توحي المواقف المعلنة للقوى السياسية والحزبية بأن القرار السياسي قد اتُخذ بإجراء الانتخابات البلدية والاختيارية في مواعيدها، وأن لا عوائق ماثلة في طريق إتمام هذا الاستحقاق. وعلى هذا الأساس بدأت وزارة الداخلية بالمراحل الإعدادية ودعوة الهيئات الناخبة إلى شهر الحسم البلدي والاختياري في أيار المقبل.
وزير الداخلية نهاد المشنوق يؤكد جدية توجه الوزارة نحو إجراء الانتخابات البلدية في مواعيدها، ومع ذلك تبقى العبرة في جدية القرار السياسي وترجمته في صناديق الاقتراع، بخاصة أن القوى السياسية التي تعكس مواقفها المعلنة، لا سيما من قبل كبار قادتها، حماسة لديها واستعدادات لإجراء الانتخابات وكأنها حاصلة حتماً، تبدو في الوقت نفسه منقسمة على ذاتها بين فريق يراها مؤكدة في مواعيدها وبين فريق ما زال يتعاطى بحذر مع الاستحقاق البلدي والاختياري، ويوحي أن المسافة ما بين إجراء الانتخابات وعدمه هي نفسها.
وإذا كان الارتباك في النظرة الى هذه الانتخابات، قد قسم الجسم السياسي، إلا أن ذلك لم يتمكن من اختراق حماسة المواطن اللبناني واندفاعه لتجديد الدم البلدي والاختياري، وإجراء الانتخابات في مواعيدها المقررة من دون أي إبطاء. وها هي التحضيرات الشعبية والعائلية، وكذلك السياسية، قد بدأت على قدم وساق، وتشهد المدن والقرى حركة لقاءات ومشاورات مكثفة لتركيب لوائح ونسج تحالفات، بالتوازي مع تشغيل جدي للماكينات الانتخابية الحزبية والسياسية.
وينتظر أن يشهد الحراك الشعبي البلدي والاختياري مزيداً من التفعيل في الفترة القريبة المقبلة، وهذ أمر طبيعي في رأي الرئيس نبيه بري الذي يحرص على رفد هذا الاستحقاق بجرعة تفاؤلية عالية، وقال لـ «السفير»: الانتخابات البلدية ستجري حتماً، وليس هناك ما يمنع إجراءها.
أضاف بري: في وضعنا الحالي نكاد نكون أفضل حالاً من كثير من الدول الخارجية، وأنا في الوضع الطبيعي الحالي لست قلقاً على الانتخابات، ويقيني أنها ستجري في مواعيدها، وقد بدأنا التحضيرات الكاملة لها. وليعلم الجميع أنه حتى ولو وقع زلزال لا قدّر الله، فذلك لن يوقفها، ولن يؤدي إلى إلغائها. لذلك أنا لا أرى ما يدعو إلى عدم إجراء الانتخابات، وحسناً فعل وزير الداخلية بدعوته الهيئات الناخبة، ما يعني أن كل الأسباب الموضوعية لإتمامها متوفرة، ولم تعد بحاجة لا إلى قرار من مجلس الوزراء ولا الى قانون من مجلس النواب.
وفي السياق ذاته، استبعد رئيس «تكتل الإصلاح والتغيير» النائب ميشال عون وجود ما يوجب عدم إجراء الانتخابات البلدية، وقال لـ «السفير»: لا سبب للتعطيل أو التأجيل، وإن وُجد سبب ما فليُعمَل بشكل حثيث ودؤوب لكي نتغلب عليه ونوجد الحلول الملائمة التي تجعل من الانتخابات أمراً لا بد منه.
وأكد عون «أن من المفيد جداً تجديد الدم في المجالس البلدية والاختيارية، ولا بد من التركيز على وصول العنصر الشاب والكفاءات كي يساهموا في إدارة شؤون المجالس المحلية، وكذلك الاستفادة من طاقاتهم لإنماء مناطقهم.
ورفض عون إمكانية التمديد للمجالس البلدية والاختيارية، مؤكداً أنه لا يجوز لنا أن نعتاد على التمديد، ثم أردف ممازحاً: «إذا كنا سنتكّل على التمديد، فمعنى ذلك أن البلد «رح يختير».
كما لفت عون إلى أن أي تأجيل يتطلب أن يكون هناك عجز من قبل الدولة، أو ظروف طارئة وكبيرة جداً، «ولكنني لا أرى تلك الظروف. أنا شخصياً لا أعرف أسرار الدولة وما يمكن أن تتخذه من قرارات. ولكن كل ما أعرفه هو ان الانتخابات يجب أن تحصل في مواعيدها».
وأشار عون إلى أن «التيار الوطني الحر» سيخوض الانتخابات البلدية والاختيارية جنباً إلى جنب مع «القوات اللبنانية» وكذلك مع سائر الحلفاء والقوى السياسية لأن هذا الاستحقاق تختلط فيه السياسة والعائلية.
وأبدى الرئيس نجيب ميقاتي حماسته للانتخابات. وقال لـ «السفير»: إننا مع إتمام الانتخابات البلدية والاختيارية، ومتمسكون بإجرائها في مواعيدها ويجب أن يتم ذلك من دون أي إبطاء».
وغمز ميقاتي من قناة بعض المشككين بإجراء الانتخابات وقال: هناك مفارقة غريبة، وهي أن الجميع باتوا مقتنعين بحتمية حصول الانتخابات، ولكنهم في الوقت ذاته يشككون بذلك، وهذا ما أدخلنا في حيرة. ومع ذلك نحن نعمل وفق مبدأ أن الانتخابات البلدية ستحصل في موعدها.
