لم يستطع الزعيمان الشيعيان العراقيان عمار الحكيم رئيس المجلس الأعلى الإسلامي، ومقتدى الصدر زعيم التيار الصدري، الحفاظ على توافقهما الكبير الذي ظهر خلال الأسابيع الماضية تزامنا مع الاحتجاجات العارمة التي قادها الصدر لتسريع عملية تشكيل حكومة جديدة، والذهاب به بعيدا ليحوّلاه إلى تحالف جديد ضمن البيت السياسي الشيعي.

وبعد أن أظهر الزعيمان اللذان ينتميان إلى نفس الجيل تناغما كبيرا في المواقف من عملية الإصلاح وتشكيل حكومة تكنوقراط، وبدا أنهما بصدد تشكيل تحالف جديد على أنقاض التحالف الشيعي القائم، وبمواجهة حزب الدعوة الإسلامية بقيادة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، سرعان ما تفرّقت السبل وتناقضت المصالح بين الصدر والحكيم بعد أن اكتشف الأخير أن لـ”صديقه الصدر” ست حقائب في حكومة “التكنوقراط” الموضوعة بين يدي البرلمان لمناقشتها والتصويت عليها قريبا، فيما المجلس الأعلى بصدد خسارة حقائبه في الحكومة الحالية، وأهمها وزارة النفط.

ورغم حديث مقربين من المجلس الأعلى بشكل واضح عن “خديعة الصدر”، إلاّ أنّ عمار الحكيم صبّ جام غضبه على رئيس الوزراء متّهما إياه بالتفرّد بتشكيل حكومة تكنوقراط دون إشراك الكتل السياسية.

وقال خلال مؤتمر صحافي عقده بمقر المجلس الأعلى ببغداد “فوجئنا كما فوجئ الآخرون بالتعديل الوزاري، ولدينا ملاحظات عديدة عن طبيعته ومساراته، ونعتقد أن عملية الإخراج للتعديل الوزاري لم تكن موفقة”.

وأضاف “لا نقبل استبدال حكومة فاسدة بفاشلين، يجب أن ندقق الاختيار، ولذلك دعونا العبادي إلى ترشيح شخصيات تكنوقراط ولكن بالتشاور مع القوى السياسية، وعدم تجاوزها لأن ذلك يقود إلى المخاطرة بالنظام الديمقراطي”.

وتابع نحن “منفتحون على جميع الاحتمالات والخيارات لمعاجلة الأزمة السياسية الخانقة، من خلال التشاور مع التحالف الوطني وباقي القوى السياسية والتعامل مع مؤسسات الدولة لإعادة العقلانية والتوزان للعملية السياسية”.

وتمتلك كتلة الحكيم 28 مقعدا في البرلمان العراقي، من أصل 328 مقعدا، و3 وزراء في الحكومة الحالية هم عادل عبدالمهدي وزير النفط، وباقر صولاغ وزير النقل، وعبدالحسين عبطان وزير الرياضة والشباب، ولم يرد ذكر أحد منهم في قائمة الحكومة الجديدة المقترحة.

وبلغ غضب الحكيم من العبادي حدّ التلويح بإسقاطه واختيار آخر بدلا منه.

ونقلا عن القيادي في المجلس حميد معلة، فإن الحكيم فوجئ بتشكيلة المظروف المغلق الذي سلّمه العبادي الخميس الماضي لرئيس مجلس النواب، سليم الجبوري، بعد أن كان تفاهم في آخر اجتماع عقده مع العبادي مطلع الأسبوع الماضي على اختيار وزيرين “تكنوقراط” يرشحهما المجلس من خارج تنظيماته، واتفقا أيضا على أن يختار العبادي اثنين من مرشحي التيار

الصدري واثنين آخرين يرشحهما إبراهيم الجعفري وحسين الشهرستاني مع استمرار ممثل منظمة بدر محمد سالم الغبان في منصب وزير الداخلية لإضفاء “التوازن السياسي” على الحكومة المرتقبة المؤلفة من 16 وزيرا.

ويضيف معلة أن حيدر العبادي أخل بالتوازن المتفق عليه عندما خضع لضغوط زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر ومنحه 6 حقائب وزارية وحرم 4 أطراف أساسية في التحالف الوطني؛ المجلس الأعلى وتيار الجعفري وجماعة الشهرستاني وحزب الفضيلة.

وكان عمار الحكيم الذي ظهر في اجتماع الهيئة السياسية لمجلسه متوترا وغاضبا، قد هدد العبادي صراحة بسحب الثقة منه إذا أصر على التمسك بتشكيلته التي قدمها إلى رئاسة مجلس النواب الخميس الماضي، واختيار شخصية أخرى من التحالف الوطني باعتباره أكبر الكتل بدلا منه، متجنبا الحديث عن تأييد ثلاث كتل رئيسية في التحالف هي التيار الصدري وائتلاف دولة القانون ومنظمة بدر، للعبادي.

ونقلت وكالة العباسية نيوز عن الأكاديمي والناشط السياسي صباح السعداوي قوله إن تشكيلة المظروف المغلق قسّمت التحالف الوطني وحولته من تحالف هش إلى تكتلات متناحرة، مستبعدا أن ينجح الحكيم في تنفيذ ما سماه بالتوازن الذي كرّر ذكره كثيرا في خطابه الأخير.

ويضيف السعداوي أن زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي مضطر للوقوف مع حيدر العبادي ومجبر على دعمه، ليس حبّا فيه، ولكن خشية ضياع رئاسة الوزراء من حزب الدعوة الذي يرأسه المالكي وينتمي إليه رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي. والأمر نفسه ينطبق على منظمة بدر التي ضمنت الاحتفاظ بحقيبة وزارة الداخلية بيد محمد سالم الغبان، في حين سيكون التيار الصدري أكبر داعم للعبادي بعد أن فاز بحصة الأسد في الحكومة المقبلة.

ووفق ما يراه مراقبون سياسيون في بغداد، فإن العبادي رغم اعتراضات بعض حلفائه بالتحالف الوطني، مطمئن إلى تمرير تشكيلته الوزارية الجديدة في مجلس النواب بعد أن ضمن لصالحه أكثر من ثلثي نواب التحالف وأغلب نواب اتحاد القوى

السنية، وهو واثق بأن التحالف الكردي سيؤيده عندما لوح باستعداده لمنحه 3 وزارات مهمة هي النفط، وأيضا وزارتي الإسكان والصناعة والتجارة بعد دمجهما في وزارة واحدة.

 

صحيفة العرب