بعد انحسار الأحداث الدامية المأساوية التي رافقت الحرب الأهلية حتى مطلع التسعينات من القرن الماضي، وبدء تطبيق اتفاق الطائف الذي وضع حداً لهذه الحرب، وأدخل لبنان في ميثاق جديد يرعاه دستور الطائف، ويشرف على تطبيقه سلطة الوصاية السورية، والمفروضة قسراً من الرئيس الراحل حافظ الأسد، وما لبث نظام الوصاية أن نظّم أول انتخابات نيابية بعد الحرب، أي بعد عشرين سنة من عمر برلمان عام ١٩٧٢.
وصل الرئيس نبيه برّي إلى رئاسة المجلس النيابي، الذي قاطعته الأكثرية المسيحية، ولم يلتفت الشريك الإسلامي إلى الميثاقية المفقودة تلك الأيام.فقد تربّع الرئيسين الحريري وبري في الرئاستين الثانية والثالثة، ودخلوا في المحاصصة الثلاثية المشهورة مع الرئيس الراحل الياس الهراوي، أمّا في المجال الشيعي فقد تقاسم بري المقاعد النيابية مع حزب الله، ووزّع بعض المغانم على فلول الزعامات التاريخية، آل الزين في النبطية، وعسيران في الزهراني، والخليل في صور، وبعض رموز العائلات والعشائر في منطقة بعلبك الهرمل والملتحقة أصلا بحركة أمل أو حزب الله، مع الاحتفاظ بحصّة رمزية للأحزاب الموالية للوصاية السورية(حزب البعث والحزب القومي السوري).
واستاثر بري بالمناصب الوزارية والإدارية والأمنية، مقابل تأمين التغطية الشرعية لقيام حزب الله بأدواره الموكلة إليه من الولي الفقيه في طهران، والشروع في تأسيس مقاومة مسلّحة في جنوب لبنان ضد الاحتلال الإسرائيلي، وهذا ما أدّى فيما بعد إلى نشوء شبه دولة في رحم الدولة اللبنانية الأم، وتكريس الهيمنة الدائمة للوسط الشيعي في جنوب لبنان وبقاعه والضاحية الجنوبية من بيروت، وهذا ما سيؤدي فيما بعد إلى الهيمنة الكاملة للثنائية الشيعية( حركة أمل وحزب الله) على المجال الشيعي السياسي والعسكري والاجتماعي والأهلي، بتقاسُمٍ واضح بعد مناوشات بسيطة لا تخدش طبيعة التحالف وتنتهي دائما باتفاقات راسخة، وهذا ما تأكّد في الانتخابات البرلمانية عام ١٩٩٦، إذ نشأ خلافٌ جدي بين الطرفين، فتدخلّت سلطة الوصاية واستدعت الرئيس بري والسيد نصرالله إلى عنجر، وأملت عليهما اتفاقاً ملزما، كان من ضحاياه الوزير السابق عبد الله الأمين.
إلاّ أنّ أول مواجهة حصلت بين الطرفين كانت عام ١٩٩٧ في الانتخابات البلدية والاختيارية، وتكرّرت المواجهة عام ٢٠٠٣، وقد سمحت هذه المواجهات بنوع من المشاركة للعائلات والقوى المستقلة عن الطرفين. حتى وصلنا للعام ٢٠١٠ ،حيث تمّ القضاء على هذه الفسحة البسيطة من المشاركة الشعبية المستقلة في إدارة شؤون البلديات، وذلك بعد تحالف الحركة والحزب في لوائح موحدة، يصبح اختراقها ضرباً من الخيال، وهكذا اكتملت الهيمنة الثنائية، في كافة مؤسسات الدولة ومرافقها العامة.
نقول هذا القول ، ونتذكر هذه الأحداث، لمناسبة حلول الاستحقاق البلدي خلال الشهرين القادمين، وإذ أطلّ التحالف الثنائي برأسه من جديد، فلا يبدو أنّ هناك بارقة أمل باختراق جدرانه المُسيّجة بالمال والسلاح،منذ أكثر من عشرين عاماً، إلا ما ندر، أو ما رحم ربك وهو الرحمن الرحيم.