ساهمَ خبَراء عسكريون بريطانيون في إعادة وضع الخطط الوقائية للحدود اللبنانية وبناءِ أبراج تسمح بالإمساك أكثر والسطيرة على المسارب الحدودية كافة. هذه الخطوة قد تكون أثارت البعض في سوريا كون وظيفتها ستصبح دائمة مستقبلاً، لكنّ الظرف الحالي يبدو أولوية على ايّ احتمالات مستقبلية.

والأهم ما أبلغَته القيادة العسكرية الاميركية الى الوفد العسكري اللبناني برئاسة قائد الجيش العماد جان قهوجي خلال زيارته الاخيرة لواشنطن، وهو أنّ على الجيش اللبناني أن لا يهتمّ أبداً بموضوع الاموال وطريقة تسديدها، خصوصاً بعد القرار السعودي بتجميد المساعدات العسكرية، وأنّ واشنطن ستتكفّل بذلك مرحلياً في انتظار إجلاء الصورة مستقبلاً.

وعلى هذا الأساس يستمرّ تصنيع طائرات «السوبر توكانو» الستّ في البرازيل لكي يتسلّمها لبنان قبل نهاية السنة الجارية. وسيشكّل دخول هذه الطائرات الى الخدمة الفعلية انعطافةً اساسية في فعالية الجيش وقدراته على الإمساك بكلّ الجبهات والقدرة على ضرب أيّ خطر قد يواجه الاستقرار الامني في لبنان.



أمّا لماذا هذا الكلام الآن؟



أوّلاً، بسبب الهزيمة القاسية التي تلقّاها تنظيم «داعش» في تدمر. ووفقَ تقديرات الخبراء العسكريين الغربيين فإنّ هذا التنظيم سيحاول تعويض خسارته بتوجيه ضربة قوية في مكان آخر، وقد يكون لبنان إحدى الساحات التي يفكّر بها، خصوصاً أنّ المعارك التي شنّها «داعش» على «النصرة» في جرود القلمون جاءت بعد اتهام التنظيم الجبهة بالدخول في ترتيبات الهدنة ثمّ التسوية مع النظام السوري من خلال قطر، وأنّ «داعش» يرفض ذلك ويريد القتال والمواجهة حتى الموت. وهذه إشارة كبيرة لا بدّ من أخذِها في الحسبان.



وثانياً، لأنّ التحضيرات الدولية باتت متقدّمة لتوجيه ضربة نهائية الى «داعش» في العراق وسوريا. صحيح أنّ ساعة الصفر تنتظر حسم المسائل العالقة في المفاوضات السلمية حول مستقبل سوريا، لكن التوقّعات الغربية تتحدث عن صيف ساخن، خصوصاً في منطقة «الرقة» السورية أو عاصمة تنظيم «داعش» في سوريا. وهذا سيعني استعمال قيادة هذا التنظيم كلّ أوراقها الارهابية، ولبنان ليس بعيداً من ذلك.



وثالثاً، إثر النكسة المعنوية التي رافقَت القرار السعودي بإلغاء المساعدات العسكرية، للإشارة الى أنّ الاستقرار الامني في لبنان هو قرار خارجي كبير وليس استنساباً داخليّاً قابلاً للخربطة. وبالتالي فإنّ هذا القرار لا تقف في وجهه المسائل المالية على أهمّيتها، وبالتالي يجري تركُها إلى المراحل اللاحقة وللقنوات المعنية. أمّا غير ذلك فإنّ الأولوية هي للميدان.

ومن هنا فإنّ الخاصرة التي اعتُبرت ضعيفة ورخوة، أي عرسال وجرودها، باتت أكثر من محصّنة، وأيّ خطر عسكري بات قابلاً للاحتواء والمعالجة.



أمّا خطر الأعمال الإرهابية في الداخل اللبناني فهو مسألة أُخرى وتخضَع لحسابات مختلفة:



أوّلاً، على صعيد المخيّمات الفلسطينية، ولا سيّما منها مخيّم عين الحلوة الذي أظهرَت اشتباكات العام الماضي فيه تنامي قوّة التنظيمات الاسلامية بمقدار كبير، فإنّ معالجات كثيرة وهادئة حصلت طوال الاشهر الماضية وأفضَت الى نتائج جيدة.



