«فتّش عن السلطان»! تكاد تكون هذه العبارة، أو شيء من روحها، الأكثر تداولاً في تغطيات وسائل الإعلام الحكومية الروسية التي تشير بأصابع الاتهام الى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عند كل تصعيد في روسيا أو حولها. من محاولات تأجيج الوضع في القرم الى تزايد سخونة الأحداث في منطقة شمال القوقاز أخيراً، وصولاً الى انفجار المواجهة في إقليم قره باخ المتنازع عليه بين أرمينيا وأذربيجان.
بعض المعلّقين ذهب أبعد من ذلك، وبات يتّهم أنقرة علناً بـ «البلطجة» و «الابتزاز».
ولكن، بعيداً من الخطاب الناري الذي يهبط بالمواجهة الروسية– التركية إلى درجة كيل الشتائم و «الردح الإعلامي»، يكاد المحللون الروس أن يُجمعوا على أن أنقرة تحاول توظيف كل الأوراق التي تملكها لممارسة ضغوط على موسكو، في مواجهة ضغوط روسية تستخدم ورقتي تأليب المعارضة داخل تركيا، وتشجيع طموحات الأكراد السوريين ضد مصالحها.
والخبر السيّئ في كل الأحوال، ان المواجهة التي تركزت في سورية بين موسكو وأنقرة باتت نارها تهدد بالانتشار على طول «جغرافيا المواجهات التاريخية» بين السلاطين والقياصرة.
وهناك من يذكّر بمجموعة تحركات سبقت اندلاع المواجهات الأخيرة في قره باخ، أبرزها زيارة الرئيس الأذري إلهام علييف لتركيا منتصف الشهر الماضي والتي أحيا خلالها الشعار القديم عن «أمة واحدة ودولتين»، في إشارة الى درجة الالتصاق التاريخي والعرقي بين اذربيجان وتركيا.
يعتبر الجانب الأرمني ان علييف حصل خلال هذه الزيارة على ضوء أخضر تركي بالتصعيد، ما يفسّر خروج المواجهات الحالية عن دائرة «الخروق المحدودة» لنظام وقف النار في قره باخ المفروض منذ العام 1994 برعاية روسية وإقليمية ودولية. وفي هذا الإطار تندرج وفق محللين روس، الزيارات المكثّفة لمسؤولين أتراك تردّدوا إلى باكو أخيراً.
ويبدو الاتهام واضحاً، فالرئيس التركي أراد تأجيج نزاع في الحديقة الخلفية لروسيا، بالتوازي مع تسخين الوضع في القوقاز الروسي، عبر عودة نشاط المسلحين في داغستان وتنفيذهم تفجيرات اخيراً، ما دفع محللين روساً إلى التذكير بأن انفصاليي الشيشان «كانوا يجدون ملجأً آمناً في تركيا» طوال فترتي الحرب في الشيشان. يحدث هذا من وجهة نظر الروس، بالتوازي مع «محاولات لتأليب تتار القرم» الذين تربطهم بتركيا علاقات تاريخية وثيقة، أو بكلمات أخرى «التدخُّل في شؤون روسيا الداخلية» كما يردّد مسؤولون.
وبرزت أخيراً محاولات تولاّها ممثلو تتار القرم، للاحتجاج ضد ما وُصِف بأنه «استهداف روسي» للتتار بعد ضم القرم. وهنا أيضاً كرّر الروس: فتش عن السلطان! واللافت أمس أن أذربيجان أعلنت وقفاً للنار في حين تعهد أردوغان أن تقف تركيا معها «حتى النهاية».
وتبدو المواجهة الروسية – التركية في سورية مرشّحة للتمدُّد، او على الأقل هذا ما يلوِّح به الطرفان، في لعبة «كسر العظم» التي يخوضها السلطان والقيصر، ويمكن أن تجرّ أطرافاً أخرى ليست بعيدة من مرمى النار، لأن تأجيج النزاع بين أذربيجان وأرمينيا، يستهدف إيران ايضاً كما يقول بعضهم. معروف أن طهران حافظت تقليدياً على علاقات وثيقة مع يريفان، ولم تُخفِ دعمها خلال الحرب الأذرية - الأرمنية بين عامي 1992 و1994.