كانت رنا (اسم مستعار) في السادسة عشرة من عمرها عندما جاء أحد الأشخاص وعرض عليها عملاً في أحد فنادق بيروت. عندما وصلت رنا إلى المعاملتين في ساحل كسروان، وجدت نحو عشرين صبية بكامل زينتهن في صالون الفندق، وعلمت أنهن مرغمات على .. ممارسة البغاء. صرخت وعلا صوتها إلى أن أخذها المسؤول إلى غرفة جانبية لتتحدث بالهاتف إلى الرجل الذي استقدمها إلى لبنان. قال لها الرجل، الذي تبين الآن أنه متهم بالاتجار بالبشر، أن تهريبها إلى لبنان كلفه ألفي دولار، فإما أن تدفعها فوراً أو تعمل لمدة ثلاثة أشهر لكي تردها. بعدها، أخبرها صاحب الفندق أنها مرغمة على العمل سواء قبلت أو رفضت، بعدما صفعها على وجهها مرات عدة.
منذ تلك اللحظة بدأت رحلة عذاب رنا مع 74 فتاة سورية نازحة لا تتجاوز أكبرهن السابعة والعشرين من عمرها، وفق المعطيات التي علمت بها «السفير» حول قبض مفرزة استقصاء بعبدا على واحدة من أضخم شبكات الاتجار بالأشخاص التي ينطبق عليها القانون 164/2011، الخاص بالاتجار بالأشخاص.
جريمة الاتجار بالبشر لم تقتصر على خداع السيدات وجلبهن من سوريا وتشغيلهن في البغاء بالقوة، وعبر سجنهن في دهاليز فندقَي «سيلفر» و«شيه موريس» في المعاملتين، بل أيضاً على تعنيفهن وتعذيبهن وصولاً إلى قطع لسان إحداهن والتسبب بوفاة أكثر من واحدة، وإجراء أكثر من مائتي عملية إجهاض، وفق اعترافات الطبيب «ر.ع.» لقوى الأمن الداخلي، ووفق ما أكدت أكثر من ضحية تمكنت «السفير» من مقابلتهن أمس.
وأفادت رنا لـ «السفير» أنها كانت ورفيقاتها يُرغَمن على ممارسة الجنس مع عشرة إلى عشرين رجلاً لكل امرأة من بينهن في الليلة الواحدة. يبدأ العمل منذ العاشرة صباحاً ولغاية السادسة من فجر اليوم الثاني.
تجلس السيدات في صالون الفندق بكامل زينتهن تحت طائلة التعذيب والجلد على أسفل القدم لكل متخلفة عن تحضير نفسها بما يجذب الزبون إليها. يدخل الزبائن ويستعرضون النساء وينتقون من يريدون من بينهن ويصطحبون كل واحدة إلى غرفة جانبية لمدة ربع ساعة بسعر خمسين الف ليرة أو ساعة كاملة بمئة الف ليرة لا تقبض منها الفتاة أي قرش.
وكانت كل فتاة لا تحصل في ختام يوم العمل على «إكراميات» من الزبائن (يستولي عليها مشغلها). كما تعاقب بالجلد من عشر جلدات إلى عشرين جلدة، وفقاً لتهمة التقصير الملصقة بها، إذ هناك عقوبة للتي لم تطلِ أظافرها جيداً، وأخرى للتي لا يفوح جسدها برائحة طيبة ومغرية، وعقوبة ثالثة للتي لا تبتسم وتحسن إرضاء الزبون. وطبعا كان ممنوعا عليهن الاحتجاج ورفض ممارسة الجنس مع من لا يرغب باستعمال الواقي الذكري، وغالباً ما تفرض عليهن ممارسات «مقرفة» وفق ما وصفنها، وكذلك ممارسة الجنس الجماعي.
والأسوأ في الموضوع، أن أكثر من ضحية تم توقيفهن ، ولكن كضحايا لا كمتهمات، أكدن أنه تم توقيفهن سابقاً من قبل أحد الأجهزة الأمنية ولكن كان يتم الإفراج عن الشبكة مما يسهل لمشغليهن إعادة استغلالهن، إلى درجة قلن فيها إنهن ظنن «أن لا دولة في لبنان تحميهن». وعلمت «السفير» أن صاحب فندقَي «سيلفر» و «شيه موريس» موقوف منذ ثلاثة أشهر في سجن روميه، وهذا ما يطرح سؤالا عن كيفية استمرار الشبكة بالعمل في فندقَين لرجل متهم بالاتجار بالبشر.
بدأت عملية القبض على الشبكة، وفق مصادر قوى الأمن الداخلي، بعدما تمكنت أربع سيدات من الفرار يوم الجمعة العظيمة عند الطوائف الكاثوليكية «حيث كان يوم عطلة ولا زبائن في الفندق». كان هناك حارسة واحدة فاتفقت ثماني فتيات على تقييدها، ومن ثم أخذن مفتاح الباب وتمكَّنَّ من الهروب. إثر صراخ الحارسة والضجة تمكن حراس الخارج من القبض على أربع فتيات هاربات فيما نجحت أربع أخريات بالهرب، وتمكّنّ من استئجار سيارة، وفكرنّ بالانتقال إلى الضاحية الجنوبية ليطلبن الحماية من جهة نافذة هناك قد تتعاطف مع معاناتهن كما قلن. يقول أحد المصادر الأمنية أن سائق الحافلة (وهو متعامل مع القوى الأمنية)، اتصل بمفرزة بعبدا وأخبرهم بالأمر فطلبوا منه المجيء بالفتيات إلى المفرزة.
بعد ذلك، بدأت عملية الاستقصاء والتدقيق في أماكن تشغيل السيدات إلى أن تم تحرير الـ75 ضحية من أماكن مختلفة نقلها إليها التجار بالبشر. بقي لدى القوى الأمنية، وفي مأوى لجمعيات مدنية تهتم بالنساء 45 سيدة، فيما غادرت الأخريات إلى منازل أقارب لهن.
وفي الحصيلة، هناك 17 موقوفا بتهمة الاتجار بالبشر، بينهم سبع حارسات كُنَّ ضحايا اتجار ومن ثم تم تحويلهن إلى حارسات ومشاركات في تعذيب السيدات الضحايا بعدما خف الطلب عليهن. وتوارى كل من «ع.ح.» و «ع.ر» عن الأنظار، ولم تتمكن القوى الأمنية من القبض عليهما حتى الآن، وهما الرأسَين المدبرَين للعصابة.
كما تقدمت قوى الأمن بطلب إلى نقابة الأطباء لرفع الحصانة عن الطبيب «ر.ع.» وشريكيه (طبيب البنج والممرضة) بعدما اعترف بإجراء مائتي عملية إجهاض للسيدات اللواتي حملن. يذكر أن طبيب البنج توارى عن الأنظار أيضاً.
وأفادت السيدات الضحايا أن مشغليهن كانوا يرغمونهن على ممارسة البغاء حتى خلال الدورة الشهرية. وخضعت الضحايا لعمليات جانبية مثل استئصال أورام ناجمة عن أمراض تنتقل جنسياً. وهناك تفاصيل كثيرة تتعلق بقبض أزواج بعض السيدات وأهلهن مبالغ مالية لقاء تشغيلهن وتسليمهن إلى التجار بالأشخاص في بعض الحالات.
السفير