طلبت روسيا أمس من نظام بشار الأسد إبداء المرونة خلال المفاوضات مع المعارضة، فيما أثارت مجزرة دير العصافير في الغوطة الشرقية التي ارتكبتها طائرات الأسد، غضباً دولياً. وقالت واشنطن إن تلك المجزرة «المروعة» تُعد خرقاً للهدنة، فيما حذرت باريس من أن عمليات القصف التي يقوم بها النظام تقوض احتمالات السلام.

  ففي موسكو قال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف في مؤتمر صحافي عبر الهاتف أمس: «نأمل أن تستمر هذه المشاركة (لوفد النظام) بطريقة بناءة... وإظهار المرونة اللازمة بالطبع في إطار الحدود الممكنة».

  وأضاف: «يجب أن تشمل المفاوضات الجميع... بما في ذلك الأكراد من أجل التوصل إلى حل دائم حقيقي... وتمكين السوريين من تقرير مصيرهم بأنفسهم«.   وفي سياق متصل، وصف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أمس تقارير عن اتفاق مزعوم بين روسيا والولايات المتحدة بشأن مصير الأسد بأنها «تسريبات قذرة».

وقال خلال مؤتمر صحافي «شركاؤنا الأميركيون لا يستطيعون التشكيك علناً في هذه المعادلة التي تنص على أن... الشعب السوري وحده هو الذي يقرر جميع الأمور المتعلقة بمستقبل سوريا«. وأضاف: «من خلال هذه التسريبات القذرة التي تشوه الواقع، نرى بوضوح عجز واشنطن عن إجبار بعض حلفائها في المنطقة وأوروبا... على منح الشعب السوري الحق السيادي في تقرير مصيره واختيار من سيقوده«.   وأعلنت وزارة الخارجية الروسية في بيان أن لافروف تحادث هاتفياً الجمعة مع نظيره الأميركي جون كيري، وتركز الاتصال على البحث في كيفية تعزيز وقف إطلاق النار في سوريا.   وقال البيان إن الاتصال الهاتفي بين لافروف وكيري «جرى في الأول من نيسان بمبادرة أميركية».

وتابع أن المسؤولين ناقشا خصوصاً «الإجراءات الملموسة الكفيلة بتعزيز وقف إطلاق النار في سوريا»، الذي بدأ العمل به في نهاية شباط الماضي، ويتم التقيد به بشكل إجمالي برغم بعض الخروق.   وتطرق الوزيران أيضاً الى كيفية تحسين وصول المساعدات الإنسانية الى المناطق المحاصرة، وسبل مكافحة الإرهاب في سوريا.   وشدد البلدان حسب البيان على «الدور الأساسي» للتعاون العسكري الأميركي في هذه المجالات، كما كرر لافروف الدعوة الى إغلاق الحدود بين تركيا وسوريا «التي تُستخدم بشكل ناشط» حسب موسكو لإرسال إسلاميين عبر تركيا الى سوريا.  

وأفاد البيان أيضاً أن هذه المسألة تتطلب «الاتفاق على الإجراءات اللازمة في أسرع وقت ممكن ومن ضمنها عبر مجلس الأمن».   واتهمت روسيا تركيا بتسليح تنظيم «داعش» في سوريا من خلال منظمات غير حكومية تركية تمرر الأسلحة تهريباً، وذلك في رسالة إلى مجلس الأمن الجمعة.   وكتب السفير الروسي لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين في رسالة مؤرخة في 18 آذار، أن «المزود الرئيسي للأسلحة والمعدات العسكرية لتنظيم «داعش» هو تركيا من خلال منظمات غير حكومية».

  وأضاف أن منظمتي «بيسار»، و»ايليكدر» ومؤسسة الحريات وحقوق الإنسان أرسلت قوافل تحمل «معدات مختلفة» للجماعات المسلحة المتطرفة، وضمنها تنظيم «داعش».   وكان الملف السوري حاضراً خلال لقاءات الرئيس الأميركي باراك أوباما على هامش قمة الأمن النووي في واشنطن، حيث استقبل أول من أمس الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، وجاء في بيان البيت الأبيض أن أوباما واردوغان بحثا «التعاون بين الولايات المتحدة وتركيا في مجالات الأمن الإقليمي ومكافحة الإرهاب والهجرة».

