على مدى أكثر من ساعة ونصف الساعة استفاض الأمين العام حسن نصرالله بالحديث عن الشيخ الجليل العارف محمد تقي بهجت، عبر شاشة المنار هذه المرة وبمقابلة مسجلة كانت أقرب ما يكون إلى درس ديني داخلي منها إلى إطلالة تلفزيونية عامة.
فقناة المنار التي تحولت أقرب ما يكون إلى قناة حزبية داخلية منها إلى قناة عامة بعد أن امتصت الميادين "مويتها" السياسية وانتشارها وباتت تهتم أكثر بالتعبئة الحزبية والتوجيه الخاص، فيما تكفلت الميادين بإبراز المواقف المتعلقة بالشأن السياسي أو بالتوجه من خلالها إلى الرأي العام، ومن هنا بالتحديد لم نلحظ لهذه الإطلالة أيّ متابعة أو رصد حتى من الدوائر المقربة للحزب والبعيدة نسبيًا عن المحيط الضيّق إن صحّ التعبير.
لا شكّ أنّ للشيخ بهجت رحمه الله الذي يجهله معظم جماهير الحزب وحتى الكثير من كوادره الجدد شأن عظيم ومكانة رفيعة من حيث الأخلاق والآداب العرفانية الشخصية، واشتهر عند عارفيه بالزهد والتقوى والتواضع بدون أن يكون له أو يعرف عنه آراء سياسية أو مواقف تتناول الشأن العام، وأكثر ما ينقل عنه رحمه الله هو هذه الحكايات والقصص المتعلقة بالخيرة وأسرارها التي راح الإيرانيون يحبكون حولها القصص والروايات ويشطحون بخيالاتهم في سبكها وإخراجها كما جرت عليها عاداتهم منذ القدم لدرجة أنّ الشيخ بهجت رحمه الله كان يتفاجأ من معظمها كما ينقل عنه مقربون.
الملفت بمقابلة سماحة السيد كان محاولاته الجديدة وفي هذه اللحظة بالذات إقحام الشيخ بهجت شخصيًا وما يمثل من قيمة تقوائية ذاتية بحركة المقاومة والإنتصارات التي تحققت مع العدو الاسرائيلي والإيحاء أنّ " الأسرار " الغيبية التي لا يعلم بها حتى المجاهدون أنفسهم كانت هي العامل الأساس فيما تحقق وبالتالي محاولاته الايحاء أنّ هذه الغيبيات والماورائيات هي الآن حاضرة كذلك وتساهم هي الأخرى أو سوف تساهم بما يجري من حروب ومعارك حتى بعد وفاة سماحة الشيخ !
لقد ركز كثيرًا سماحة الأمين العام على ضرورة العودة إلى تعاليم وتوجيهات الشيخ بهجت في الوقت الذي إن أردنا استحضار مؤلفاته وما تركه من آثار يمكن الركون والعودة اليها فإنّنا سوف ننصدم بأنّ ما خلفه الشيخ لا يعدو أكثر من كتب فقهية وحوزوية لا علاقة لها لا ببناء الشخصية وحتمًا لا مدخلية لها بالتأسسيس لرؤية سياسية ولا تتناول الشأن السياسي ( مناسك الحج - كتاب الطهارة - رسالة توضيح المسائل - دورة كاملة في الأصول - حاشية على مكاسب الشيخ الأنصاري) يبقى الاستنتاج الوحيد هو القول أنّ سماحة السيد أراد التوجه هذه المرة لمحازبيه للقول لهم، أنّ ما تسمعوه من إخفاقات لسياسات حزب الله بالخصوص في الحرب السورية وما يمكن أن ينتج عن تسوية سيكون الحزب فيها هو الخاسر الأكبر بعد هذا الكم الهائل من التضحيات فإنّكم لن تستطيعوا إدراكه أو حتى تلمس الألطاف الإلهية فيها لأنّ حزب الله لا يعتمد على الأمور الحسية والظروف الموضوعية في خياراته وإنّما يعتمد قبل كل شيء على الأمور الغيبية وما عليكم أنتم إلاّ التسليم والإنقياد بدون أي تساؤل !!
فإذا كان مصير رواية خروج السفياني من درعا والتهيئة لظهور الإمام المهدي كما أخبرنا الحزب في بدايات الحرب قد تهافتت وانقضى مفعولها فإنّ استحضار الشيخ بهجت وحكايات الإتصال المباشر بالسماء هذه المرة ما هي إلاّ محاولة جديدة للهروب من الواقع المؤلم والمساءلة المطلوبة والمحاسبة المفترضة نحو من لا يسأل ولا يحاسب وهو الغيب.