يواجه تنظيم داعش وضعاً مالياً أكثر من صعب وكارثي، جعله عاجراً عن دفع رواتب مقاتليه أو تمويل عمليات خارجية أو هجومات داخلية، وفق ما أكدت صحيفة واشنطن بوست نقلاً عن مصادر أميركية رسمية، الأحد.
وأوضحت الصحيفة أن الإدارة الأميركية واثقة أن الضربات الجوية القاسية التي تعرضت لها مصادر داعش المالية من نفط وغاز ومصارف جعلت التنظيم عاجزاً حتى دفع رواتب المنتمين إليه.
وضع صعب
وأكدت الصحيفة "لأول مرة أكد رسميون في الإدارة الأميركية، أنهم يملكون أدلة قاطعة وحاسمة على الصعوبات المالية المتزايدة للتنظيم، خاصة في ظل تزايد الأدلة على فساد وتورط قيادات كبرى في التنظيم في قضايا فساد وسرقة وتحويل وجهة أموال".
وأضافت الصحيفة أن المشاكل المالية العويصة للتنظيم أجبرت قياداته في سوريا والعراق، خاصة إلى الاكتفاء بدفع نصف الراتب العادي لمقاتليه، في حين أكد منشقون عن التنظيم أنهم لم يتسلموا رواتبهم منذ أشهر، قبل هروبهم، إضافةً إلى اضطرارهم إلى دفع ضرائب ورسوم مرتفعةٍ بشكل مبالغ فيه.
الضربات وأسعار النفط
وأرجعت الصحيفة حسب المصادر الأمريكية المشاكل المالية للتنظيم، إلى الضربات القاسية التي تعرض لها التنظيم، على امتداد أشهر من الغارات الجوية المستمرة التي طالت مؤسسات التنظيم، وهدمت أعداداً كبرى من آبار النفط والغاز والبنوك وملاذات أخرى سرية كان التنظيم يُخفي فيها أمواله وأملاكه.
وقالت الصحيفة إن الضربات التي استهدفت آبار النفط ومصافي التنظيم قلصت موارد التنظيم بما يُعادل الثلث، وفق مصادر استخباراتية أميركية، أما الموارد الإجمالية المتأتية من تجارة النفط وتهريبه فتقلصت حسب المصادر نفسها إلى النصف، بسبب انهيار الأسعار العالمية إلى جانب الضربات الجوية، ما عقد مهمة التنظيم في إنتاج مشتقات نفطية كثيرة مثل الغازولين.
ونقلت الصحيفة عن نائب وزير المالية الأميركي المكلف بمكافحة تمويل الإرهاب، دانييل غلاسير:"لدينا أدلة لأول مرة، أن الضربات مؤثرة فعلاً"، ولكن ذلك لا يعني أنهم "عاجزون عن الحصول على الأموال، أوأننا سنكتفي بما تحقق".
وأضافت الصحيفة أن الصعوبات الكبرى التي تعترض داعش مردها أيضاً خسائره البشرية القاسية، بعد استهداف عدد من القيادات المتخصصة في توفيرالسيولة وتأمينها للتنظيم مثل وزير المالية حاجي إمام، الذي قضى في غارة جوية قبل أسبوع.
خسائر ميدانية
وإلى جانب ذلك مثلت الخسائر العسكرية للتنظيم في الأشهر الأخيرة سبباً إضافياً في تراجع الإيرادات المالية للتنظيم، الذي خسر 40% من الأراضي التي كان يُسيطر عليها السنة الماضية، ما يعني تراجع مداخيله من الضرائب والإتاوات والجرائم المالية والابتزاز والمساهمات المالية التي كان يستخلصها طوعاً أو غصباً من المدنيين في المناطق الخاضعة لسيطرته.
وبالتوازي مع هذه الصعوبات أصبح داعش عاجزاً عن تمويل ضرباته وفروعه الخارجية التي تحاول العمل تحت لوائه والإفادة من موارده الضخمة كما في السابق.
ونقلت الصحيفة عن المستشارة السابقة في مكافحة تمويل الإرهاب في وزارة المالية الأمريكية كاثرين باور، أن فروعاً كثيرة كانت تكسب أموالاً ضخمةً بفضل داعش، ولكن عدداً منها لم يعد يتمتع بما يكفي من تمويلات رغم عدد المقاتلين الذين يرسلهم إلى العراق وسوريا.
وأوضحت الصحيفة نقلاً عن مصادر استخباراتية أن الوضع المالي الجديد دفع بقيادات داعش في الخارج، وبعد الهزائم الكثيرة التي تعرض لها، أصبحت مجبرة على الابتكار ومحاولة اكتشاف طُرق جديدة لتعويض النقص المالي والمادي الكبير الذي أضحت تعاني منه.
ورغم أن بعض الأطراف تستبعد انهيار دعاش بسبب مشاكله المالية، وفق ما يقول الخبير العراقي العسكري هشام الهاشمي، الذي يؤكد أن داعش" لا يزال يُسيطر على 60% من نفط سوريا و5% من نفط العراق".
ولكن في ظل الوضع السيء للمورد الأساسي لداعش أي النفط، لا يبدو داعش اليوم قادراً على تجاوز الصعوبات بسهولة.
ولكن الولايات المتحدة وحلفاءها، يؤكدان أن داعش فقد الكثير من قدراته المالية السابقة، رغم صعوبة المهمة، فداعش الذي كان أكثر المنظمات الإرهابية ثراءً في العالم، بثروة تقدر بـ700 مليون دولار بعد سيطرته على عدد من المدن الكبرى العراقية، فقد اليوم الجزء الأكبر من أمواله وخسرها بسبب نفقاته على امتداد السنتين الأخيرتين ولكن أيضاً بسبب الضربات الجوية الموجهة.
مخازن في مرمى الطائرات
ونقلت الصحيفة عن المتحدث باسم التحالف الدولي في العراق العقيد ستيف وارن، أن الضربات استهدفت عشرات ملايين الدولارات، التي كافح التنظيم بشراسة للحصول عليها وتأمينها، في حين تؤكد مصادر أخرى أن حجم خسائر داعش يفوق مئات الملايين من الدولارات، بسبب سذاجة التنظيم في هذا السياق بعد تخزينه ملايين الدولارات في أماكن مختلفة، ولكن ذلك لم يمنع طيران التحالف من الوصول إليها.
هجمات باريس
وأكدت الصحيفة في هذا الإطار أن الولايات المتحدة تأخرت في ضرب الأهداف المالية للتنظيم في السابق، خوفاً من تعقيد إعادة إعمار سوريا والعراق بعد الحرب، ولكن بعد الهجمات ضد باريس، أمر الرئيس باراك أوباما بشن غارات مكثفة لشل قدرات التنظيم المالية، وهو ما ترجمه الطيران الأمريكي إلى تنفيذ أكثر من 200 غارة ضد آبار نفط ومصافٍ نفطية وخطوط نقل بترول وشاحنات، وذلك بهدف وضع حدّ لمصادر تمويله، التي كانت تؤمن له في نصف مليار دولار من تهريب النفط عبر تركيا وسوريا.
(واشنطن بوست - 24)