ورداً على سؤال حول طرابلس قال ميقاتي: الأولوية لدي هي مصلحة المدينة، التي تقتضي إيصال مجلس بلدي متجانس يضم كفاءات المدينة ويمثل عائلاتها الروحية كلها من أجل تحقيق النهضة المرجوة. القوة الحقيقية تكون للعمل لحساب طرابلس وليس على حسابها. حتى الآن لا نزال في مرحلة استكمال الاتصالات في هذا الموضوع، ولا شيء نهائياً بعد.
اما رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط فتناول الموضوع البلدي بأسلوب تهكمي، وقال لـ «السفير»: الانتخابات البلدية والاختيارية مصيبة وحلت بنا، ولم يعد في إمكاننا أن نفعل شيئاً. وها هم الآن قد أفرجوا عن ملايين الليرات من حصص البلديات، ولنرَ ماذا سيفعلون بهذه الملايين. في أي حال هناك استحقاق ضروري اسمه الانتخابات البلدية، ولكن، كأننا نخالف الأعراف، فلا توجد انتخابات رئاسية، ولا توجد انتخابات نيابية، ومع ذلك نذهب ألى الأسهل، وهذا أمر عجيب غريب.
وقال رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع لـ «السفير»: «القوات» مع إجراء هذه الانتخابات في مواعيدها، ومتحمسة لها، لأننا أولاً محرومون منذ مدة من إجراء الاستحقاقات الديموقراطية، وثانياً لإيماننا الكبير بأهمية السلطات المحلية ودورها.
واستبعد جعجع تأجيل الانتخابات، وقال: ليس هناك ما يستدعي ذلك، كما لا أرى ما يمنع إجراءها، لا أمنياً ولا سياسياً ولا غير ذلك. وقد باشرنا العمل التحضيري وبكل قوة وفعالية وحماسة، تمهيداً لانبثاق سلطات محلية كفوءة فاعلة.
وفيما أكد القيادي في «تيار المردة» الوزير روني عريجي لـ «السفير» المضي في التحضير لخوض الانتخابات، أبلغت مصادر مقربة من الرئيس سعد الحريري «السفير» قولها: «نحن نعمل للانتخابات وكأنها حاصلة غداً، مع التوجه لنسج تحالفات وتوافقات في مختلف المناطق». وفي المنحى ذاته قال رئيس حزب الكتائب سامي الجميل لمراسل «السفير» في البقاع سامر الحسيني: إننا مع إجراء الانتخابات في موعدها، ولا يوجد أي شك لدي في تأجيلها وعدم إجرائها . كما لا توجد أية موانع لذلك.. وهي «واقعة إن شاء الله». والكتائب بدأت التحضيرات اللازمة لهذا الاستحقاق في المناطق كافة.

تساؤلات

وبموازاة المواقف السياسية، يبقى المواطن مسكوناً بالحذر والخشية من لعبة تعطيل تحت الطاولة، تتكرر معها التجارب التمديدية السابقة في بعض المؤسسات، وتكشف بالتالي أن كل التحضيرات للاستحقاق البلدي والاختياري مجرد حبر على ورق. ومن هذا المناخ الشعبي تتولد مجموعة من الأسئلة والاستفسارات:
- هل ستجري الانتخابات البلدية في مواعيدها.. وما حقيقة ما يتردد عن سعي بعض السياسيين إلى ذريعة لإلغائها؟
- هل يتحمل لبنان عدم إجراء هذه الانتخابات، وهل صحيح ما يتردد في بعض الكواليس السياسية عن تأجيل محتمل لسنتين، وهل يتحمل مزيداً من التمديد لمؤسساته المنتخبة؟
- ما دوافع بعض السياسيين لإبداء خشيتهم من بروز موانع أمنية أمام إتمام الانتخابات؟
- هل الانتخابات مضبوطة ومحمية أمنياً، وهل هناك من يتعمّد تضخيم الهاجس الأمني، فقط للهروب منها؟
- إذا كان الأمن ذريعة التأجيل أو الإلغاء، أوَلم تحصل سوابق في لبنان تجاوزت العامل الأمني كالانتخابات البلدية الفرعية أيام حكومة ميقاتي وشملت انتخاب أعضاء 350 بلدية من دون ضربة كف، علماً أن طرابلس وصيدا كانتا في ذروة التوتر والاشتباكات، والأمر نفسه بالنسبة للانتخابات النيابية الفرعية في الكورة، بعد وفاة النائب فريد حبيب؟
- وربطاً بالأمن، ومع التسليم بإجراء الانتخابات في مواعيدها، كيف سيتم التعاطي مع بعض البؤر الأمنية الخطيرة وعلى رأسها بلدة عرسال؟
- ما حقيقة الموقف المسيحي من إجراء الانتخابات، وهل ثمة أصوات باتت تفضل تأجيل الانتخابات وإبقاء الحال على ما هو عليه، بدل الذوبان أمام التحالف العوني القواتي؟
- إذا كان وضع الثنائي الشيعي مريحاً بلديًّا واختياريًّا، وكذلك هو وليد جنبلاط وسليمان فرنجية وغالبية القوى السياسية، فما حقيقة وضع تيار المستقبل وهل صحيح ما يتردد عن أنه قلق انتخابياً، وبالتالي مع تأجيل الانتخابات؟
- هل إجراء الانتخابات معناه أن الانتخابات النيابية وُضعت على السكة، وستجري في آخر المهلة التمديدية للمجلس النيابي الحالي؟
- إذا جرت الانتخابات، كيف يمكن تبرير - قانونياً ودستورياً وموضوعياً - إجراء استحقاق انتخابي بلدي وعدم إجراء استحقاقات انتخابية شعبية أخرى، وعلى رأسها الانتخابات النيابية؟