وقع الفضائح المدوية، قال النائب وليد جنبلاط لـ «السفير»: أنا أدرك ان مصداقيتنا كسياسيين ضُربت، خصوصا بعد أزمة النفايات، وأعرف ان بعض الناس لم يعد يصدقني عندما أتكلم حول الملفات التي تفوح منها الشبهات، لكن لا خيار امامي سوى ان أستمر في المحاولة لعلني أساهم قدر الامكان في الحد من خسائر الفساد المستشري، مع علمي بأزمة الثقة المستفحلة بين الناس والطبقة السياسية التي أنا جزء منها.
واوضح ان لديه شكوكا في امكانية ان تصل التحقيقات في قضايا الفساد المفتوحة الى نتائج حاسمة، مشيرا الى ان وزارة الداخلية والقضاء امام اختبار اثبات المصداقية والجدية في ملاحقة المتورطين في تلك الملفات. وأضاف: لم يحصل ان شاهدت في حياتي السياسية هذا القدر الواسع من الفساد المتغلغل في جسم الدولة والادارة.
ولاحظ جنبلاط انه يخوض المعركة لوحده تقريبا، «بل بلغتني أصداء انتقادات تُوجه الي من هنا وهناك»، متسائلا عما إذا كان المطلوب غض الطرف عن الارتكابات والمخالفات الحاصلة. وتابع: أين مرشحو الرئاسة مما يحصل، فأنا لم اسمع صوتهم بعد؟
ولفت الانتباه الى ان البعض في الجيش معني بفضيحة الانترنت غير الشرعي، إضافة الى عدد من كبار السياسيين والامنيين، مشيرا الى انه لا يهاجم المؤسسة العسكرية بل الفساد فيها، وهذا يقويها ولا يضعفها، لان معنويات العسكريين ترتفع عندما يكون الجيش نزيها.
وتساءل جنبلاط: للمناسبة، ما هو مصير القاعدة البحرية المعروفة بالقاعدة الشامية؟ أين اختفت، وهل لا تزال تابعة لملكية الدولة ام أصبحت تتبع لشخص معين؟
وفي ما خص قضية الاختلاسات التي ضبطت في قوى الأمن الداخلي، أشار جنبلاط الى انه يقال بان فتح هذا الملف يندرج في إطار تصفية حسابات بين العهد القديم والعهد اللاحق في قوى الامن.
وعن سبب مبادرته الى الخوض في ملفات الفساد الآن قال: هناك ملفات موجودة، وبعضها قديم - جديد، وعلى سبيل المثال ملف الانترنت فتحه النائب حسن فضل الله وأنا استكملته، وملف الاتجار بالبشر كشفه بالمصادفة أحد الضباط وأنا اتابعه.. والمهم ليس فتح الملفات بل الوصول بها الى نهايات حاسمة.
وكان جنبلاط قد كشف في تغريداته أمس عن ان «قاضيا من الصقور طلب من قاض مرؤوس التمهل في التحقيق في الشبكة غير الشرعية للانترنت، وان شبكة الدعارة التي اكتشفت تعمل منذ سنوات وبالتواطؤ مع المسؤولين الكبار في سرية الآداب».

المشنوق: لا حصانات
في المقابل، يوحي وزير الداخلية نهاد المشنوق بان في فمه الكثير من الماء، الذي لو أفرج عنه، لظهرت حقائق مدوية.
وحتى ذلك الحين، قال المشنوق لـ «السفير» انه سيكمل حتى النهاية التحقيقات التي تتعلق بالادارات والاجهزة التابعة لوزارة الداخلية، «وسأعلن عن النتائج التي نتوصل اليها علنا، لانه ليس لدينا ما نخفيه او نخاف منه».
وأكد ان أي لفلفة لن تحصل، ولن تكون هناك حصانات او حمايات لأحد، مهما علا شأنه. واضاف: في ما خص ملف شبكة العبودية تحديدا (الاتجار بالبشر) لا غطاء او مظلة فوق أحد، وكل شخص يثبت انه يتحمل مسؤولية ما، ستتم محاسبته، ايا كان سبب تصرفه وأيا كان الجهاز الذي ينتمي اليه والموقع الذي يشغله، ضمن قوى الأمن الداخلي.
واستهجن الحملات العشوائية التي تتعرض لها وزارة الداخلية، لافتا الانتباه الى ان هناك من يتعمد ان يزج باسم الوزارة في كل ملف، سواء كان يندرج ضمن صلاحياتها ام لا.
وبالنسبة الى فضيحة الانترنت، لفت الانتباه الى وجود بعض المبالغات في مقاربتها، متسائلا: هل يريدون حقا الوصول الى الحقيقة المجردة في هذا الملف، مهما كانت موجعة وقاسية؟ وأكد استعداده للتعاون مع لجنة الاتصالات النيابية، لافتا الانتباه الى انه لم يتلق دعوة لحضور جلسة الامس.