على الرغم من التحذيرات الأمنية من اختراق إسرائيلي لشبكات الانترنت غير الشرعي، لا تزال القوى السياسية حتى الساعة تقارب الملف من زاوية مالية، من دون أن تُظهر أي جهة أمنية جديةً في تحقيقاتها للتثبت من حجم الخرق الأمني.
وفي مقابل احتمالات الخرق الإسرائيلي لقطاع الاتصالات في لبنان، وشبكات الانترنت غير الشرعية، تبدو مسألة تجسس الاستخبارات الفرنسية «الأكيدة» على أحد المصادر الرئيسية «للانترنت الشرعي» في لبنان، الذي كشفت عنه الصحافة الفرنسية في الصيف الماضي، آخر هموم السلطة اللبنانية، مع بقاء هذه القضية قيد التجاهل، على الرغم من خطورة الاعتداء على «الأمن القومي اللبناني».
فبحسب المعلومات، وما كشفته الصحافة الفرنسية في تمّوز الماضي (مجلة «لونوفل أوبسرفاتور» على سبيل المثال)، فإن الاستخبارات الفرنسية الخارجية حصلت في كانون الثاني 2008 على إذن من الرئيس الفرنسي السابق نيكولاي ساركوزي للتجسس على كابلات الاتصالات المائية، من خلال قاعدة تجسس في جنوب فرنسا، وهي ثاني أكبر قاعدة في أوروبا.
ويحصل لبنان على الانترنت الشرعي على نحو رئيسي من الكابل البحري «IMEWE»، الذي يمتد من مرسيليا (جنوب فرنسا) إلى بومباي (الهند)، مروراً بطرابلس اللبنانية. وقد وصفت الصحافة الفرنسية هذا الكابل بـ«الاستراتيجي لمراقبة الاتصالات الواردة من سوريا إلى فرنسا»، وبالتالي لمراقبة الاتصالات اللبنانية.
ومنذ أن بدأ العمل بـ«IMEWE»، أتيح للاستخبارات الفرنسية أن تتجسس عليه. وبحسب المعلومات، فإن الشركة التي تخزّن «داتا» الاتصالات، هي شركة أورنج المعروفة بارتباطها وعلاقتها بإسرائيل، وهي تخزّن المعلومات لمدة خمس سنوات. ولأن هيئة «أوجيرو» منعت الشركات اللبنانية المزوّدة للانترنت من الاتصال فيما بينها، وربط شبكاتها، أصبح أي تعامل عبر الانترنت في لبنان يحتاج إلى التواصل التقني مع المركز في مرسيليا، ومن ثمّ الاتصال بلبنان، ما يعني أن أي لبناني يريد إرسال «إيميل» إلى عنوان لبناني، لا بدّ للرسالة أن تصل إلى مرسيليا أوّلاً، ومن ثمّ يجري تحويلها إلى لبنان، ما يسمح بوضع كامل داتا اللبنانيين عبر الانترنت في مرمى تجسس الاستخبارات الفرنسية الخارجية.
واللافت، أن السلطات المعنية، من وزارة الاتصالات إلى الأجهزة الامنية والقضائية، وضعت رأسها في الرمال، ولم تسائل السلطات الفرنسية عن حقيقة الأمر، ولم تكلّف نفسها عبء البحث عن الحقيقة أو التحرّك لحماية الأمن المعلوماتي لملايين المواطنين والمؤسسات اللبنانية، كما فعلت دول أخرى متضررة من التجسس الفرنسي.
كلّف حرب لجنة
لمتابعة ملفّ الشبكات على رأسها اليد
اليمنى ليوسف
من جهة أخرى، مرّ اتهام النائب وليد جنبلاط للجيش ولوزير الدفاع سمير مقبل في فضيحة شبكات الانترنت غير الشرعية من دون أي ردّ من المعنيين. وغرّد جنبلاط عبر حسابه على موقع تويتر بأنه «بدأ تخفيف وقع التهريب بفضيحة الانترنت، وذلك بحصر الموضوع بالخسائر المالية من دون تحديد المسؤول. كيف لا، وقد حضر في اجتماع اللجنة النيابية وزير الدفاع سمير مقبل وممثل عن الجيش وعبد المنعم تمساح... عفواً يوسف»، مشيراً إلى أن «الفريق المشتبه فيه والقسم الأكبر منه على الأقل، حضر ليحقق مع نفسه، طبعا بدلاً من اقالة هذا الفريق، وغداً سيجري طمس هذا الموضوع وربما الادعاء على مجهول في تهمة تهريب وتركيب الشبكة وسرقة المال العام».
ويوم امس، كلّف وزير الاتصالات بطرس حرب لجنة فنيّة لمتابعة ملف الشبكات، وعلى رأسها مدير المعلوماتية في هيئة «أوجيرو» توفيق شبارو، وهو اليد اليمنى لرئيس الهيئة عبد المنعم يوسف! وقالت مصادر متابعة للفضيحة إن «هذا التعيين يؤكّد عدم جديّة حرب في متابعة القضية للوصول إلى الحقيقة، إذ إن عبد المنعم يوسف، وفريق عمله، هم في أقل تقدير متورطون بسوء الإدارة».
وتذكّر المصادر بقضية متصلة بفضيحة الانترنت غير الشرعي، وهي قضية شبكة «الفايبر أوبتكس» التي جرى تمديدها عام 2013 بكلفة 55 مليون دولار ولم يجرِ تفعيلها حتى اللحظة. ويتذرّع «يوسف بأن هناك أجزاءً في الشبكة مخالفة للمواصفات، علماً بأنها تخضع لنظام «sedic»، وهو نظام عالمي يحدّد المواصفات». وتقول المصادر إنه «إذا كان هناك عيوب في التنفيذ، تتولى الدولة بما يسمى استلاما أوليا، وتعدّ لائحة بالمخالفات والعيوب في التنفيذ، ويُطلب من المقاول تصحيح عمله ويُمنح مدّة من الوقت، وإذا لم يصحّح أخطاءه، تكلّف الدولة متعهداً آخر إصلاحها على حسابه، وتسحب ضماناته وكفالاته»، مضيفةً «كل هذا لم يحصل، بل أبقوا الشبكة من دون استلام ثلاث سنوات، وهذا ليس فقط هدرا للمال العام، بل يعدّ أيضاً تواطؤا لعدم تأمين الانترنت للناس بصورة شرعية وبكلفة أقل وبمستوى اعلى من الجودة».
وتلفت المصادر إلى الموقف الذي عبّر عنه حرب في جلسة اللجنة النيابية الأخيرة، سائلة: «كيف يتحمل الوزير أن يأخذ بصدره مسؤولية ذلك بقوله إن شبكة الفايبر من مسؤولية وزارة الاتصالات لا أوجيرو؟».
وتقول مصادر نيابية أخرى إنه «اتضح أن يوسف في المرحلة الماضية كان يمنح تسهيلات تقنية لشركة ت. ح. التي توزّع الانترنت، حتى يتمكن الأخير من الحصول على الأفضلية على باقي الشركات بالحصول على أكبر عدد من المشتركين». وبحسب المصادر، فإن «يوسف استاء من حصول عدد من الشركات المنافسة على ما يسمى «غوغل كاش»، بما يسمح لها بتوسيع قدراتها والحصول على عدد أكبر من المشتركين وتقديم خدمات أفضل».