  وقالت وزارة الخارجية الأميركية في بيان لها، إن الولايات المتحدة «روعت« بالغارات التي شنها طيران الأسد في بلدة دير العصافير «ضد مدرسة ومستشفٍ في ريف دمشق، ونحن ندين بأشد العبارات جميع الهجمات التي تستهدف المدنيين مباشرة«.   وذكر بيان الخارجية الأميركية أن نظام الأسد تعهد بالتنفيذ الكامل للقرار 2254 الصادر من مجلس الأمن للأمم المتحدة، والذي يدعو إلى وقف فوري لجميع الهجمات ضد المدنيين«.   وفي باريس، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية رومان نادال إن الهجوم «الذي استهدف عمداً مدنيين، يُظهر أن النظام يواصل ممارساته وينتهك الهدنة». وأضاف «أن هذا العمل الدنيء يهدف الى ترويع الشعب السوري وتقويض جهود الأسرة الدولية لحل سياسي» للنزاع.

وتابع نادال أن فرنسا «تدعو النظام الى وقف كل هجوم ضد المدنيين والمعارضة المعتدلة فوراً«.   وقال المرصد السوري أمس إن حصيلة قتلى المجزرة ارتفع إلى 33 شخصاً معظمهم أطفال ونساء.    وعلى الرغم من المجازر، تواصل المدن والبلدات والقرى السورية للجمعة الخامسة على التوالي التظاهر تأكيداً منها على الاستمرار في الثورة إلى أن تُحقق مطالبها في الحرية والعدالة والكرامة، وإسقاط النظام بكل رموزه وأشكاله، فيما أكدوا أمس وحدة سوريا ورفض التقسيم حيث حملت الجمعة اسم «لا للفيدرالية«.  

وتزامنت التظاهرات مع ذكرى استشهاد أول ثمانية شهداء في مدينة دوما في غارات جوية شنها النظام على المدينة، وبدأت قبل صلاة الجمعة في دوما بريف دمشق، حيث خرجت مظاهرة حملت لافتات تؤكد على عجز القصف والحصار الذي تفرضه قوات النظام والميليشيات التابعة له عن قتل الثورة والقضاء عليها، كما أكدت على التعاون وتوحيد الأهداف والمصالح بين فصائل الثوار مثل «جيش الإسلام» و«فيلق الشام»، وندد المتظاهرون بالمجازر وأبرزها مجزرة دير العصافير أول من أمس، وشهدت بلدة سقبا تظاهرات أيضاً.  

كما توزعت المظاهرات على بلدات ومدن: معرة النعمان، وكفرنبل، وبنش، وكفردريان في إدلب؛ الجيزة في درعا؛ حي الوعر بمدينة حمص؛ ومناطق عدة في حلب وريفها الغربي والريف الشمالي ومناطق أخرى نادت بالحرية وإسقاط نظام الأسد وطالبت بوحدة البلاد ورفض مشاريع التقسيم.   وفي سياق آخر، ذكرت وكالة دوجان التركية للأنباء أن رجلاً يشتبه في أنه قتل طياراً روسياً بعد أن أسقطت مقاتلة تركية طائرته بالقرب من الحدود السورية في تشرين الثاني الماضي اعتقل بسبب حادث آخر.  

واعتقلت السلطات التركية ألبارسلان جيليك وهو أحد المقاتلين التركمان المدعومين من تركيا المعارضين للقوات الحكومية في شمال سوريا في مدينة ازمير الساحلية على بحر إيجه الخميس مع 13 شخصاً آخرين.  

ونقلت وكالة دوجان عن مصادر في الشرطة القول إنها ليست لديها معلومات عن مزاعم قتل جيليك للطيار الروسي وإن اعتقاله مرتبط بإدانة سابقة لم تحدد الوكالة طبيعتها والتي سيقضي وفقاً لها عقوبة بالسجن لمدة 30 شهراً.   ولم يكن لدى شرطة ازمير المزيد من المعلومات حول اعتقال جيليك.

وأضافت الوكالة أن ممثلاً للادعاء سأل جيليك عن دوره في قتل الطيار الروسي لكن محاميه اعترض قائلاً إن السؤال لا علاقة له بسبب اعتقاله.    وقالت الوكالة إن جيليك ومن اعتقلوا معه احتجزوا بعد أن تم استدعاء الشرطة لأنهم كانوا يحملون أسلحة.

المستقبل