وخلال اشتباكات الايام الاخيرة والتي اندلعت على خلفية حادثة فردية من دون خلفيات سياسية، بدا أنّ الجبهة الاسلامية الواسعة التي سادت المخيّم العام الماضي تفكّكت وبدا حضور حركة «فتح» أقوى من السابق. وظهرت «عصبة الأنصار» بلا مساندة التنظيمات الاسلامية، خصوصاً بعد التواصل والتنسيق الحاصل بينها وبين السلطات الامنية اللبنانية.



وهذا التنسيق، لا بل التعاون المستجد، شملَ أيضاً تنظيم «الشباب المسلم». وفي ما خصّ كوادر «داعش» في المخيم فإنّ عدداً كبيراً منهم غادرَ المخيم للقتال في الرقة، ما يعطي إشارة واضحة الى عدم وجود إمكانات جدّية لاستخدامه. مع الاشارة الى أنّ المخيم يخضع للمراقبة القوية، إن كان عند مداخله، أو مِن خلال عيون أمنية داخله أو عبر وسائل التجسّس الالكترونية لبنانياً ودولياً.



ثانياََ، على صعيد التفجيرات الارهابية، فإنّ الاجهزة الامنية اللبنانية نجحت في تنظيف لبنان من أيّ مراكز متخصّصة في تفخيخ السيارات، واعتقلت خبَراء في هذا المجال، خصوصاً بعد النجاح في إقفال المعابر الحدودية مع سوريا.



ومعه بدا أنّ العودة الى مسلسل السيارات المفخّخة بكمّيات كبيرة من المتفجّرات أصبح صعباً جداً واحتمالاته ضئيلة جداً ولو أنّها تبقى موجودة. وقد تمّ أيضاً ضرب الخلايا النائمة وملاحقتها، ولو أنّ القضاء عليها بكاملها مسألة شبه مستحيلة.



وتقول أوساط غربية معنية إنّ الاجهزة الامنية اللبنانية على اختلافها نجحت في نسج شبكة تعاون وتنسيق متناقضة استفادت منها كثيراً، وكان ابرز هذه المجالات تعاون بعضها مع «حزب الله» الذي لديه معلومات غنية في الداخل اللبناني، وفي الوقت نفسه مع اجهزة غربية، خصوصاً المخابرات الاميركية التي ساهمت بمعلوماتها المستقاة من اجهزة التنصّت المتطورة التي تملكها، بالحدّ من مخاطر انتقال الارهابيين جواً، خصوصاً من تركيا الى الداخل اللبناني عبر مطار بيروت، وبحراً، أضِف الى ذلك المراقبة القوية لمصادر تمويل هذه الخلايا.



وبدت واشنطن راضية على هذا التعاون الذي قامت به الاجهزة الامنية اللبنانية والذي جمعَ بينها وبين «حزب الله» عبر الدولة اللبنانية، ما يَدفع لاحتمال تطويره مستقبلاً. لكنّ ذلك لا يمنع خطر احتمال تسلّل إرهابيين وتفجير أحزمة ناسفة أو عبوات صغيرة يحملونها، وهذا الخطر قائم كلّ لحظة ولو أنّ الأجهزة الامنية اللبنانية متيقّنة لذلك.



ثالثاً، يبقى واقع مطار بيروت الدولي، وهنا مبعَث القلق. وقد فتِح هذا الملف جدّياً مع تحرّك شركة الطيران الفرنسية لدى السلطات اللبنانية إثر معلومات تلقّتها من المخابرات المركزية الاميركية عن عزم «داعش» على تفجير إحدى طائراتها عبر مطار بيروت.



باختصار، الاستقرار الأمني بعنوانه العريض محفوظ ومضمون، أي أن لا مخاطر جدّية من عواصف أمنية، لكنّ احتمال حصول اعتداءات واهتزازات محدودة يبقى قائماً: أحزمة ناسفة أو عمليات إرهابية محدّدة.



والمشكلة أنّ همساً يدور في الكواليس حول تصاعد الضغط على لبنان، وبالتالي احتمال حصول اختراقات أو استهدافات يصبح قائماً ابتداءً من منتصف الشهر الجاري، وهو ما يَجعل احتمال تأجيل الانتخابات البلدية قائمة، حيث تبدأ المرحلة الأولى من البقاع أو المنطقة الموضوعة تحت المجهر الأمني. مع العِلم أنّ أهداف التوتّر هي أبعد بكثير من الاستحقاق البلدي. وخلال الاجتماع الأخير لمجلس الأمن المركزي أبدى أحدُ الأجهزة الأمنية الخشية من ذلك.